من ينهب خيرات المغرب من المعادن و الفوسفاط ؟

يعتبر معدن “الباريتين” من أهم المعادن المستغلة بما يقدر بـ 76.9 مليون طن والملح بـ 72 مليون طن، فيما يتجاوز الحديد والرصاص والزنك على التوالي 798 ألف طن و398 ألف طن و722 ألف طن.

تكاد تكون نادرة، تلك التقارير الرسمية و الصحافية التي استطاعت بصيغة محتشمة أن تفتحص شؤون المكتب الشريف للفوسفاط وتنقل لنا صورة مختصرة عن إدارة شؤون هذه المؤسسة المكلفة بالمتاجرة في خيرات البلاد الباطنية.

ما تؤكده نقرة واحدة في محركات البحث على الإنترنت، هو أن مداخيل هذه المؤسسة “المقدسة “، و التي وضع على مسافة منها خط أحمر لا يمكن لأي كان الاقتراب منه، كفيلة بضمان “السترة” لفقراء المغرب .

فهذه المؤسسة المحمية بقرار رسمي غير معلن، تعد من أكثر شركات الدولة تكديسا للعملة ، وموظفوها (الكبار أقصد) يتقاضون أجورا وعلاوات تصل في بعض الأحيان إلى 500 ألف درهم شهريا، ناهيك عن الامتيازات التي لا تعد و لا تحصى .. طبعا، إن الرقم الذي ذكرته يبدو مهولا و صادما لكن إدارة المكتب لم تكلف نفسها يوما عناء تكذيب أو تصحيح هذه المعلومة التي تم تداولها على أوسع نطاق بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

ثم إنه مع ما يلف موضوع مداخيل المكتب من غموض، و بالنظر إلى القيمة التي تحظى بها مادة الفوسفاط عالميا فمن البديهي أن يخصص كبار المكتب لأنفسهم هذه المبالغ المبالغ فيها.

ولكي نستوعب هذه الحقيقة الصادمة علينا أن ننقب من جهتنا عن قيمة الفوسفاط بين دول العالم ليتأكد لنا أن شركة المغاربة تجني سنويا الأموال الباهظة مقابل تصديره .

و للاضطلاع على أهمية المنتوج الذي تنقب عليه الـ (ocp) تعالو معي في هذه الجولة المختصرة جدا لنتعرف على قيمته و على ما يمكن أن يضمنه للمغرب من أمن غذائي و استقرار نفسي وتموقع ديبلوماسي ضاغط على المستوى الدولي.

فالمغرب هو أول مُنتِجٍ للفوسفاط، وثالث دولة مُصدّرة في العالم، متبوعا بالصّين ، ومن الفوسفاط، تستخرج أسمِدة الفوسفور الأساسية في التّغذية العالمية.. يقول الاستاذ محمد إفزارن في مقال نشر بالموقع الالكتروني “هيسبريس” إنه بدون فوسفور، لا فلاحة، ولا زراعة، ولا بشر، ولا حياة فالفُوسفور، المشتقُّ من الفُوسفاط، ضروري لنموّ الكائنات، منها النباتاتُ والحيوانات والإنسان..

ويؤكد ذات المصدر أنه تم مؤخرا عقد مؤتمرٌ عالمي حول أسمدةِ الفوسفور،أو ما سمي بإكسير الحياة لتوعية السياسيين، والرأي العام، بأهمّية هذه المادة الضروريةِ للحياة، وتمّ التأكيد على أن هذه الأسمدة يتزايدُ الطلبُ عليها في الأسواق العالمية، وأنّ العالمَ مُهدّدٌ بمجاعةٍ كُبرى ما بين 2030 و 2040 القادمة، إذا استمرّ التّبذيرُ الحالي في التوزيعِ العالمي لهذه الأسمدة الأساسية الفُوسفُورية.

معنى هذا أن هذه الثورة المغربية رغم ما نتلقاه من تطمينات رسمية تسير في اتجاه الاستنزاف دون أن ينعم المغاربة بعائدتها.

وبالاضافة الى ما يحتويه الفوسفاط من مكون الفوسفور تؤكد تقارير علمية في هذا الشأن أن الفوسفاط المغربي يضم في مكوناته معدن اليورانيوم، المادة الثمينة التي تستغل في الصناعة النووية، غير أن المغرب يصدِّر موارده الفوسفاطية في معظمها كمادة خام إلى الخارج، حيث يعاد تدويرها ومعالجتها، ما يقلل من استفادته من تلك الثروة.

وبالعودة إلى صلب الموضوع و الذي يتعلق بمداخيل “المؤسسة الشريفة” فإن الأرقام المتضاربة التي تتوارد علينا من حين لآخر تبرز حقيقة ساطعة مفادها أن هذا الشعب “محكور” في ثرواته وأن مداخيل المكتب الشريف للفوسفاط كفيلة بسد حاجيات المغرب في مجال البنيات التحتية و قادرة على سد رمق كل مغربي أنهكته الفاقة (على الأقل) .

فالمكتب الشريف للفوسفاط الباحث عن هذه الموارد، في كل من مدينة خريبكة وابن جرير واليوسفية و فاس بوكرع .. يحصل، حسب معطيات و تقارير صحفية مغربية، على ما يقارب 14,49 مليار دولار سنويا.

بحسب التقرير المالي السنوي للمكتب الشريف للفوسفات المغربي، فإن المملكة حصلت على إيرادات من تصدير الفوسفات نحو الخارج في سنة 2016، تبلغ 42.471 مليون درهم، أي ما يقارب 4.2 مليار دولار، بانخفاض بنسبة %11 مقارنة مع السنة الماضية، التي سجلت 47.747 مليون درهم.

بل إن جريدةُ «نورثيرن مينر» الأمريكية المتخصّصة، كتبت السنة الماضية أن مداخيل المغرب من الفوسفاط، فقط في 6 أشهر، تفُوقُ 2,5 مليار دولار، و ما تُقدّمهُ الإدارةُ من معلوماتٍ للمغاربة عن أرباحِها قد يكونُ غيرَ صحيح، بسببِ تهرُّبِ المسؤولين المغاربة من إدراج ” الشركة الشريفة للفوسفاط ” بالبورصة، لتبقى الأرقامُ سرّية.

ولم يكن موضوع الفوسفاط المغربي حديث الجريدة الأمريكية فقط بل تساءل بعدها “ماثيو كيفيل”، وهو باحث في جامعة “لورونتان” الكندية، في مقال نشرته أسبوعية اقتصادية كندية – تساءل – مستغربا من التناقض بين مداخيل الفوسفاط و معاناة المغاربة من الفقر، ” بل الأدهى والأمر أن الفلاحين المغاربة لا يستطيعون اقتناء الفوسفاط لأراضيهم ” !!!

.و إذا صحت تقديرات جريدةُ ” نورثيرن مينر “، و أصررنا على استعمال الآلة الحاسبة فإن حق كل مغربي من مرجوعات ثرواتهم قد يقارب 40 درهم يوميا لكل مغربي، أي حوالي 1100 درهم شهريا.

في مقابل ذلك أظهرت أرقام رسمية،ارتفاع الدين العمومي المغربي بنسبة 4.8 في المائة، ليبلغ 827 مليار درهم، منها 312 مليار درهم كديون خارجية، ما يعني أن كل مغربي مدين خارجيا بأكثر من 9700 درهم إلى المؤسسات المالية والدول الأجنبية.

.المغرب لا زال يرزح تحت الاحتلال الفرنسي، المغرب استقل بشروط استغلال البلاد رغم الاستقلال. نقبوا أيضا في مداخيل مكتب السكك الحديدية أين تذهب، اسألوا عن الضيعات الفلاحية الواسعة أين تذهب خيراتها و عائداتها أين خيرات البحر وعائداتها التي لا تذخل اصلا للمغرب. والله ثم والله لن تسمح في حقي

هذا ما يصب في مصلحة المغرب، الذي يحوز في أرضه على أكثر من ثلثي احتياطي فوسفات العالم، بنسبة تقدر ما بين %75 و85%، أي ما يكفي لتلبية حاجات العالم من هذه المادة مستقبلًا لمدة زمنية تتراوح على الأقل ما بين 300 سنة و 400 سنة قادمة، وفق دراسة نشرها موقع”إنيرجي سكيبتيك” المتخصص. ويحتل المغرب المرتبة الثانية بعد الصين دوليًا في الإنتاج بحوالي 29.5 مليون طن سنويًّا.

كم تبلغ مداخيل الفوسفات المغربي؟

لكن تقارير دولية، منها جريدة “نورثيرن مينر”الأمريكية، تُشكّك في الأرباح المعلن عنها من طرف المجمع الشريف للفوسفات، وذلك بسبب أن الشركة المغربية لا تدرج معاملاتها المالية في البورصة، وبالتالي يتعذر الاطلاع بشفافية على الأرقام الحقيقية الخاصة بتجارة الفوسفات بالمملكة، وتقول الصحيفة إن الرقم الحقيقي يتجاوز المصرح به.

تشكك عديد التقارير الدولية في الأرباح المعلن عنها من طرف المجمع الشريف للفوسفات في المغرب وتقول إن الرقم الحقيقي يتجاوز المصرح به

وفي ظل استغلال الصين والهند المكثف للفوسفات الذي بحوزتهما، فإنه من المرتقب أن يستأثر المغرب في العشر سنوات القادمة على مجموع فوسفات العالم تقريبًا، بفضل احتياطاته الهائلة من هذه المادة، الأمر الذي يسمح للمملكة بتحويله إلى ثروة ذهبية تزيح النفط عن قائمة المواد الطبيعية الأكثر غلاء وإقبالاً عالميًا، ولا سيما مع الحاجة المتزايدة للفوسفات في الأسواق العالمية.

لكن رغم ذلك يواجه المغرب تحديات صعبة في استغلال احتياطاته الضخمة من الفوسفات، إذ تستنزف عمليات إنتاج مشتقات الصخور النفطية الفرشات المائية وتستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، كما أن معامل الإنتاج تخلف وراءها سمومًا مضرة بالبيئة، تحتاج إلى خبرات ونفقات للتعامل معها بشكل أمثل، حتى لا تسمم موارد السكان.

بل إن المناطق الحاضنة لحقول الفوسفات، تعاني نفسها من التهميش والإقصاء في البنى التحتية والخدمات العمومية، ما يدفع ساكنيها إلى التظاهر والاحتجاج طلبًا لفرص الشغل لأبنائهم، كما يحدث بين الفينة والأخرى في مدينة خريبكة واليوسفية، وبدل أن تستفيد ساكنة المناطق المحتضنة لهذه الثروة الوطنية، تصلهم فقط أكوام مخلفات الفوسفات التي تسمم بيئتهم.

فضلاً عن أن الفلاحين المغاربة لا يستطيعون اقتناء الأسمدة الفوسفاتية من أجل تغذية أراضيهم الفلاحية، نظرًا للسعر المرتفع الذي تباع به أسمدة الفلاحة داخل الأسواق المغربية، علمًا وأن البلد يحتضن القسم الأوفر من فوسفات العالم، ويستحوذ على ثلث سوق الفوسفات العالمي من كافة أنواع منتوجات الفوسفات.

على صعيد آخر، كشفت الغارديان البريطانية في تقرير لها، أن مناجم الفوسفات بالمغرب تتسبب في تلوث الهواء والمياه ومن ثمة تسميم البيئة المحيطة، بسبب طريقة إدارة النفايات الصناعية غير الآمنة، كما أكدت تعرض العمال لأمراض صحية ناجمة عن العمل داخل هذه المناجم، علاوة على السكان المحليين الذين يتضررون من تسرب النفايات الصناعية إلى مواردهم.

كل ذلك يوحي إلى أن المغرب ليس بلدًا فقيرًا كما يبدو ظاهريًا في إحصائيات الفقر والتنمية، بقدر ما يعاني من سوء تدبير لثرواته الضخمة، ومن الفساد المتفشي في دواليب الدولة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: