في الحاجة إلى مدونة سلوك تعزز ثقة الناخب المغربي

مكتب مجلس النواب في المغرب يستعد لإطلاق مدوّنة سلوك وأخلاقيات خاصة بمجلس النواب شهر أبريل المقبل قبل انطلاق الدورة الثانية من السنة التشريعية، تلبية للرسالة الملكية التي وجّهت إلى البرلمان في الذكرى الستين لتأسيسه، الداعية لتخليق الحياة البرلمانية.

أحزاب كثيرة معنية بهذه المدوّنة، إذ المطلوب التعامل بحزم مع البرلمانيين المُتابعين قضائيا في ملفات فساد أو الذين تحوم حولهم شبهات على رأس اللجان الدائمة ورئاسة الفرق البرلمانية والتمثيليات الدبلوماسية لمجلس النواب.

حزب الأصالة والمعاصرة معنيّ بالدرجة الأولى بمدوّنة سلوك تكون حازمة، لعدة أسباب. السبب الأول، متابعة منتسبين إليه في قضايا فساد وتُهم تتعدى التدبير المالي إلى المتاجرة في المخدرات فيما يعرف بقضية “إسكوبار الصحراء”. والسبب الثاني، صعود قيادة ثلاثية لأول مرة بعد المؤتمر الوطني بقيادة المنسقة الوطنية للحزب فاطمة الزهراء المنصوري، التي رفعت شعار تخليق الحزب وتنقيته من أيّ شوائب تؤثر سلبا على صورته وعمله وعلاقاته مع المجتمع والدولة.

◙ كما الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال والعدالة والتنمية وغيرها، انضم الاتحاد الاشتراكي إلى الأحزاب التي  تتضح معالم فقدان النزاهة في الممارسة والسلوك بين بعض أعضائها

الحزب يعكف حاليا على وضع ميثاق للأخلاقيات يشكل إطارا يحدد المعايير والقيم التي يجب على أعضاء الحزب الالتزام بها في مختلف جوانب الحياة الحزبية والسياسية، وأحدث من أجل ذلك لجنة للاشتغال على ميثاق الأخلاقيات، مع فتح نقاش جدي مع مختلف مناضلي الحزب، من برلمانيين ومنتخبين ومسؤولين جهويين وإقليميين ومحليين حول مدونة الأخلاقيات.

السبب الثالث، هو إبراز وفاء القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، بتعهدها بالتشدد في منح التزكية خلال الانتخابات المقبلة وذلك لقطع الطريق أمام “المُنتخبين الفاسدين” والمُتابعين أمام القضاء.

عادةً ما يكون مبرّر مدونة سلوك البرلمانيين هو الحاجة إلى تعزيز ثقة الجمهور في نزاهة البرلمان، إذ غالبًا ما يرتبط انعدام الثقة في البرلمان بانزعاج عام يتعلق بالمصالح المالية، ولاسيما تصور الأعضاء الذين يستخدمون مناصبهم لتحقيق مصالحهم الشخصية أو مصالح الأفراد أو المنظمات التي يرتبطون بها أو الذين يعملون لصالحهم.

يمكن أن يساعد السلوك الأخلاقي المتسق لأعضاء البرلمان في بناء علاقات قوية مبنية على الثقة بين المجتمع والهيئة التشريعية، تعتمد بشكل كبير على الممارسات الجيدة الحالية التي تستخدمها البرلمانات في جميع أنحاء العالم، بهدف حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخدمة تماسك المجتمع ومصالحه قبل كل شيء، وضمان النزاهة العامة، وتجنب تضارب المصالح، وتنفيذ الواجبات العامة بمهنية وشفافية، وتقدير التنوع والتعددية السياسية.

بفضل الذكاء والبصيرة العميقة حول ما يربط بين الناس في عصر التغيير المضطرب، لا بد أن تشمل القواعد المحددة وضع المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، وعدم إساءة استخدام المرافق أو الامتيازات التي يحصل عليها البرلماني كعضو منتخب، وعدم القيام بأيّ شيء من شأنه أن يسيء إلى سمعة مجلس النواب والمستشارين، وأن تحتوي المبادئ الأساسية المرتبطة بالواجب العام، وواجب التمثيل الموضوعي للمجتمع ونكران الذات، والصدق، والمساءلة، والانفتاح، والقيادة المتفانية.

المفارقة الكبيرة هي الحكم بالإدانة في حق محمد بودريقة، النائب البرلماني وأمين مجلس النواب ورئيس مجلس مقاطعة مرس السلطان، الأربعاء الماضي، من حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي يشغل في نفس الوقت منصب رئيس نادي الرجاء الرياضي البيضاوي، على خلفية قضية شيكات دون رصيد، في الوقت الذي يوجد فيه خارج المغرب منذ 6 أسابيع على الأقل، بذريعة إجراء عملية جراحية، علما أن مجلس النواب لم يعلن عن استلامه أيّ شهادة طبية منه، كما لم يتفاعل مع انقطاعه الطويل عن القيام بمسؤولياته، وهو ما ينسحب أيضا على مقاطعة مرس السلطان بالدار البيضاء التي يرأسها، مفارقة تبرز الفجوة بين ما يقال وما يتم ممارسته على أرض الواقع داخل الأحزاب وخارجها، وحيث ردود الفعل على انتخاب شخصيات مثل بودريقة تبدو غير مطمئنة.

قواعد السلوك يجب أن تبدأ من داخل الأحزاب السياسية، فما تعيشه الأحزاب المغربية حاليا دون استثناء يكشف عن واقع سيء يحتاج إلى هزّة داخلية تعيد الجسم الحزبي إلى رشده والقطع مع ممارسات تزيده بعدا عن نبض المجتمع ومتطلباته.

◙ حزب الأصالة والمعاصرة معنيّ بالدرجة الأولى بمدوّنة سلوك تكون حازمة، لعدة أسباب، منها متابعة منتسبين إليه في قضايا فساد وتُهم تتعدى التدبير المالي

وكما الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال والعدالة والتنمية وغيرها، انضم الاتحاد الاشتراكي إلى الأحزاب التي  تتضح معالم فقدان النزاهة في الممارسة والسلوك بين بعض أعضائها، بعد خروج عدد من القيادات ببيان ينتقدون فيه ما آلت إليه وضعية الحزب وبعد الملاحظات التي وجهها المجلس الأعلى للحسابات، ما اعتبروه صدمة قوية يعيشها عموم الاتحاديات والاتحاديين والمتعاطفين مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وما صاحب ذلك من نقاش عام يضرب في العمق صورة الحزب ومصداقية قيادته الحالية. والغريب أن قيادات تلك الأحزاب لم تفعل أيّ شيء للتخفيف من حدة المشكلة سوى الإنكار واللجوء إلى تبريرات واهية.

أحدث تقرير للمجلس الأعلى للحسابات وهو مؤسسة دستورية رقابية لها دور أساسي في تخليق المالية العمومية سواء من طرف المؤسسات العمومية أو الأحزاب، سلط الضوء على المشكلة من خلال التدقيق في حسابات الأحزاب خاصة في ما يتعلق بمصاريف الدعم العمومي. ما ورد في التقرير بخصوص الملاحظات التي تهم حزب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة، المتعلقة بالاعتمادات المالية المخصصة للأبحاث والدراسات وملاحظات المجلس حول الوثائق يؤكد عدم كفايتها لإثبات أوجُه صرف الدعم العمومي لهذه الأبحاث أو الجهات التي قامت بالدراسات القريبة من تلك الأحزاب وعدم جودتها، وأن هذا يشكل بلا مواربة ممارسات فاسدة مبنية على المحسوبية.

ما حدث نعتبره عارضا من أعراض التحدي الأعمق للممارسات الحزبية التي تحتاج إلى الكثير من النزاهة والرقابة واستحضار الأدوار المنوطة بها حتى لا تتحول إلى عبء على الممارسات الديمقراطية.

العلاقة بين المجتمع والأحزاب يجب أن تخضع لاختبارات جديدة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لأنه من الصعب على الناخب فرز المرشح النزيه عن المرشح الانتهازي، لذا يجب على  الأحزاب إعادة النظر في معايير اختيار المرشحين للبرلمان والبلديات، وبذل بعض التفكير العميق حول كيفية تثقيف المرشحين بشكل أفضل حتى يتمتعوا بالكفاءة والمصداقية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: