فساد المعنى

الفساد ليس له وجود بذاته، وإنما بصفاته تلك التي لا تبرز للعيان

من كثرة تردد عبارة “الفساد الصحافي”، في سياقات متعددة، ومتعارضة أحيانا، أصبح فاقدا لجوهر معناه. يمكن مبدئيا أن نفهم أن المقصود هو  اللجوء إلى “صفة الصحافي  ”، بشتى تجلياتها، في قضاء مآرب أدبية وفنية؛ من قبيل النشر والحضور في ندوات ومعارض ومؤتمرات، أو الحصول على حظوة ثقافية دونما استحقاق، كأن يدعى صحافي إلى مهرجان وليس له من صفات الصحافي سوى أنه أصدر مطبوعات أساءت استعمال الورق، أو أن يسلق ناقد على عجل وليس له من المواهب إلا إتقان القفز على الحواجز، ليعتلي المنبر رفقة من له وضع رمزي بني عبر عقود من الاجتهاد ومكابدة الوجود في مشهد أدبي صعب.

والشيء الأكيد أن النتيجة المباشرة لمثل هذا الاختراق هي إفقاد الحقل الصحافي برمته القدرة على الاحتكام لمعايير ثابتة، فالجيد جيد والرديء رديء، وما بينهما فساد وتعمية، إنما الأكثر خطورة وهو إفقاد الثقة لدى شريحة واسعة من المتلقين في جوهر الإعلام ، وإشاعة نوع من الارتياب العميق في كل وافد جديد، بحيث تتكرس تدريجيا نظرة ماضوية للإبداع تقرنه بالناجز دون غيره.

هي ظواهر تتكرر دوما وتجد لها مبررات في أحوال كثيرة لدى من يناصرونها، بيد أنه إذا ما تركنا الظاهرة المتصلة بهذا التعريف المخصوص للفساد الإعلامي ، وحاولنا أن نقارب العبارة في سياقها التداولي، فإن مما يلفت الانتباه أنها أضحت مكونا جوهريا في لغة الخشب التي تضج بها المجتمعات الإعلامية ، حيث أن عددا كبيرا ممن بات يستعمل الكلمة قادم مما يمكن وسمه: بـ”العشوائيات الإعلامية ”، تلك التي باتت تنبت كالفطر على هامش المشاريع الأدبية القوية والمقنعة، ويكون القصد منها الابتزاز، والرغبة في جني ثمار دون وجه حق، عن جهد غير مبذول، بناء على قناعة فاسدة ترى أن الكتابة متماثلة بما أن حصيلتها هي “إصدار المنشورات ”، وأن التشكيل واحد مفاده “صباغة الأقمشة والأوراق”، وفي هذا فليتنافس المتنافسون في اجتلاب المنافع، واقتسام المال بالعدالة والمساواة.

أذكر في هذا السياق أنه في عدد كبير من لجان تحضير مؤتمرات أدبية وفنيةو سياسية  و آخرها المنتدى المغربي البلجيكي  سبق أن شاركت فيها، كان يحضر دوما هاجس الخوف من تكرار بعض الأسماء التي لها قيمة إبداعية ثابتة، فقط لأن القادمين من العشوائيات يمكن أن يعتبروا الأمر ريعا ثقافيا و سياسيا . 

لهذا وجدتني أحيانا أتمثل عبارة “الفساد الإعلامي ” ليس بوصفها تنديدا بخلل طارئ، يهدد المجال الإعلامي ، وإنما من حيث هي سعي إلى تأميمه، فالفساد ليس له وجود بذاته، وإنما بصفاته تلك التي لا تبرز للعيان، في حالات كثيرة، إلا في حال عجزه عن استيعاب المنادين بإسقاطه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: