تركيز الآباء على السيطرة على أبنائهم يقود إلى خسارتهم

لا يفرق العديد من الآباء بين توجيه ومصاحبة الأبناء خصوصا في فترة المراهقة وبين فرض سيطرتهم عليهم ومحاولة تسييرهم وفق رغباتهم ورؤيتهم للحياة. ويعيش الطرفان حالات كثيرة من المواجهات والصراعات فبينما يحاول الابن الاقتراب من أقرانه والتشبه بهم يحاول الوالدان استرجاعه والسيطرة عليه وعلى علاقاته. وينصح مختصون جربوا إيجاد الحل الأمثل لتكوين علاقة ناجحة مع أطفالهم الآباء باتباع الغرائز والتخلي عن فكرة أن الأمومة والأبوة خبرة تكتسب من خلال إتباع نصائح المختصين.

يحاول الآباء السيطرة على نزوع أبنائهم نحو تمضية نصيب هام من أوقاتهم أمام الشاشات وهم صغار في السن، ثم ينتقلون إلى مرحلة الصراع معهم عندما يدخلون في فترة المراهقة وما يتخللها من تمرد على كل شيء، ويتسرب إلى داخل الوالدين مشاعر من قبيل أن أبناءهم يضيعون من أيديهم ويخرجون عن المسار الصحيح وعن سيطرتهم أساسا.

عندما كان ابن الطبيب الكندي غابور ماتي الأكبر يبلغ من العمر ثماني سنوات، أزعجت نوبات غضبه والديه لدرجة أنهما أخذاه لرؤية الخبير في علم النفس التنموي، غوردون نيوفيلد. تحدث الأخير إلى ماتي وزوجته راي، ثم تحدث مع ابنهما دانيال. وحدد في النهاية أن جذور المشكلة تعود إلى الوالدين.

وبدل أن يدلهما على طريقة لإرجاع “هذا الطفل المضطرب” إلى قبضتهما، أخبرهما بأنهما يحتاجان إلى معالجة سلوكهما.

بعد حوالي 20 عاما من تلك الزيارة، تعاون ماتي مع نيوفيلد لتأليف كتاب يستند إلى أفكار الأخصائي، وأسندا إليه عنوان “تمسك بأطفالك”، وتمت ترجمة هذا الكتاب إلى 15 لغة وقد نشر مؤخرا في المملكة المتحدة.

يشعر العديد من الآباء والأمهات بأن أطفالهم ينزلقون من قبضتهم نحو أحضان جيل ضائع، مما ساهم في ارتفاع مبيعات الكتاب، وخاصة بين الأولياء الذين يتشاجرون مع أبنائهم حول أمور مثل الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة أو بعض التصرفات التي تعود إلى غرابة فترة المراهقة.

من الصعب معرفة إلى أي مدى يمكن الاحتفاظ بالسيطرة دون أن تتجاوز الحد المطلوب، وبمجرد أن يصبح هدف الوالدين متمثلا في فرض السيطرة على أطفالهما، فقد خسرا المعركة

ويؤكد ماتي ونيوفيلد على حاجة الأهل لفهم أن هذه الأمور هي في الواقع “ليست مشكلات سلوكية، ولكنها مشكلة في العلاقة”، وتحديدا في جوهر هذه العلاقة، حيث قد يرى بعض الأبناء أن تزايد ارتباطهم بأقرانهم يعد علامة على نضجهم. لكن ماتي ينفي صحة ذلك، ويقول إنه “يجب على الأولياء استرجاع أطفالهم إذا ما فقدوهم لصالح أقرانهم”.

هذا ما فعله الطبيب الكندي مع ابنته عندما كان عمرها 15 عاما، ويوضح بحسب صحيفة الغارديان البريطانية “لقد قررت أن أستردها، لم تكن مهتمة بقضاء الوقت معي، لكنني أردت أن أكون معها وأعرف أنها تحب تناول الطعام خارج البيت، لذلك نذهب لتناول العشاء في المطاعم مرة واحدة كل أسبوع″.

استمر هذا التقليد لسنوات، وأصبحت تلك الأمسيات بمثابة طقوس مقدسة، ثم بدأت البنت في اللجوء إليه للحصول على المشورة بعد سنوات. يرى ماتي أنه قد يكون ارتكب كل الأخطاء الممكنة، لذا ألف كتابه لمساعدة الآخرين للتعلم من تجربته الخاصة.

وشملت بعض هذه الأخطاء بعض أساليب العقاب التي اعتبرها ماتي “مبنية على الخوف”، مرجحا أن يدفع مؤلفه الكثير من الآباء إلى دراسة سلوكياتهم من منظور جديد.

ما الذي يمكن للآباء أن يفعلوه لاسترجاع أطفالهم؟

يعتبر ماتي أن المفتاح يكمن في إعادة الاتصال مع الحدس وتجاهل الكتب التي تصور الأبوة والأمومة على أنها خبرة يجب اكتسابها. يبدو هذا غريبا من شخص شارك في تأليف كتاب عن الأبوة والأمومة. لكن، في رأي الطبيب المؤلف فإن مهمته هي ببساطة “التحقق من غرائز الأبوة والأمومة” في مواجهة هجوم ثقافي عليها. وينظر إلى النصيحة بترك طفل يبكي في الليل أو عزل الطفل الذي أساء التصرف، على أنها “ممارسات تخالف غرائز الوالدين”.

ويضيف ماتي “تحدث إلى الأمهات عن شعورهن تجاه ذلك وقد أوصاهن خبراء الأبوة والأمومة بتجاهل مشاعرهن عند تعاملهن مع الأطفال”. فعند العودة إلى الغريزة، تبدو الأمور واضحة ومباشرة: تحدث مع أطفالك جيدا، وتعامل معهم كأي شخص عزيز، ورحب بهم مع عناق، وتجنب الإفراط في استخدام هاتفك عند قضاء الوقت معهم، وحاول التماس نواياهم الحسنة.

ويقترح الطبيب البالغ من العمر 75 عاما “خذ مثال طفل في العاشرة من عمره. ما هو هدفك لتلك السنوات القليلة المتبقية التي سيقضيها في بيتك؟”

ينصح ماتي أي والد يرغب في التمسك بطفله أو استعادة صغيره “المفقود”، قائلا “قيّم كيف تدعم بنية حياتك نية استعادة طفلك”.

الاستفادة من الهاتف لتعليم المراهقين المسؤولية
الاستفادة من الهاتف لتعليم المراهقين المسؤولية

يساعد قضاء بعض الوقت في عطلات نهاية الأسبوع مع طفلك على تحسين علاقتك معه. حاول خلق جو موائم في المنزل. ولا تأخذ رفض دعوتك على مستوى شخصي، بل حاول البحث عن سبل أخرى لجذب ابنك.

خذ التركيز على الجوانب الفنية لكيفية التحكم في الأطفال ووجهه إلى العمل على العلاقة بدلا من ذلك. ومع ذلك في سياق البحث عن سبل بناء علاقة أفضل، من الصعب معرفة إلى أي مدى يمكن الاحتفاظ بالسيطرة دون أن تبدو سيطرتك أكثر من اللازم. وبمجرد أن يصبح هدفك متمثلا في فرض السيطرة على أطفالك، فقد خسرت المعركة قبل أن تخوضها.

قد تعد فكرة الفشل في السيطرة على أطفالك بمثابة نجاح كبير. يقول ماتي، يمكننا جميعا “العودة إلى الغريزة”. اجمع أطفالك من حولك واجلس معهم عندما يستيقظون، وعندما يأتون من المدرسة، وخلال الوجبات، وعندما يذهبون إلى الفراش. تحدث النوايا الجيدة والوعي العميق في استيعاب الطفل فرقا شاسعا.

ضع بعض القواعد. ستعرف متى يمكن إجراء بعض المفاوضات ومتى لا يجوز ذلك. وبدلا من الصراخ أو إرسال الرسائل النصية عندما يحين وقت العشاء، اصعد الدرج وتحدث إليهم مباشرة.

لا تحاول التحكم فيهم، بل حاول أن تقودهم. تجنب الصراعات، لا تحاول السيطرة عليهم، واعمل على إعادة بناء العلاقة بينكم. ركز على ما يمكن لأطفالك القيام به، وامدحهم كلما فعلوا أمرا يستحق التقدير، حتى ولو كان ضئيلا. ولا تنس تكليف أطفالك ببعض الأعمال اليومية إذا كان يمكنهم القيام بها، وعلمهم العمل بجد وإتقان.

قد يتطلع أطفالك لاقتناء هاتف محمول مثل أترابهم. هنا، حاول أن تؤجل الاستجابة إلى ذلك لأطول فترة ممكنة. أما بالنسبة للمراهقين الذين بدأوا القيادة، من المهم أن تذكرهم بخطورة استخدام الهاتف أثناء القيادة. يمكن الاستفادة من الهاتف كأحد الأدوات التي تساعد على تعليم المسؤولية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: