لماذا لن يحدث أي تغيير إيجابي في المغرب

عدم الانطلاق في بناء صيغة عصرية للهوية الوطنية أفرز مجتمعا مغربيا مشكلا من الإعاقات التي تطال الفكر والثقافة والسياسة على نحو مخيف، ولا يبدو في الأفق أي أمل لتجاوزها.

الخميس 2018/08/09
تصاعد الاحتقان الشعبي

لا يختلف عاقلان في غياب أي تصور استراتيجي لمشروع تنموي وطني عصري في المغرب يمكن أن يحدث تحويلا راديكاليا نحو الأفضل في الفكر والوجدان والسياسة والبنيات الاجتماعية والنفسية والثقافية والتعليمية حتى الآن، توضع بموجبه البلاد على سكة التحديث والعصرنة  ولمختلف أنماط التخلف البنيوي المتجذر في كل مناحي الحياة في القرى و في المدن.

الملفت أن غياب هذا المشروع ليس إلا ظاهرة مزمنة تمس جميع القطاعات المادية والثقافية في المغرب، وما يؤسف له أن أحزاب المعارضة ما فتئت تعيد إنتاج هذه النمطية وأشكال أخرى من التعفن السياسي ، ومن المعلوم أن كل هذا لم يعد محصورا في النخب الحاكمة في أعلى هرم السلطة، بل إنه يتفاقم على مستوى القاعدة الشعبية التي حرمت منذ  أبجديات التنظيم الحديث، والقيادة الرشيدة، والوعي النقدي البناء. وقد استفحل المرض في الأوساط الشعبية جراء سلب الشعب المغربي روح مقاومة الفساد .

هذا الوضع المتردي هو نتاج لتضافر عدة عوامل متشابكة في مقدمتها فرض ذهنية الرضوخ للأمر الواقع، فضلا عن التطبيق التعسفي لسياسات الترقيع بدلا من سياسات تطوير القاعدة الفكرية الوطنية التنويرية التي تنهض عليها عمليات التغيير الجذري المستمر في المجال العام وداخل هياكل الدولة. لا شك أن فحص الواقع المغربي يبرز أن تردي أحوال البلاد قد تفاقم بسبب انعدام منهج العمل السياسي التحديثي العلمي،  وثبتت في طبقات وعيه ولاوعيه أشباح الخوف والرعب من التغيير .

السؤال الجوهري الذي يجب طرحه في هذا السياق هو ما هي العوامل التي أدت إلى سقوط رهان بناء الدولة العصرية في المغرب بكل مقوماتها التنظيمية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية؟ الإجابة على هذا السؤال مرهونة بالإشارة إلى مسائل أساسية لم تنجز في المغرب إلى اليوم، وهي تمنع حدوث أي تحول في البنيان العام للدولة المغربية، وتتلخص المسألة الأولى في عدم التحرر من نموذج المجتمع التقليدي الرجعي ذي البنية المركبة التي يتحكم فيها الفكر السياسي والعشائري والجهوي. ويلاحظ أن ما أنجزته الحكومات المغربية المتعاقبة على جهاز الحكم هو التفريغ التدريجي للمواطنين من وازع الوطنية ويبدو أن مختلف الانفجارات التي عصفت بالمغرب بما في ذلك أحداث الريف  ليست إلا تعبيرا على إجهاض هذه الوطنية في مرحلة التغيير، وحلول المصلحة الشخصية والشللية والزعامة الفردية الطاغية محلها في الحياة العامة وفي مجال الممارسة السياسية.

أما القضية الثانية فتتمثل في تخبط الحكومات المغربية إزاء مسألة الهوية الوطنية ، وقد تمت المتاجرة بقضية الهوية بطرق مختلفة من أجل الوصول إلى الحكم أو ضمان البقاء فيه، أو بهدف تقسيم كعكة المناصب والثروة والنفوذ بواسطة انتهاج أسلوب انتهازي يسمى في الأدبيات السياسية المغربية بالتمثيل الفردي بدلا من التمثيل العام . وقد نتج عن التلاعب بمكونات الهوية الوطنية، وتأجيل الحوار العلمي المتحضر حول مكوناتها وحول سبل تطوير عناصرها، استخدام اللغة العربية مطية لاحتلال المناصب الحساسة بدلا من ترقيتها وتحديثها، واستعمال اللغة الفرنسية لمقارعة المعربين وليس لإغناء اللسان المغربي وتخصيب التعددية الثقافية، أما اللغة الأمازيغية ومضامينها الثقافية والتاريخية فقد حوربت وجمدت طويلا .

وفي الواقع فإن عدم الانطلاق في بناء صيغة عصرية للهوية الوطنية أفرز مجتمعا مغربيا مشكلا من الإعاقات التي تطال الفكر والثقافة والسياسة على نحو مخيف، حيث لا يبدو في الأفق أي أمل لتجاوزها في المدى المنظور.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: