“الشياطين لا تتوب” يفتح ملف الممارسات اللاأخلاقية لرواد الرقية الشرعية

تبين أغلب المسلسلات المغربية المعروضة في رمضان ومنها مسلسل “الشياطين لا تتوب” أن الدراما ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل هي منبر لتسليط الضوء على الحقائق المرة والمواقف الصعبة التي يواجهها البسطاء من الشعب، والتي غالبا ما تتجاهلها الجهات الرسمية وتغفلها وسائل الإعلام التقليدية.

هذه المسلسلات تجعلنا ندرك أهمية تطرق الدراما إلى المواضيع الحساسة، إذ يعكس تفاعلها الواعي مع الواقع المعاش، ورغبتها الحقيقية في إحداث تأثير إيجابي وتغيير فعلي في المجتمع، من خلال قدرتها على إشعال النقاش وتحفيز التفكير، مما يعزز المشاركة المدنية والوعي الاجتماعي والسياسي.

تدور أحداث مسلسل “الشياطين لا تتوب” للمخرج المغربي حميد زيان حول الشعوذة والرقية الشرعية والتجارة بالدين، انطلاقا من شخصية عبدالسلام، رجل متورط مع عصابة تبحث عن الكنوز في قريته، فيفر منها ليستقر في أحد الأحياء الشعبية بالمدينة، حيث يمارس ما يصطلح عليه شعبيا بالرقية الشرعية، مستغلا سذاجة من يقصده من السذج أملا في العلاج، وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي ذاع صيت الراقي عبدالسلام ووصل للطبقات الثرية.

 

حميد زيان: أرجو أن يدرك كتاب الدراما أهمية قصص المتاجرين بالدين

وفي يوم من الأيام استقبله الحاج الراضي بالفيلا التي يقطن بها، ليخبره عبدالسلام أنه يعيش حالة من الضيق وأن حالته مأساوية ويجب عليه أن يخضع لجلسات مستمرة من العلاج بالرقية ليستعيد توازنه وصفاءه. يستغل عبدالسلام هذه الجلسات لتسجيل اعترافات الحاج الراضي، من أجل ابتزازه بها فيما بعد ويقنعه بالزواج من ابنته، وفي ليلة الزفاف يعثر على عبدالسلام ميتا في غرفته.

وتعرض سلسلة “الشياطين لا تتوب” ضمن برامج رمضان 2024 على القناة الثانية، وهي من بطولة ربيع القاطي، زينب عبيد، رشيدة منار، عبدالحق بلمجاهد، الصديق مكوار، ندى حداوي، مراد حميمو، ناريمان سداد.

يتحدث الممثل والمخرج المغربي حميد زيان عن الغاية التي يأمل أن يستوعبها المشاهد من خلال شخصية عبدالسلام ورحلته في مسلسل “الشياطين لا تتوب”، فيقول: “موضوع المسلسل يدور حول الرقية الشرعية واستغلالها من قبل بعض المشعوذين وتجار الدين للنصب على الفئة الهشة في المجتمع المغربي، إذ أن انتشار هؤلاء المشعوذين ساهمت فيه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، حيث أصبحوا نجومًا على جل المواقع الإلكترونية، واستغلوها بشكل صحيح حيث ساعدتهم على التقرب من الفئة البسيطة في المجتمع و مكنتهم من سرقتهم والنصب عليهم، بل الأمر أعقد من هذا، حيث تقام هناك ممارسات جنسية صعبة التصور، وهذا المسلسل هو الأول الذي يناقش هذا الموضوع الخطير، وأتمنى أن ينتبه كتاب الأعمال الدرامية إلى أهمية قصص هؤلاء المشعوذين وتجار الدين الذين يسرقون الناس ويعتدون عليهم، وهذا هو جوهر الرسالة المرجوة من المسلسل”.

وفي نقاش حول مدى استفادة حميد زيان من تجربته السابقة كممثل في إدارة فريق ممثلين  “الشياطين لا تتوب”، يقول المخرج المغربي: “خلال بداية مشواري الفني، كنت ممثلاً وعملت مع مجموعة من رواد الدراما المغربية، إذ أن هذه التجربة نمّت في شخصيتي وأثرت في إحساسي بالممثل ومعاناته أثناء تجسيد الأدوار، فأثناء توجيه الممثل، يجب أن يشعر المجسد بدوره بشكل أكبر من مجرد رؤية المخرج له، أنا مجرد موجه بناءً على تجربتي، حيث أقوم بمناقشة الدور وأبعاده النفسية والاجتماعية فقط، والجزء الآخر يتعلق بتشجيعي لكل ممثل أثناء تعاملي معه، لكي يثق بنفسه ولا يفقد التركيز، ويجب على المخرج أن يمر بتجربة التمثيل حتى لا يظلم أي ممثل أثناء إدارة التمثيل، ومع الأسف هذا ما ينقص العديد من المخرجين في المغرب”.

 

تقنيات سينمائية متقدمة في إخراج المسلسل

استعمل المخرج مجموعة من التقنيات لإضفاء التشويق والإثارة، ويقول في هذا الصدد: “لقد استخدمت تقنيات سينمائية متقدمة في إخراج المسلسل، بدءًا من التصوير والديكورات والإضاءة والزوايا وحتى اللقطات، كما كان لدي فريق تقني احترافي يعمل في صناعة السينما والتلفزيون، وقمت بتعيين مدير تصوير منسجم مع رؤيتي كمخرج، إذ ساعد في اختيار حركات الكاميرا وزوايا اللقطات بشكل متقن. وحرصت أيضًا على العمل مع فريق مهني يستخدم معدات احترافية، مما ساهم في تحقيق الجودة المطلوبة في التصوير، فكانت النتيجة النهائية مشرفة، حيث حازت الحلقة الأولى على استحسان الجمهور المغربي، وهذا النجاح كان نتيجة عمل جماعي، بدءا من كتابة السيناريو وصولًا إلى عمليات المونتاج إلى البث التلفزيوني”.

وفي حديثنا عن الخطوات التي اتخذها زيان للتأكد من توافق الأداء بين الممثلين والشخصيات في القصة، يوضح: “اختيار ممثل محترف، أي الذي يقرأ السيناريو أكثر من مرة ويعتكف عليه ليفهم الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية للشخصية منذ طفولتها إلى النضج، ينتهي في النهاية إلى الهدف الذي يسعى إليه المخرج من جهة والسيناريو من جهة أخرى، فكل ممثل يفهم الشخصية التي يؤديها سيبدع في تجسيدها، وكذلك معاملة الممثل المحترف مع الشخصيات الأخرى، تكون منسجمة ومتناغمة عكس العمل مع ممثل مبتدئ”.

ويضيف: “لقد وازنت بين الجانبين الدرامي والتقني حيث أن للسيناريو أهمية كبرى، لأن أي عمل ناجح يعود إلى جودة السيناريو، من حيث الأفكار الجديدة المختلفة، والحوارات المعاصرة، أما إذا كان السيناريو ضعيفًا ويحمل في طياته كليشيهات، فسيفشل حتى لو استخدمت أحدث تقنيات التصوير،  وفي مسلسل ‘الشياطين لا تتوب’، كانت الفكرة جديدة، والحوارات حديثة معاصرة، وتقنيات التصوير عالية المستوى، كما استخدمنا تقنيات التواصل الاجتماعي كجزء من العصر الحالي للأحداث التي تقع، وهذا ما حاولنا العمل عليه بجدية وتفانٍ لنجمع بين الجانب الدرامي والجانب التقني، ليكون العمل متكاملا. ولقد لاحظنا ذلك في الحلقات الأولى من المسلسل، ونأمل من الحلقات القادمة أن تحظى بإعجاب الجمهور المغربي بنفس التأثير”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: