استقالة التعقل في تماهي الرئيس تبون مع لازمة العداء للمغرب

ماموني

تجلس أمام التلفاز علك تستمع في كلام الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وهو يتحدث إلى إعلام بلاده، لأشياء مفيدة واقعية مبتكرة، أو على الأقل تتناسب مع الظروف والمتغيرات التي تحدث في المحيط القريب والبعيد، لكنك تكتشف أنك أمام كم هائل من القصف العشوائي لتصريحات مثيرة للاستغراب والأسف في آن واحد، فما قاله الرئيس تبون نهاية الأسبوع الماضي، أمام إعلام بلده، مجرد خيالات سريالية، جاء فيها أن حل نزاع الصحراء، “يحتاج للعقل وليس التهديد والقوة” وأن هذه القضية ليست موجهة “ضد الأشقاء المغاربة، فهي قضية تصفية استعمار وسيتم حلها”.

الإشكالية التي يعاني منها النظام الجزائري هي تكرار نفس الأخطاء والتعامل باستعلاء مع التحديات المختلفة التي تواجه وجوده واستمراره، فكيف لوزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن يتحدى الذاكرة السياسية للمنطقة والعجلة التاريخية التي تدور بخفة وسرعة من خلال التغيرات التي تقع في منطقة الساحل والصحراء والأجواء المتحركة في غرب أفريقيا خاصة، ويخرج بتصريحات يُحذر فيها من احتمالية حدوث “حرب أهلية” في مالي، هل هو جهل سياسي أم غياب رؤية واضحة لما يقع، واستشراف لما سيقع، وأخذ التدابير الواقعية.

أراد الرئيس تبون، إقحام الجامعة العربية في نزاع مفتعل حول الصحراء المغربية، عندما قال، ليس هناك أي قرار من الجامعة حول سيادة المغرب على الصحراء، وأن القرار الذي اتخذته الجامعة العربية سنة 1960 بشأن ضم موريتانيا إلى المغرب “لا نحاسب عليه، لأننا نحن آنذاك لازلنا تحت وطأة الاستعمار”، مضيفا أن “قضية الصحراء، قضية عادلة وموجودة على طاولة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، وستصل إلى حل”.

◄ النظام الجزائري بكل مكوناته يلجأ إلى التدليس ضد المملكة وصنع هالة من الأكاذيب كي يعطي لنفسه هامشا من المناورة بغاية الاستمرار في الحكم والتحكم

على الأرجح، لقد أخرج الرئيس الجزائري نفسه من قائمة الرؤساء الذين يقيِّمونَ وضع بلدهم ومحيطهم الإقليمي والتحولات الجارية دوليا بشكل أكثر موضوعية، تقييم سيجعله أكثر حكمة أو على الأقل أقرب إلى الوضع المتوازن في تصريحاته وقراراته باعتباره رئيس دولة مسؤول عن شعب ومؤسسات، وإلا فلن ينفعه إطلاق التصريحات جزافا دون ضوابط ولا منطق.

تصريحات تبون بخصوص الصحراء هي لازمة يرددها من يريد الاستمرار في المنصب وبقاءه في سباق تمديد الولايات لفترة طويلة، كما كان عليه الأمر بالنسبة إلى سلفه عبدالعزيز بوتفليقة، مع الاختلاف في طريقة تدبير الملفات بشأن السياسة الداخلية والخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، قال تبون مراراً وتكراراً إن بلاده غير معنية بملف الصحراء، والواقع ينفي تلك الادعاءات. فلا أحد ينكر دعم النظام الجزائري لميليشيات بوليساريو بالأسلحة والتدريب والمساعدات المالية والغذاء دون انقطاع. هذا الواقع يعترف به هذا النظام دون مواربة، وهو تهديد سافر لوحدة المغرب وتعدّ على سيادته وهدم لكل أسس “خاوة خاوة” وحقوق الجار على جاره.

ننتقل إلى رده على سؤال بخصوص “التصرفات العدائية لبلد عربي شقيق ضد الجزائر”، في إشارة للجار المغربي بطبيعة الحال، عندما قال ردا على ذلك “نحن في رمضان، وكل الأشقاء يشاهدون على أننا لم نسلك طريق العنف بعد”، مضيفا أن “هؤلاء نعتبرهم دائما أشقاء ونطلب لهم الهداية، إن شاء الله ربي يهديهم”، دون أن يتحدث عن سطوة النخب العسكرية في نظامه التي تسلطت على مقدرات البلد واستغلال فزاعة المغرب لتغييب الإصلاحات الفعّالة التي نادى بها الرئيس الحالي ومن كان قبله.

إحدى النظريات التي تفسر هذا التخبط أن النظام الجزائري مصاب بفقدان حس المنطق السياسي والتواصلي، فكيف يتحدث الرئيس تبون عما أسماه التعقل والأخوة وطلب الهداية، وكل قرارات حكومته تفتقد لهذه الميزة، منها قرار فتح تمثيلية لما يسمى بـ“جمهورية الريف” بالجزائر، أليس هذا استمرارا في العدوان على وحدة المملكة والتمادي في استعدائها، أليس هذا كذبا في شهر رمضان الذي تكون السيئة فيه مضاعفة.

◄ تصريحات تبون بخصوص الصحراء هي لازمة يرددها من يريد الاستمرار في المنصب وبقاءه في سباق تمديد الولايات لفترة طويلة، كما كان عليه الأمر بالنسبة إلى سلفه عبدالعزيز بوتفليقة

الرئيس الجزائري ومن ورائه الجيش الشعبي يعتقد أن النظام الجزائري لن يهزم، رغم أن الكل ضد استمرار نموذجهم في الحكم. وكأننا نسمع القيادة تقول لدينا طرقنا الخاصة لرؤية العالم والتفكير فيه، وغالبًا ما نكون فخورين جدًا بوجود طرق أكثر فعالية للتعامل مع المشكلات، والدليل الطريقة المثلى لتعاملنا مع مطالب الحراك الشعبي الذي خرج في العام 2019، عندما اعتمدنا بذكاء خلاق على آلية الانتخاب فقدمنا الاستحقاقات النيابية لامتصاص غضب الناس، ولم نتخل على طريقتنا المعتمدة والفعالة في قمع وزجّ المرتدين في السجون، ولدينا سلة من الاتهامات يعتبرها العدو تضليلية ضدّ ناشطي الحراك والتضييق على الصحافيين، لكن ومع ذلك فنحن نحمي النظام من المرتزقة والخونة بأي وسيلة.

ومن ثم، حتى الرئيس يجب ألا يخرج عن السطور المرسومة له بدقة، أو يتحدى الأسس السائدة في هذا التخصص، ومع ذلك، لم يكن أمام الرئيس الجزائري الذي يستعد للاستمرار في مهمته المقدسة في ولاية يتم التفاوض على طريقة تمريرها، خيار آخر سوى قبول ما تجود به قريحة حراس المعبد من خلال التدريب المتواصل على خلط المعطيات واختلاق الوقائع وفبركة الأرقام والتواريخ.

أظهر النظام الجزائري عبر مساره منذ هواري بومدين إلى عهد عبدالمجيد تبون، من خلال سلسلة من التجارب، أن القرارات التي اتخذها قادة هذا النظام ليست عقلانية ولا تكتسي أي فائدة على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي أو الاستثماري، ومن النتائج المترتبة على ذلك، الاستمرار في حماية ودعم النموذج الاقتصادي الريعي، الذي لم يحقق سوى معدّلات بطالة مرتفعة مع سوء إدارة العائدات المتراكمة عن الثروة النفطية، فضلاً عن انخفاض قيمة العملة وتضخّمٍ وتراجعٍ في القدرة الشرائية، وهو ما فاقم من أزمة الشرعية التي يعانيها النظام.

في عصر يفكر فيه رجال الدولة على نحو متزايد في مستقبل وثراء الأمة واستقرارها باعتبارهم أصحاب قرار قادرين على إصلاح المشكلات، فإن النظام الجزائري بكل مكوناته يلجأ إلى التدليس ضد المملكة وصنع هالة من الأكاذيب كي يعطي لنفسه هامشا من المناورة بغاية الاستمرار في الحكم والتحكم. وللأسف لم يتعلم النظام الجزائري شيئاً عن فضيلة التواضع في التعاطي بواقعية مع مجموعة من المشاكل المالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية في البلاد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: