الجزائر وطهران واتحاد مغاربي بثلاث أرجل

ماموني

البداية كانت في مراكش في 17 فبراير 1989، عندما اجتمع قادة خمس دول في شمال أفريقيا للتوقيع على اتفاقية تأسيسية لفضاء مغاربي، السياقات كانت مختلفة عن الآن، لكن الهدف كان توحيد الرؤى وتقليل نطاق الاختلافات السياسية لإحداث نوع من التكامل الاقتصادي والتنسيق المشترك حيال الأوضاع والقضايا التي تهمّ الشعوب المغاربية قاطبة، نرى هذا الفعل من خلال مجموعة من التفاعلات التي تحكمت بنيويا في مختلف الأنساق التي ساهمت في بناء هذا الصرح، الذي أراده مؤسسوه أن يعود بالنفع على الدول المشكلة لهذا المجال الجغرافي الحيوي والحساس، على الأقل كان المغرب صادقا في مسعاه.

إعادة بناء نسخة هجينة من اتحاد مغاربي كما تسعى إلى ذلك الجزائر بغاية محاصرة المملكة المغربية، لن يكون أبدا فعلا معزولا عن التحولات الإقليمية والدولية التي حصلت في العشرية الأخيرة والتي أثرت في بنية التحالفات والشراكات، ونرى أيضا أنه لا ضمانات لنجاح أي تجربة اتحاد في ظل التشرذم الحاصل حاليا مع الحدود المغلقة التي فرضتها الجزائر ودعم الطرح الانفصالي واستعمال البترودولار.

جرت الكثير من المياه تحت قصر المرادية الذي تفتقت ذهنية الحاكمين فيه، على استنساخ اتحاد مغاربي هجين بثلاث أرجل لا يصلح إلا للتصريحات والصور البروتوكولية، بعدما دفعت الجزائر كلا من ليبيا وتونس لعقد لقاء ثلاثي دوري كل ثلاثة أشهر، وإنهاء العمل بخماسي الاتحاد المغاربي إلى غير رجعة، وكأن الاتحاد الخماسي المكون من الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والمغرب، قد حقق المرجو منه أصلا حتى يعوضه اتحاد ثلاثي لا يملك مقومات الاتحادات القوية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ودبلوماسيا، سوى أنه أداة بيد من يريد تحريكه لابتزاز وإعاقة تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لدول المنطقة، لا غير.

◙ سعيد شنقريحة والرئيس عبدالمجيد تبون يريدان السفر مع قيادة إيران عبر منطقة الساحل والصحراء في عربة تعود إلى حقبة السبعينات دون أحزمة أمان

لا ضير أن نعود إلى تصريح سابق للواء جزائري ووزير الدفاع السابق، الراحل خالد نزار لأسبوعية “لاغازيت” المغربية في عدد مارس 2003، حين قال “إن الجزائر ليست بحاجة إلى دولة جديدة بمحاذاتها”، تصريح يحتاج إلى الكثير من التدبر، ويعني أنه يستغل بوليساريو لمصالحه الخاصة ويعكس عقيدة النظام الجزائري، الذي لا يهمه مواجهة التحديات التنموية والمناخية أو الأمنية، من قبيل الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية، والتي تحتاج إلى التعاون، وما يتطلع إليه هو الاستقواء والهيمنة والوصول إلى نقطة ارتكاز على المحيط الأطلسي.

نعرف أن النظام الجزائري ليس كبيرا في السن كثيرا، إذ يبلغ 63 سنة فقط، وهو التاريخ الرسمي لإنتاج نظام همه الوحيد وتجربته الأصيلة والتي يجب توسيمه عليها، هي التزامه الدائم والمضني في معاداته لدولة المغرب. ولا يسعه إلا أن يفعل ذلك، وهو يقول إنه لا يوجد شيء في الوجود أحب إليه من هذا المجهود الخرافي الذي صرف عليه من أموال الشعب الجزائري بسخاء ولم يصل إلى مبتغاه، نظام يكذب على دول المنطقة عندما يغريها بكلامه حول تعزيز التبادل التجاري بإزالة كل العوائق الحدودية والجمركية وإمكانية تطوير فضاءات للاستثمار داخل هذه المناطق.

كان على هذا النظام أن ينضج بمجرد بلوغه سن الستين في العام 2021، والاستماع بتمعن إلى خطاب الملك محمد السادس عندما دعاه إلى تغليب الحكمة والعقل والكف عن تسميم الأجواء والتخلي عن تشتيت دول المنطقة والمساهمة في تفتيتها مع وضع اليد مع نظام آية الله المعادي للمملكة المغربية.

بالعودة إلى العام 2021 نجد الملك محمد السادس يجدد في خطاب العرش دعوة الجزائر إلى العمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، معتبرا أن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضي الجانب المغربي، وليس في مصلحة شعوب المنطقة، وغير مقبول من طرف العديد من الدول.

المبادرة المغربية لم تكن الأولى في نوعها وفي عمقها الوحدوي مع المطالبة بفتح الحدود المغربية – الجزائرية، لكن مع الأسف ركب النظام الجزائري رأس العناد وأبحر عكس التيار، ولم يكتف بالرفض بل عزز عناده بالسير في إثر المملكة منغصا تارة ومتآمرا تارة أخرى ومشوشا في الكثير من الأحيان على أي مبادرة مثمرة تخرج من الرباط، وكان آخرها فتح بوابة المحيط أمام الأشقاء الأفارقة للإبحار في خضم الاقتصاد والتجارة.

الوعي بالمصير المغاربي شكل موضوع أطروحة دبلوم الدراسات العليا حول الاتحاد المغاربي، وأطروحة الدكتوراه حول التعاون بين اتحاد المغرب العربي والاتحاد الأوروبي، للعاهل المغربي عندما كان طالبا ووليا للعهد، ومع تراكم التجربة والتفاعل مع التحديات والتحولات الجارية في العالم والمنطقة، كانت مبادرة الأطلسي ترجمة لهذا الوعي الوحدوي التنموي الذي يعكس عمق وتاريخ المملكة وتجربتها الدبلوماسية الضاربة في عمق الحضارة.

جن جنون الرئاسة الجزائرية وبدأت تخبط خبط عشواء، فتحدثت تارة عن معابر لربط التواصل مع الجارة موريتانيا نكاية في التقارب المغربي – الموريتاني، ومرة أخرى فتحت أبوابها للمعارضة المالية لابتزاز النظام المالي الذي منع عن مسؤوليها زيارة البلد نهائيا، وخلقت أزمة مع تشاد وبوركينا فاسو، وأخيرا ابتكرت تحالفا ثلاثيا مع ليبيا وتونس لتكسير ما تبقى من اتحاد مغاربي تسببت هي في شلله لسنوات طويلة.

◙ الكثير من المياه جرت تحت قصر المرادية الذي تفتقت ذهنية الحاكمين فيه، على استنساخ اتحاد مغاربي هجين بثلاث أرجل لا يصلح إلا للتصريحات والصور البروتوكولية

الجانب الآخر من الصورة نجد سعيد شنقريحة والرئيس عبدالمجيد تبون يريدان السفر مع قيادة إيران عبر منطقة الساحل والصحراء في عربة تعود إلى حقبة السبعينات دون أحزمة أمان أو مكيف هواء، ولنطلق العنان للخيال حول ماذا يحملون في تلك العربة من منتجات؟ وماذا سيجدون في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر؟ وهل يعتقد النظامان الجزائري والإيراني أن المغرب لم يقرأ الخرائط بتأن وأنه لم يطلع على النوايا قبل وبعد فتح بوابة المحيط  الأطلسي غربا أمام أشقائه الأفارقة من خلال مبادرة الملك الأفريقية – الأطلسية؟ إن اللعبة مفتوحة على جنون العظمة لدى نظام يخشى الانقراض بمجرد إنهاء مشكلة الصحراء المغربية.

استقبال تبون لرئيس إيران، إبراهيم رئيسي، على هامش قمة الدول المُصدرة للغاز التي احتضنتها بلاده، وهو الذي يدعم بوليساريو جهارا نهارا، وفي الوقت ذاته ملاعبة المغرب بورقة انفصاليي الريف، باستقبال مكتب تمثيلية ما سمي بـ“جمهورية الريف” لـ“نشطاء انفصاليين” بالجزائر في مقطع فيديو مصور، صورة تحكي الكثير عن غباء الردود وتخلف الحروب النفسية التي يحاول النظامان المتهالكان ممارستها ضد المغرب.

أي أن النظامين يتحرقان شوقا إلى تقسيم المغرب جنوبا وشمالا ويعملان بجهد جهيد لأجل هذه الغاية. فما هذا النفاق وهذا التناقض السافر الذي يتمتع به هذان النظامان عندما يعلنان في بيان عن “تطابق وجهات النظر بين البلدين وتوافقهما على مواصلة الجهود للمساهمة في استتباب الاستقرار في المنطقة”، وعن أي استقرار يتحدثان وهما منغمسان معا في حروب بالوكالة وبأجندة توسعية ضد استقرار البلدان التي لا تريد الانصياع إلى إملاءاتهما معا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: