بوتفليقة يفشل في تهدئة الغضب السياسي المتصاعد

الوعود التي أطلقها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لم تقنع الشارع الجزائري الذي اعتبرها مناورة من المناورات التي دأبت السلطة على تنفيذها لتجاوز المآزق التي تقع فيها، وهو ما يعكسه استمرار الاحتجاجات والتصدعات داخل مؤسسات الدولة.

فشل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في احتواء الغضب الشعبي المتصاعد في الجزائر، بسبب ترشحه للولاية الخامسة، ونفوذ القوى غير الدستورية في إدارة شؤون البلاد، عبر الوعود التي أطلقها لإنهاء الأزمة السياسية، حيث خرج آلاف الجزائريين في مختلف المدن والمحافظات مباشرة بعد تقديم ملف ترشحه للمجلس الدستوري، لتجديد شعارات ومطالب الحراك الشعبي.

واندلعت ليل الأحد / الاثنين مظاهرات صاخبة في مختلف مدن ومحافظات البلاد، للتعبير عن رفض الشارع الجزائري لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، والدعوة إلى رحيل ما يوصف بـ”القوى غير الدستورية” التي تدير شؤون البلاد.

وخرج الآلاف من المحتجين في العاصمة، ومعظم مدن ومحافظات البلاد، للتظاهر ضد مضمون التعهدات التي تلاها ممثله ومدير حملته الانتخابية الجديد عبدالغني زعلان، بعد إيداع ملف ترشحه لدى هيئة المجلس الدستوري (أعلى هيئة قضائية في البلاد).

وتفاجأ المتابعون للشأن الجزائري، وحتى المؤسسات الرسمية والسياسية في البلاد، من ردة الفعل السريعة من طرف الشارع الجزائري، حول الوعود التي أطلقها مرشح السلطة من أجل احتواء الغضب الشعبي المتصاعد في البلاد، وفيما كان الكثير ينتظر ساعات لبلورة موقف شعبي، جاء الرد عفويا في مظاهرات ومسيرات ليلية، تحولت إلى هاجس حقيقي، خشية الدفع بها إلى الانزلاق نحو الفوضى، من طرف الدوائر المناوئة للحراك.

وكان الرئيس الحالي المتواجد حاليا في أحد المستشفيات السويسرية للعلاج منذ أكثر من أسبوع، قد أطلق حزمة تعهدات سياسية، بمناسبة إيداع ملف ترشحه من طرف مدير حملته الانتخابية عبدالغني زعلان، أعادت إلى الأذهان سيناريو الإصلاحات السياسية التي أطلقها عام 2011 تحت ضغط موجة الربيع العربي، لكن لم تجسد معظم محاورها.

إصرار السلطة  على تمرير الولاية الخامسة بكل الوسائل، يعزز فرضية المناورة في وعود بوتفليقة بتنفيذ إصلاحات

وتعهد مرشح السلطة بوعود ستة تتمثل في “تنظيم ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أسس النظام الجديد الإصلاحي للدولة، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة طبقا للأجندة التي تعتمدها الندوة الوطنية، ولا يترشح فيها، بغية تحقيق انتقال هادئ وسلس”.

وأضاف “إعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء، يكرس ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجزائري الجديد، ووضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، ومنها ظاهرة الحرقة، إلى جانب تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد”.

وفضلا عن ذلك “اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لفائدة الشباب لأخذ أولويته في الحياة العامة وعلى جميع المستويات، وفي كل فضاءات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومراجعة قانون الانتخابات، مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم الانتخابات”.

وإن جاءت رسالة بوتفليقة متأخرة، قياسا بتسارع وتيرة الحراك الشعبي في البلاد، فإنها لم تتمكن من تهدئة الغضب المشتعل، ويسود إجماع على أنها مناورة من المناورات التي دأبت السلطة على تنفيذها لتجاوز المآزق التي تقع فيها، فقد كانت إصلاحات في العام 2011 ومشاورات ولم تفض إلى شيء.

وذهب الناشط السياسي ورئيس الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي كريم طابو إلى أن “رفض الحراك الشعبي لتعهدات بوتفليقة، رد فعل طبيعي، نظير تراجعه عن عهود سابقة قطعها على نفسه، فقد سبق له أن صرح في آخر خطاب له العام 2012، بأن (جيلي طاب جنانو)، أي هرم، و(عاش من عرف قدر نفسه)، لما طلب منه أنصاره الترشح آنذاك، إلا أن الحاصل نفس الرجل لا زال في كرسي الرئاسة إلى حد الآن”.

واعتبر مراقبون أن تعهدات بوتفليقة تحمل معالم خطة بديلة للسلطة، قياسا بما تضمنته من خطوات، حيث سبق لمبادرة التوافق الوطني التي أطلقها أكبر حزب إخواني في البلاد “حمس”، بالتنسيق مع جهات نافذة في السلطة، أن تحدثت عن أجندة مشابهة كالندوة الوطنية ومراجعة الدستور والإصلاحات العميقة.

ويبدو أن السلطة تحاول تجاهل مطالب الشارع الجزائري، الرافض للعهدة الخامسة وللمحيط النافذ في رئاسة الجمهورية، من قوى سياسية ومالية وإعلامية، وتبقى الاستفهامات مطروحة حول سر إصرارها على تمرير الولاية الخامسة بكل الوسائل والذهاب إلى انتخابات مثيرة للغضب، الأمر الذي يعزز فرضية المناورة في حزمة الإصلاحات.

وفي أولى ردود الفعل السياسية، ذكرت رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون أنه بخصوص “الرسالة المنسوبة إلى رئيس الجمهورية، أود أولا التوجه إلى أولئك الذين يتحدثون ويقررون باسم رئيس الجمهورية وقرروا تقديم ملف ترشحه أقول لهم: أيها السادة، أعلنوا حالة عجز الرئيس، اتركوا هذا الرجل، اتركوا هذا المجاهد يغادر بسلام، شفقة على هذا البلد وهذا الرجل”.

Thumbnail

ودعت الحراك الشعبي إلى “الصمود والاستماتة في وجه مخططات السلطة، وإلى تفويت الفرصة على المغامرين بمستقبل البلاد، عبر الاستمرار في الضغط بالمسيرات والمظاهرات السلمية والهادئة، وعدم الرد على الاستفزاز وخطاب الانزلاق للعنف والفوضى”.

ومن جانبه أكد بيان صادر عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أن “اكتمال عملية إيداع ملفات الترشيح للانتخابات الرئاسية، تم بابتذال وتدنيس جميع المؤسسات الرسمية، فإلى جانب انتهاك الدستور الذي ارتكب بالترشيح غير الشرعي لرئيس الدولة، كان هناك تجاوز صريح للإجراءات الرسمية التي يشترطها المجلس الدستوري”.

وأعلن وزير الفلاحة الجزائري السابق سيدي فروخي الاثنين استقالته من عضوية البرلمان ومن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، في دلالة نادرة على الاستياء داخل النخبة الحاكمة. وبدورها، أعلنت المنظمة الجهوية لناحية قسنطينة، التي تضم منتسبي القطاع في عدة محافظات بشرق البلاد، عن أنها “ستدخل في عملية مقاطعة للعمل القضائي في جميع المحاكم الإقليمية، ابتداء من نهار غد الأربعاء، احتجاجا على ما أسمته بخرق قوانين ودستور الجمهورية”.

وشهد مقر “الاتحاد العام للعمال الجزائريين” (أكبر نقابة في البلاد)، الإثنين، احتجاج المئات من النقابيين بسبب موقف قيادة التنظيم الداعمة لترشح عبدالعزيز  بوتفليقة.

وردد المحتجون (نحو 500 نقابي) شعارات مناهضة لقيادة النقابة ومطالبة برحيلها؛ بسبب ما اعتبروه “تنكرها لمواقف ملايين الجزائريين الرافضين للولاية الخامسة للرئيس”.

كما شهد “منتدى رؤساء المؤسسات” (أكبر نقابة لأرباب العمل في الجزائر) استقالات لمسؤولين به بسبب مواقف التنظيم الداعمة للولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة. ومنذ السبت الماضي، أعلنت 3 شخصيات بارزة استقالتها من المنتدى.

Thumbnail

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: