مؤتمر في الجزائر لاستقطاب الجالية الغاضبة من الإقصاء والتضييق

يستعد ناشطون من الجالية الجزائرية المهاجرة لعقد مؤتمرهم العالمي الأول في العاصمة الجزائر نهاية الشهر الجاري، وذلك وسط تساؤلات حول فرص نجاح المبادرة، في ظل تباين المواقف بين السلطة التي تنوي استغلال الحدث لأغراض انتخابية ومعارضين غير راضين عما يصفونه بالإقصاء والتضييق على الجالية بسبب مواقفها الداعمة للحراك الشعبي ومطالب التغيير السياسي في البلاد.

ويتهيأ نحو 1100 عضو من المجلس العالمي للجزائريين في المهجر لعقد مؤتمره الأول في الجزائر العاصمة ليكون بذلك أول فعالية من هذا الحجم تنعقد في الجزائر رغم المحاولات السابقة، الأمر الذي يعتبر تحديا حقيقيا للسلطة وللمنظمين على حد السواء؛ تحديا للسلطة من ناحية مدى نجاحها في توظيف الحدث في الاستحقاق الانتخابي، وتحديا للمنظمين من ناحية مدى نجاحهم في إقناع نحو ستة ملايين جزائري بفكرة الانتساب إلى المجلس، بينما لم يتم الالتفات إليهم إلا قبيل استحقاق انتخابي تستعد له السلطة من أجل تسهيل فوز مرشحها.

ويبدو أن السلطة تريد استغلال روابط الحنين والاغتراب لدى الملايين من الجزائريين في مختلف العواصم والقارات، من أجل استقطاب هؤلاء في آلية اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، عبر مبادرة هي الأولى من نوعها في البلاد، لكن في المقابل هناك الكثير من الإشارات السلبية التي تجعلها أمام اختبار حقيقي أمام إرادة هؤلاء.

السلطات الجزائرية تضع شروطا إقصائية مفصلة بشكل دقيق لإبعاد كل الأصوات والكفاءات المؤثرة من الجالية

ويجري التمهيد لإرساء قواعد تعاون واستغلال للقدرات الاقتصادية والمالية والعلمية الجزائرية لدى الجالية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم لتكون رافدا من روافد الاقتصاد المحلي، إلا أن ممارسات الإقصاء والتضييق على أفراد وناشطي الجالية -على مستوى الحريات السياسية والإعلامية- قد تعيق ذلك، حيث وجد الكثير منهم أنفسهم محرومين من دخول البلاد والالتحاق بعائلاتهم بسبب الملاحقات القضائية على خلفية دعمهم لاحتجاجات الحراك الشعبي، فضلا عن تبني السلطة نصوصا تنظيمية صارمة تقصي المهاجرين ومزدوجي الجنسية من شغل مناصب عليا في الدولة.

وتغذت تلك المخاوف بقرار سجن شخصيات رمزية مما يوصف بـ”الشتات” الجزائري في الخارج، على غرار المغنية الفرنسية – الجزائرية جميلة بن طويس، التي وُضعت في الحبس الاحتياطي بسبب قيامها بأداء أغنية مؤيدة للحراك ومناهضة للسلطة ولرموز المؤسسة العسكرية، وهي حالة ليست معزولة، إذ منع محند تافركا، رئيس جمعية المغتربين، من مغادرة الجزائر قبل أن يتم إيداعه الحبس خلال العام الماضي.

وفي مواجهة الانتهاكات الأمنية لا تفشل أصوات المغتربين في الارتفاع إلى مستوى الحدث، حيث لا يزال هؤلاء أوفياء لمطلب التغيير السياسي الشامل في البلاد، ويقومون أسبوعيا بوقفات واحتجاجات أمام مبان رسمية للدولة.

ويرى أحد الناشطين في كندا أن “الجالية الجزائرية في الشتات، وخاصة أولئك المشاركين في الحراك، يخشون العودة إلى البلاد خوفًا من الاعتقالات أو العوائق عند عودتهم”، متسائلا “عن أي جالية في الشتات نتحدث حقًا؟ الثقة معدومة والفجوة عميقة بين الجالية وبين نظام يبدو أنه يتودد إلى الشتات بيد ويخنقه باليد الأخرى”.

ويستدل الناشطون على صواب موقفهم بكون النصوص القانونية التي تبنتها الحكومة في السنوات الأخيرة تنطوي على نية صريحة في إقصاء ممثلي الجالية من أي وجود داخل السلطة أو المؤسسات، بتشديدها على “الجنسية الجزائرية الأصلية للراغبين في شغل مناصب عليا، وكذلك والديهم، وعدم الحصول على جنسية أخرى، كما يجب على المرشحين مثلا للانتخابات الرئاسية أن يكونوا مقيمين في الجزائر خلال السنوات العشر السابقة للانتخابات، وهذه شروط إقصائية مفصلة بشكل دقيق لإبعاد كل الأصوات والكفاءات المؤثرة من الجالية المهاجرة”.

ويرى ناشط مهاجر مقيم في فرنسا أنه “بينما يستبعد الرئيس عبدالمجيد تبون بشكل قاطع الجزائريين المقيمين في الخارج من تولي أعلى المناصب، فإنه يواصل دعوتهم إلى دعمه في نهجه السياسي”.

وقال الناشط إنه “تناقض واضح يجعل هذه الفئة من المجتمع الوطني مواطنين من الدرجة الثانية، وينزلون إلى مرتبة العملاء السياسيين”.

لا تزال أصوات المغتربين وفية لمطلب التغيير السياسي الشامل في البلاد، ويقومون أسبوعيا بوقفات واحتجاجات

وكانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قد نددت بسجن ناشطة جزائرية – فرنسية منذ بداية مارس في انتظار محاكمتها بسبب أغنية نشرتها خلال الحراك الشعبي تندد بقمع الحريات في الجزائر وبهيمنة حكم العسكر.

وذكرت الرابطة في منشور لها عبر صفحتها على موقع فيسبوك أن “الناشطة والمغنية جميلة بن طويس البالغة 60 عاما والأم لثلاثة أطفال توجد في الحبس المؤقت منذ عرضها أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الدار البيضاء (الضاحية الشرقية للعاصمة) في 3 مارس”.

وتم توجيه تهم “الانخراط في جماعة إرهابية تنشط داخل الوطن وخارجه، والمس بسلامة ووحدة الوطن، والحضّ على التجمهر غير المسلح”، بحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين.

وأوضحت اللجنة أن “جميلة بن طويس دخلت الجزائر قادمة من فرنسا حيث تقيم، في 25 فبراير لحضور جنازة والدتها، فتم توقيفها في المطار وأطلق سراحها مع استدعائها للتحقيق في 28 من الشهر نفسه، وفي 3 مارس تم تقديمها لقاضي التحقيق الذي استجوبها حول كلمات أغنيتها التي تنتقد الجيش، قبل أن يأمر بحبسها مؤقتا حتى محاكمتها وفقا للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات”.

ومنذ أيام أطلقت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين حملة لإطلاق سراح “228 معتقل رأي”، وفي الذكرى الخامسة لانطلاق الحراك الشعبي من أجل الديمقراطية طالبت منظمة العفو الدولية في 22 فبراير الحكومة الجزائرية بإطلاق سراح كل “المعتقلين بسبب ممارستهم حرية التعبير والتظاهر”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: