جمعيات حقوقية ونقابية وإعلامية تستنكر تسريب فيديوهات لمحامي المشتكيات على بوعشرين

Sep 18, 2018

بعد أسابيع من اختفاء القضية من اهتمام الرأي العام المغربي، عادت قضية الصحافي المغربي توفيق بوعشرين مدير مؤسسة أخبار اليوم المغربية، لتشغل الرأي العام وتحتل حيزها بارزًا في وسائل الإعلام لتصل إلى مؤسسات الحزب الرئيسي في الحكومة.
عودة الاهتمام بلمف توفيق بوعشرين الذي اعتقل في شهر فبراير الماضي، تعود إلى تقديم نتيجة الخبرة العلمية لفيديوهات قالت الشرطة إنها صورت في مكتب بوعشرين خلال سنوات 2015-2017 تتضمن ممارسات جنسية، قالت النيابة العامة إنها لبوعشرين وصحافيات في مؤسسته.
وإذا كانت الخبرة العلمية التي قامت بها مختبرات الدرك الملكي أكدت صحة الفيديوهات وعدم تعرضها لأي مونتاج فإن بوعشرين ينفي أنه الشخص المعني بها، وتؤكد هيئة دفاعه أن الشخص المصور ليس بوعشرين، وهو ما لم تتطرق إليه الخبرة العلمية.
ووجهت النيابة العامة للصحافي بوعشرين الذي كان يزعج السلطات بمقالاته وافتتاحياته، تهمة الاتجار بالبشر والاغتصاب، بعد تدفق شكايات من صحافيات أو نساء ضده ليتم محاصرة واقتحام مكتبه بعشرات من رجال الشرطة واعتقاله، ما حفز على الربط بين الشكايات ومقالاته.
وقررت هيئة محكمة الاستئناف في الدار البيضاء جلسات سرية أثناء عرض النيابة العام خلال المحاكمة فيديوهات قالت نساء إنها لهن مع بوعشرين، وتقدمت النيابة العامة ومعها هيئة دفاع المشتكيات بطلب عرض الفيديوهات للخبرة العلمية، فيما قالت هيئة الدفاع انها ليست معنية لأنها تؤكد أن هذه الفيديوهات لا تعني موكلها.
وسلم الدرك الملكي، يوم الإثنين الماضي، 10 شتنبر الجاري نتيجة الخبرة للمحكمة التي تسلم نسخًا منها أعضاء هيئتي الدفاع عن بوعشرين والمشتكيات، ليتفاجأ الرأي العام بتسريبها إلى الصحافة التي نشرت صورًا وفقرات من التقرير، وهو ما أثار استياء واستنكار الأوساط الصحافية والحقوقية.
وكشفت فيديوهات نشرتها مواقع إلكترونية عن أسماء «المتورطين» في تسريب خبرة الدرك الملكي في قضية الصحافي توفيق بوعشرين، وقالت تقارير إنه لوحظ أثناء مناقشة المحكمة، مساء الإثنين الماضي، طلب السراح المؤقت لبوعشرين، هرولة جل أعضاء هيئة دفاع المشتكيات نحو الصحافيين مباشرة بعد تسلمهم نسخًا من الخبرة من قبل القاضي، الإثنين الماضي، حيث سلمت هيئة المحكمة تقرير الخبرة لدفاع الطرفين. وتوضح الفيديوهات التي بثتها مواقع إخبارية أن محامي المشتكيات شرعوا في قراءة نتائج الخبرة على الصحافيين وأمام عدسات الكاميرات، كما مكنوا الصحافيين من تصوير صفحات التقرير، وذلك ببهو المحكمة، وأمام الملأ.
وكان في مقدمة المحامين، من دفاع المشتكيات، كل من محمد كروط وامبارك المسكيني، اللذين كانا يقرآن فقرات من الخبرة أمام عدسات الكاميرات، وفسحا المجال للجميع لتصويرها علمًا أنها وثيقة سرية.
واستنكرت «جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة» و«المنظمة المغربية لحقوق الإنسان»، تسريب الصور من فيديوهات منسوبة للصحفي توفيق بوعشرين والضحايا المفترضات.
وقالت الهيئتان في بيانين منفصلين إنها تلقت بصدمة واستياء كبيرين، انتشار صور انتقائية ومجزأة من تقرير الخبرة الذي أنجزه المختبر الوطني للدرك الملكي في ملف توفيق بوعشرين، حيث تحتوي الصور على عدة لقطات تجمع المتهم ببعض ضحاياه المفترضات في وضعيات مختلفة، وطالبتا بفتح تحقيق جاد لتحديد المسؤوليات في هذه التسريبات، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة لكل من تورط في ذلك.
واعتبرت الهيئتان أن التسريبات تمت بسوء نية، الغاية منها الإضرار بالمتهم والضحايا على حد سواء، وتضرب في العمق بقرينة البراءة، وتمس بكرامة الضحايا وتعرضهن للوصم». ودعت مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى التقييد بأقصى ضوابط احترام أخلاقيات المهنة، وعدم التشهير بكل أطراف القضية». وطالبت المنظمتان من هيئة الدفاع لكل من المتهم والضحايا المفترضات الالتزام بأخلاقيات المهنة وعدم جعل المرافعات في الشوارع وفي ردهات المحكمة، بل داخل جلسات المحاكمة.
وذكرت المنظمتان بالقرار الصادر عن هيئة الحكم بالغرفة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بتاريخ 3 مايو 2018، القاضي بعرض شرائط الفيديوهات في جلسات سرية، وأنه يتماشى مع المعايير الدولية، في مثل هذه القضايا المتعلقة بالاعتداءات الجنسية المفترضة، صونًا لكرامة المتهم وكرامة الضحايا، والمحددة في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والباب الأول 3 و2 من مبادئ المحاكمة العادلة في إفريقيا.

تشهير بكل أطراف القضية

وأدانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية نشرَ جرائد إلكترونية لصور من التقرير، وقالت النقابة إن نشر تلك الصور «يعتبر تشهيرًا بكل أطراف القضية، من مشتكيات ومتهم؛ وهو ما يمس في الجوهر بمبادئ أخلاقيات مهنة الصحافة»، موضحة أن حماية كرامة الإنسان، سواء كان متهمًا أو ضحية، «حق مصون بقوة القانون، وحماية هذا المبدأ والترافع من أجل ترسيخه ونشر الوعي به داخل المجتمع يعد من المسؤوليات الملقاة على عاتق الصحافة».
وأضاف في بلاغ آخر  «إذا كانت المحكمة قررت جعل جلسات عرض الفيديوهات سرية صونًا لأعراض الناس وأسرهم ومحيطهم وحماية لكرامة الضحايا المفترضين ولقرينة البراءة بالنسبة للمتهم، «فإن نشر هذه الصفحات المرفقة بصور ممارسات جنسية يخل بهذا الإجراء الحكيم، ويجهز على الحق في الكرامة وصون الأعراض».
ودعت النقابة الصحافيين إلى استحضار القيم المذكورة عند وضعها لخطوط تحرير منابرها، وتدبير مشاريعها الإعلامية ومقاولاتها، «ومن واجبها تغليب الدفاع عن حقوق الإنسان والأخلاقيات والتقصي، وليس تغليب الجانب التجاري الربحي الذي يفضله بعض مديري النشر على حساب كرامة الإنسان وحقوقه، وعلى حساب قيم الصحافة النبيلة وأخلاقيات المهنة».
من جهة أخرى، قال المركز المغربي للإعلام الرقمي في المغرب، إنه لا يرى سببًا في استمرار اعتقال الصحافي توفيق بوعشرين، حيث تبين خلال أطوار المحاكمة أن الملف ليس بالشكل الذي قدم لأول مرة، وأضاف أن اعتقال بوعشرين جاء في سياق إقليمي ووطني لترتيب الساحة على المقاس، وفي سياق ما بعد الربيع الديمقراطي، حيث التراجع على العديد من المكتسبات، منها أساسًا الحرية التي ميزت مرحلة (2011 ـ 2013).
وسجل المركز المغربي أسفه عن الحكم الصادر في حق الصحافي حميد المهداوي المعتقل على خلفية حراك الريف، مؤكدًا أن اعتقاله جاء في سياق محاولة إسكاته وإخراسه كصوت أزعج جهات معينة، ورفضه الدخول تحت المظلة، وتشبثه التطرق إلى المواضيع الحقيقية، كما أن المركز يعتبر أن تعبير المهداوي عن رأيه بوضوح في ملف الحراك الذي شهدته منطقة الريف وانحيازه إلى جاب المحتجين السلميين كان من دواعي الاعتقال.
ودعا السلطات إلى الإقدام على مبادرات نوعية لإحداث انفراج في الاحتقان الذي تعيشه الساحة الإعلامية، ومنها على الخصوص السراح الفوري للصحفيين والمدونين المعتقلين، ويؤكد أن أي خطوة مهما اعتبرت مهمة، تبقى ناقصة إن لم تتضمن إطلاق سراح الصحافيين والمدونين.
واستنكر المركز استمرار «مواقع الشهير» في نهجها المعتمد على السب والشتم واقتحام الحياة الخاصة للأفراد، رغم دخول مدونة الصحافة والنشر الجديدة حيز التطبيق، ودعوته السلطات المعنية إلى إعمال القانون، في أفق إيجاد الصيغة المناسبة للتعامل مع هذه المواقع المحسوبة على الإعلام، التي أثرت بشكل واضح على صورة الإعلام الوطني الذي راكم الكثير.

المطالبة بمحاكمة عادلة

وأدت فكرة إدراج «المطالبة بضمان محاكمة عادلة للصحافي توفيق بوعشرين»، كنقطة في البيان الختامي للمجلس الوطني الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية (الحزب الرئيسي بالحكومة) الذي عقد يوم السبت الماضي أن تفجر اللقاء بعد أن اعترض عدد من أعضاء المجلس على الصيغة التي جاءت بها العبارة مطالبين بتغييرها لتصبح «المطالبة بالمحاكمة العادلة للصحافيين المعتقلين وكذلك جميع المعتقلين»، بينما اعترض البعض على إدراجها نهائيًا.
وكشفت مصادر حضرت الاجتماع أن لجنة صياغة البيان اقترحت مسودة مشروع البيان تضمنت نقطة «المطالبة بالمحاكمة العادلة لتوفيق بوعشرين»، لكن عددًا من الحاضرين إما اعترضوا على صيغتها أو على إدراجها أصلًا، معتبرين أنه لا يمكن إدراج نقطة خلافية في البيان الختامي.
وأكدت المصادر أن النقاش اشتد بين المؤيدين لـ«تضامن البيجيدي مع بوعشرين» وبين المعارضين له، حيث أن نقاشًا حادًا كان طرفاه كل من القيادية والبرلمانية أمينة ماء العينين التي أصرت على إدراج النقطة، مطالبة بالمحاكمة العادلة لتوفيق بوعشرين، حيث عددت ما شاب محاكمته من «شوائب» قانونية، فيما رد عليها الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني قائلاً: «توفيق بوعشرين كذب علي في افتتاحياته وأنه كان أحرى بي أن أقول عنه كذاب، وطلبت لقاءه لتوضيح المغالطات التي أوردها، لكنه رفض».
لتجيبه ماء العينين بأنه «لا علاقة لموضوع الافتتاحيات بموضوع المحاكمة العادلة كحق دستوري، وأنه لا يجوز الشماتة في إنسان مسجون نتيجة خلافات كيفما كان شكلها، وأن القناعات الحقوقية المبدئية تعلو فوق نوازع النفس وضعفها».
وقالت أمينة ماء العينين، القيادية في الحزب ونائبة رئيس مجلس النواب إن «مسؤولًا حزبيًا» لم تسمه، هاجمها بسبب مطالبتها بمحاكمة عادلة للصحافي توفيق بوعشرين، مؤسس صحيفة «أخبار اليوم» وموقع «اليوم 24».
وقالت في تدوينة نشرتها على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، مساء أول أمس الأحد، إن في حلقها غصة بعدما جمعها حوار «مؤلم وقاس» مع مسؤول حزبي بخصوص الدعوة إلى محاكمة عادلة للصحافي توفيق بوعشرين بما يضمن تطبيق القانون وإنصاف المتهم «وهي مطالب دستورية وحقوقية وأخلاقية، بل هي مطالب إنسانية تجاه شخص مسلوب الحرية دون تدخل في القضاء أو في أحكامه». وأضافت: «هذا المسؤول خاطبني بعد مهاجمتي بشكل غير مفهوم أن الصحافي توفيق بوعشرين كذب عليه في افتتاحياته وأنه كان أحرى بي أن أقول عنه كذاب، أجبت أن لا علاقة لموضوع الافتتاحيات بموضوع المحاكمة العادلة كحق دستوري وأنه لا يجوز الشماتة في إنسان مسجون نتيجة خلافات كيفما كان شكلها، وأن القناعات الحقوقية المبدئية تعلو فوق نوازع النفس وضعفها». وذكرت ماء العينين بأن «الصحافي حميد المهداوي كان متخصصًا في مهاجمتي لأسباب أجهلها، بل خصص لي حلقة ما زالت موجودة على اليوتوب يكيل لي فيها من السباب والتعريض والتشهير والكذب والبهتان الشيء الكثير، ومع ذلك كنت من أوائل المتضامنين معه بعد اعتقاله، وما زلت حزينة لوجوده في السجن، وأتمنى أن يحظى بعفو يعيده إلى أطفاله وأسرته، ولو كنت أملك من الاختصاصات لتحقيق ذلك لما ترددت».
وأنهت ماء العينين تدوينتها بالتأسف على «شماتة»، حيث قالت: «إلا الشماتة، مهما كان الاختلاف ومهما كان الخطأ في حقنا، إذا كان الله بجلال قدره يغفر للناس، أفلا نحرر قلوبنا ونتعلم التسامح والتجاوز؟ لا أظن أن ذلك صعب».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: