الحكومة المغربية تستسلم أخيرا لضغوط النقابات بشأن زيادة الأجور

استسلمت الحكومة المغربية أخيرا إلى حقائق الأمر الواقع ووقعت اتفاقا مع أكبر النقابات العمالية بالبلاد لزيادة الأجور في القطاعين العام والخاص، بعد ماراثون من المفاوضات دام خمس سنوات لاسيما مع حرص العاهل المغربي الملك محمد السادس على إدخال بلاده في حقبة جديدة من النشاط الاقتصادي ذي المردود العالي.

وقّعت الحكومة المغربية مع النقابات العمالية اتفاقا لزيادة أجور الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص، في خطوة تهدف إلى تحقيق أعلى درجات السلم الاجتماعي.

ويتوج الاتفاق سنوات من المفاوضات بين الحكومة والهيئات الممثلة للموظفين في الدولة، الساعية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

وأكد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني عقب اتخاذ هذه الخطوة مساء الخميس أن الاتفاق سيسهم في إرساء قواعد السلم الاجتماعي وتحسين أوضاع المواطنين، وكذلك تقوية الاقتصاد المحلي.

ووقّعت الحكومة الاتفاق، الذي يمتد حتى 2021 مع كل من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بصفته ممثلا للشركات الخاصة والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين والاتحاد الوطني للشغل بصفتها نقابات عمالية أكثر تمثيلية.

حفيظ الزهري: مخرجات الاتفاق تهم مستقبل الحالة الاجتماعية لفئة كبيرة من الشعب
حفيظ الزهري: مخرجات الاتفاق تهم مستقبل الحالة الاجتماعية لفئة كبيرة من الشعب

ووصف نجيب بوليف، كاتب الدولة المكلف بالنقل الاتفاق بـ”التاريخي”، لكن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كان لها رأي آخر حيث رفضت التوقيع على الاتفاق بمبرر عدم أخذ الحكومة بعين الاعتبار كل القضايا الضرورية التي يجب تضمينها في أي اتفاق يوقّعه المكتب التنفيذي.

وذكرت الكونفدرالية  أنه لم يتم اعتماد كلمة “التشاور” واستبدالها بعبارة “الحوار والتفاوض الاجتماعي”.

وأشارت إلى أنه لم يتم إدراج مراجعة الضريبة على الدخل وإعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة في مشروع القانون المالي 2020.

ويقول اقتصاديون إن تنفيذ استراتيجيات التنمية لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل توزيع عادل للثروة، ودعم للفئات المهمشة من المجتمع من خلال الزيادة في الأجور.

واعتبر المحلل حفيظ الزهري أن مخرجات توقيع الاتفاق تهم مستقبل الحالة الاجتماعية لفئة كبيرة من الشعب المغربي رغم الحسابات الضيقة للأحزاب والنقابات التي لا تخدم المواطنين.

ورأى أن انسحاب الكونفدرالية من الاتفاق دليل على ارتباك الحكومة في التعاطي مع عدة قضايا مهمة تطرحها بعض النقابات.

وبحسب وثيقة الاتفاق، تتراوح قيمة الزيادة للموظفين الحكوميين ما بين 400 و500 درهم (40 و50 دولارا) مقسمة على ثلاث سنوات.

وسيتم صرف الزيادة الأولى المحددة بحوالي 200 درهم (20.7 دولار) في مايو المقبل، على أن تصرف باقي قيمة الزيادة في يناير العام المقبل ثم يناير 2021.

وتمثلت الإجراءات المتفق عليها زيادة عامة في الأجور ستشمل نحو 800 ألف موظف بإدارات الدولة ومؤسسات القطاع العام.

وبموجب الاتفاقية سيتم رصد 2.5 مليار درهم (258 مليون دولار) خلال هذا العام، ما يعني أن هذا الرقم سينضاف إلى بند الأجور في حسابات ميزانية الدولة للعام الجاري والبالغة 48 مليار دولار.

وستبلغ قيمة المبلغ المخصص لزيادة الأجور نحو 7 مليار درهم (724 مليون دولار) بحلول 2021، وبهذه الخطوة ستستأثر فاتورة الأجور بأكثر من خمس الميزانية السنوية، حيث ستصل إلى حوالي 11.6 مليار دولار تقريبا.

ويؤكد خبراء اقتصاد أن ذلك سيجعل الالتزام بخفض حجم الأجور إلى ما دون 10.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي أمرا صعبا في السنوات المقبلة.

وينص الاتفاق أيضا على الزيادة في التعويضات العائلية لقرابة 400 ألف موظف بمبلغ مالي سنوي يصل إلى نحو مليار درهم (107 ملايين دولار).

وستستفيد كل عائلة موظف في الدولة بنحو 100 درهم (10 دولارات) عن كل طفل في حدود ثلاثة أطفال ابتداء من مطلع يوليو القادم.

كما سيتم إحداث درجة جديدة للموظفين المرتبين في الدرجات السفلى وتحسين شروط الترقيات لمجموعة من الفئات بقطاع التربية، وهو إجراء سيهم أكثر من 24 ألف موظف بمبلغ مالي يتجاوز 200 مليون درهم (20.7 مليون دولار).

724 مليون دولار، حجم الأموال الإضافية، التي ستخصصها الحكومة لنحو 800 ألف موظف بحلول 2021

وبالنسبة للعاملين بالقطاع الخاص، فقد تقرر رفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات بنسبة 10 بالمئة مقسمة على عامين ابتداء من يوليو المقبل، كما ستشملهم أيضا التعويضات العائلية المخصصة لموظفي الحكومة.

وستلتزم الحكومة بتعبئة الموارد المالية  لتغطية تكاليف هذا الاتفاق، وقد أكد العثماني على ترسيخ الثقة بين الإدارة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين بما يسهم في تشجيع الاستثمار وإحداث فرص عمل جديدة.

وبالإضافة إلى الزيادات في الأجور، ينص الاتفاق إجراءات ترمي إلى تعزيز الحماية الاجتماعية وتحسين مجال التشريع والحريات النقابية، ومأسسة الحوار الاجتماعي، والعمل على وضع ميثاق اجتماعي يحقق التماسك والسلم الاجتماعيين.

ويعود آخر اتفاق اجتماعي من هذا النوع إلى أبريل 2011 وتضمن زيادات في أجور موظفي القطاع العام، وجرى التوقيع عليه في سياق تظاهرات حركة 20 فبراير.

وقررت الحكومة زيادة في الحد الأدنى للأجر سنة 2014، لكن النقابات العمالية ظلت تؤكد ضرورة تطبيق كل مقتضيات اتفاق 2011 والتوصل لاتفاق اجتماعي شامل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: