تدهور حقوق الإنسان بالمغرب بشهادة المرحوم عبد الهادي بو طالب

في شهادة نادرة عن مراحل حاسمة من تاريخ المغرب يروي عبد الهادي بو طالب مستشار العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني سيرة شعب وقيادات صنعت المغرب المعاصر كما يتحدث عن طبيعة الحكم المرتبط بالفرد ويشير إلى أن الحسن الثاني يتحمل مسؤولية تاريخية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في عهده .

 وهذه المذكرات وهي على شكل شهادة عبارة عن جلسة استماع لعبد الهادي بوطالب سجلتها هيئة الإنصاف والمصالحة في إطار سعيها لكشف الحقيقة ولفهم ماجرى خلال العقود الماضية التي أدت إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وقيمة هذه الشهادة أنها تنشر للمرة الاولى وهي بمثابة وثيقة تاريخية مهمة من حق الرأي العام الاطلاع كونها تلقي مزيدا من الضوء لمعرفة ماجرى.

أحمد بلافريج ذهب إلى هتلر في برلين فبدأ الناس يتحمسون لألمانيا

بعد توطئة يقوم بها اثنان من هيئة الإنصاف والمصالحة لشرح موضوع اللقاءات يبدأ عبد الهادي بوطالب شهادته قائلا:  تاريخ المغرب لم يكتب إلى حد الآن، و ما كتب عنه أو منه، يعكس مواقف سياسية عند الكثيرين. الكل يريد أن يدافع عن نفسه وعن هيئته و حزبه فقط. كثير من الذين كتبوا مثلا عن الحركة الوطنية لم يكتبوا إلا عن حزب الاستقلال، و هناك كتب تدعي سرد تاريخ الحركة الوطنية لكنها لا تتحدث إلا على حزب الاستقلال. فإذن هناك نظرة أحادية تطبع بعض الكتب.

أنا شخصيا أقول بأنه لا ينبغي أن تتأخر كتابة التاريخ بل يجب أن يكتب في حينه. في الماضي كانت تتأخر كتابة التاريخ لانعدام وسائل التواصل المتطورة، أما اليوم فالوضع مختلف. الأحسن إذن أن يكتب التاريخ في حينه لكي يتم التصدي لكل من يروي ما جرى من منطلق اتجاه أحادي، وحتى يتمكن الآخرون كذلك من الإدلاء برواياتهم وكشف حقائق أخرى. باش يجي آخر و يقول حقيقة أخرى.

بطبيعة الحال، الذي سيكتب التاريخ لابد أن يستنطق جميع الفعاليات التي صنعته أو ساهمت فيه. لذلك أنا أقول إنه آن الآوان لكي تقوم الدولة بتأسيس هيئة لكتابة التاريخ. هيئة تستنطق الجميع، ويساهم فيها رجال المقاومة والأحزاب السياسية التي كانت موجودة آنذاك. ويدوز داك الشي من الغربال. يجب أن يغربل كل ما ينطقون به حتى نحصل على الحقيقة. الحقيقة مجردة من أي نعت بالزيف أو الصدق أو النقصان. الحقيقة فقط.

لا نختلف في الرؤية، نحن أيضا نقول بضرورة كتابة التاريخ هذه بداية الكتابة. أريد أن أتحدث إليكم عن موضوع الانحرافات والانشقاقات التي وقعت في الصف المغربي وأسبابها و تداعياتها التاريخية. لا أقول إنني مؤرخ، لكنني أيضا لست من الذين ينطلقون من منطلق نظرة أحادية. أنا كتبت في كتابي «ذكريات وشهادات ووجوه» في مجلدين ضخمين من جزئين، في كل منهما 600 صفحة، ثم فضلت أن أختصره في ما كتبت في جريدة «الشرق الأوسط». لو أنني أردت أن أجمع كل ما قلته في «الشرق الأوسط» لأصدرت كتابا من 5 أو 6 مجلدات، وهذا كثير.

قلت في مقدمة هذا الكتاب “إن الإنسان بطبعه أناني إذا تحدث عن أي شيء تحدث عن نفسه“. واستشهدت بنارجنسن، وزير الخارجية، الله يرحمه، الذي كان يقول “لا أعلم أن أحدا دعا إلى اجتماع وحضره وسهر فيه وساهم في كتابة تقريره إلا وخرج في اجتماع آخر ليقول لقد قمت بكذا وكذا وقلت وقلت وقلت… ولا يتحدث عن ما قال الآخرون”.  هذه ظاهرة إنسانية، الإنسان لا ينصت إلا لنفسه. عادة ما لا يهتم المرء بما قاله الآخرون إذا ما حضر مجلسا ما، وحين يسأل عما قيل لا يروي إلا ما قاله هو. الإنسان بطبعه أناني، لا يعترف بأخطائه، والآخرون بالنسبة إليه هم المخطؤون والمجرمون دائما، أما هو فبريء نظيف.

الحكم عربيا واسلاميا محصور بالشخص

لنعد إلى موضوعنا، سأتحدث إليكم كمؤرخ شيئا ما و كمحلل موضوعي دون أن أسعى إلى توجيه حديثي هذا أي وجهة أحادسة النظرة. بالنسبة للمؤرخ العربي الإسلامي، والمغرب جزء من هذا العالم، الحكم دائما كان مشخصا ومحصورا في الفرد. لم يكن قط حكما مؤسساتيا، وما يزال كذلك إلى الآن. وحتى عندما تقام المؤسسات، تكون السلطة الطاغية هي سلطة الحاكم الأعلى المشخص للسلطة. وهذا الأمر في الواقع ذكره حديث نبوي يقول ما معناه: إن ملكا عضوضا سيحل محل الخلافة الراشدة بعد 30 عاما على وفاة الرسول.

وكذلك كان منذ تولى الملك الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. نفس الشيء حدث في تاريخ المغرب. لا يمكن لأي مؤرخ أن ينفي أن الحكم كان مشخصا عند أي سلطان أو ملك أو قائد حركة سياسية سواء عند الأدراسة أو المرابطين أو الموحدين أو المرينيين أو السعديين أو العلويين. كل ملك يقول كما قال فرعون “أنا ربكم الأعلى”. وهو الذي عاقبه الله تعالى بأن أنزل به العذاب الأليم، وهذا عقاب الديكتاتور. على سبيل المثال فقط، ما قرأناه في تاريخ المغرب عن السلطان المولى إسماعيل وما ارتكبه من الفظائع خلال 50 سنة قضاها في الحكم. حتى أنه قتل أولاده. رغم أن عصره كان عصر ازدهار وكانت له علاقات دولية… لكن ذلك لا ينفي أنه كان طاغية، لدرجة أن الناس كانو يقولون بعد وفاته “بموت عبد الجبار يعرف الواحد القهار“.

الحكم في العالم العربي الإسلامي، والمغرب جزء منه، كان دائما محصورا في شخص واحد. في أوربا أيضا كان الأمر كذلك، فلنتذكر فقط قولة الملك الفرنسي لويس 14، “الدولة هي أنا”. ونحن بقينا في هذه المحطة من التاريخ. ألم يكن بورقيبة يقول “تونس هي أنا”؟ قالها لنا مرارا وتكرارا. إذا استنطقنا ذاكرة التاريخ، فسوف لن نعثر على أي أثر، لا أقول للديمقراطية التي لم تكن قد وجدت بعد، ولكن فقط للعدل والرفق في معاملة الناس، أو فقط لنوع من التواضع في استعمال السلطة. لم يكن الحاكم يعير أي اهتمام للآخرين ولا يعتبر أنهم موجودون، لا يهمه أن يجوعوا أو يصيبهم الفقر أو يمسهم الظلم. كان إذا أدخل سجين السجن لا يسأل عنه أحد أبدا بعد ذلك. هذا هو تاريخنا. وهذا ما وجدته الحماية الفرنسية حينما جاءت إلى المغرب.

السلطان عبد الحفيظ، الذي وقع عقد الحماية يوم 30 مارس مع السفير الفرنسي راليو، كان يقول إنه لا يريد أن يكون سلطان الحماية بعد أن كان سلطان الاستقلال. كان يعني استقلاله هو، استقلاله الشخصي الذي جاءت الحماية لتشاركه فيه. ليس صحيحا أنه لم يقبل التنازل عن الحكم بل الصحيح أنه لم يقبل أن تشاركه الحماية فيه. ماذا فعل هذا الرجل حينما جاءته هيئة البيعة بعقد بيعة يمنع عليه إبرام أي عقد مع الأجانب إلا بعد أن يستشير أعضاء هذه الهيئة، أي العلماء الذين بايعوه؟ قتل أحدهم ورفع العصا في وجه آخر.

الحماية على المغرب

هذا ما وجدته أنا، كمؤرخ، لما جاءت الحماية إلى المغرب. ماذا فعلت الحماية بهذا الوضع؟ تركت الواجهة كما كانت، أي أن السلطان بقي هو الحاكم الذي يوقع جميع الظهائر، لكنها أخذت بزمام الحكم الفعلي المباشر.  بعد ذلك، وأقف هنا عند عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، تأسست الأحزاب. تأسس أولا الحزب الواحد الذي كان يجمع جميع الزعماء الوطنيين، أقصد “كتلة العمل الوطني”. وحينما أرادت هذه الهيئة أن تنظم نفسها بإحداث مكتب وقيادة لم تستشر قواعدها. اجتمع القادة فيما بينهم واختاروا من بينهم من يتولى الأمر، فصوتوا لانتخاب رئيس الكتلة وأمينها العام.

كان هناك صراع بين اتجاهين: اتجاه عصري و يتمثل في الذين درسوا في أوروبا وآخر تقليدي يمثله علماء الدين. علماء الدين هؤلاء كانت لهم سلطة يستمدونها من خلال فتواهم للسلطان، والتاريخ يخبرنا عن عدد ممن يسمون “علماء السلاطين“. العلماء قالوا إنهم هم من يجب أن يأخذوا الحكم بدء من لحظة تشكيل قيادة الكتلة، شرعوا في التصويت وكانت النتيجة لصالح محمد بلحسن الوزاني. الأخير كان ينتمي للمدرسة المعاصرة، درس العلوم السياسية والصحافة والإعلام في باريس، واحتك بالأحزاب السياسية في فرنسا خصوصا الحزب الاشتراكي الفرنسي.

بالمقابل كان هناك حزب السي علال الفاسي، وهو مجدد لكنه يتبنى السلفية. يعني كان يظهر دائما من يقول أنا لا غيري كلما تعلق الأمر بالحكم. بعد ذلك ستنشق كتلة العمل الوطني إلى حزبين، أحدهما سمي وطنيا ولم يكن يطالب بالاستقلال في البداية، وهو حزب السي علال الفاسي، والآخر تزعمه محمد بلحسن الوزاني وسماه حركة وليس حزبا وكان يطالب بأن تنتخب القيادة من القاعدة، عبر جمع مجلس وطني كبير من المدن والقرى.

حدث هذا سنة 1937؟  كيف أن الأغلبية كانت سلفية والحال أن مطالب 1934 كانت ذات طبيعة إصلاحية متشبعة بروح العصر؟

القيادة كانت سلفية والذي حرر الوثائق، وثائق المطالب، هم العصريون الذين درسوا في المدارس. مهمة تحرير هذه الوثائق لم يتكفل بها لا السي علال الفاسي ولا السي عبد العزيز بن ادريس ولا السي الهاشمي الفيلالي ولا السي بوبكر القادري. أقوى نص إصلاحي كان هو ذاك المتعلق بمطالب الحريات والقضاء على التعذيب.. لا أريد الخروج عن سياق تسلسل الأحداث وتطور الحكم. فقط فتحت قوسا حتى لا نرجع للموضوع ثانية..

السؤال الذي طرح خلال هذه الفترة هو من يحكم المغرب، هل هم الإصلاحيون أم السلفيون؟ لكن في نفس الوقت كان ظهور الحركة النازية في ألمانيا المعادية لفرنسا. بالتالي ظهرت نظرة بسيطة للعدو الوطني، عدو عدوي صديقي. وهذا لا يجوز في السياسية. ما تخسرش عدوك لمجرد هاد المعادلة البسيطة. وهكذا ذهب الحاج أحمد بلافريج إلى هتلر في عاصمته برلين، فبدأ الناس يتحمسون لذلك. أتذكر أنني كنت طفلا صغيرا حينها كنت أسمع للراديو ليلا وبدأت تتكون عندي مشاعر انتفاضة، فكنت أقول: ها هوما جاب ليهم الله اللي ينتاقم منهم (أي الفرنسيين) وكفى الله المؤمنين شر القتال.

علاقة حزب الاستقلال بحزب الشورى والاستقلال

حزب الاستقلال خرج بفكرة واحدة مفادها أنه هو الحزب الوحيد ولا يبقل وجود غيره. واستعمل في هذا جميع الوسائل لمحاربة حزب الشورى والاستقلال وتخوينه. قالوا إن بلحسن الوزاني ومناضليه خونة. في هذه الفترة ظهر النشيد المشهور «المغرب لنا لا لغيرنا» وكانت دائما لديهم فكرة الاستقلال. من ذلك الحين والخلاف مستمر إلى أن جاءت حركة المطالبة بالاستقلال، كان يمكن أن يشارك فيها الناس من الحركة (يقصد حركة الوزاني) وقد ذهبت إلى الحاكم وقلت إنني أمضي معكم وكان معي الأستاذ الجناتي.

كان الجناتي حينها محاميا في الرباط. حين ذهبنا لنوقع اتخذوا جميع الوسائل لكي لا يظهر توقيعنا، لأنهم أرادوا أن يقولوا إن حزب الاستقلال هو الذي حقق الاستقلال للمغرب. لا أقول هذا الكلام من باب الحقد، كما أنني لم أذكره في مذكراتي لأنني حرصت على أن لا تتأثر بأي انتماء حزبي، خصوصا أنني حاليا لا أنتمي لأي حزب ولم أنتم لأي حزب منذ غادرت «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية». أريد هنا أن أكذب ما قالته عني إحدى الجرائد من أنني لم أتحزب يوما، كما أني لم أكن على الصورة التي نشرت في هذا السياق والتي يظهر فيها إدريس السلاوي واقفا ومعه الخطيب وأحرضان واكديرة وأحمد با حنيني و أحمد العلوي. شاركت في حكومة كان أغلب أعضائها متحزبين، لكن مشاركتي هذه كانت بصفتي لا منتميا.

)مقاطعا) لنتحدث أولا على مفاوضات إيكس ليبان حول استقلال المغرب؟

ذهبنا إلى مفاوضات إيكس ليبان مجتمعين، وخلافا لما يقال، لم يقع أي شيء هناك بيننا وبين الباشا الكلاوي ومن معه. جاؤوا بنا نحن وجاؤوا بهم كل على حدة. استمعوا إلينا واستمعوا إليهم، وفهموا أخيرا. فهموا أنهم لا يمثلون أحدا. دخل حزبنا(الشورى والاستقلال) و كنت أنا فيه؛ دخلت عن طريق الوزارة مع عبد القادر بنجلون. ودخل عبد الرحيم بوعبيد والحاج عمر بن عبد جليل و المهدي بن بركة (حزب الاستقلال)، ومن ثمة بدأت الاتصالات بين حزبينا فقد كنا متفقين رغم أننا متنافسان.

أما أن يقول الاستقلاليون إن حزب الاستقلال هو الذي حقق استقلال المغرب، فهذا كذب. راه ما جابوش الاستقلال، ما جابوش الاستقلال. حزبهم كان جزء من الحركة، كان يقال إنه يمثل الأغلبية داخلها، لكن ينبغي التذكير أنه لم تكن تجرى حينها انتخابات لنعرف من كان يملك الأغلبية. هذا كلام قيل حينها وصدقه الناس، يمكن أن يكون صحيحا ويمكن أن لا يكون كذلك. لكن ما حدث في إيكس ليبان طرح مشكلا فيما بعد، هناك من كان ضد هذه المفاوضات مثل الهيئة الريفية والسي محمد بن عبد الكريم الخطابي..  بالفعل كان هناك من هم ضد إيكس ليبان.

وكان من ضمنهم مقاومون ووطنيون؟

الناس الذين كانوا ضد إيكس ليبان فئة واحدة لكنهم كانو مختلفين. لم يكونوا يتحملون العمل السياسي داخل البلاد. السي محمد بلحسن الوزاني كان ضد إيكس ليبان لكنه كان في الخارج حينها.

كان له ارتباط بالسي محمد بن عبد الكريم الخطابي؟

كان عبد الكريم في الخارج وكانت المقاومة تقول إن السياسيين ليس من حقهم أن يجنوا ثمرة الاستقلال. هذا موضوع آخر. موضوعنا هو من يحكم المغرب.

حتى علال الفاسي كان في البداية ضد إيكس ليبان؟

صحيح هو الآخر كان في البداية ضد المفاوضات لكنه تراجع عن هذا الرأي. لكن حزبه ذهب إلى أيكس ليبان بوفد على رأسه السي محمد اليزيد، الذي كـان النائب العام في غياب بلافريح. أما نحن فلم يكن برفقتنا أي نائب عن السي محمد بلحسن الوزاني. كان يتكون وفدنا من عبد القادر بنجلون، وبنسودة، والتهامي الوزاني وأنا. كانوا الـناس ماشي هوما هادوك، وقد كتبت ذلك في la Mémorial du Maroc, la conférence qui n’a pas eu lieu. لما جاء دورنا ليستمعوا إلينا قالوا لنا «دخلوا فحالكم». لم يحصل اتفاق حول خمس نقاط. ولم نتفق على البيان الختامي أيضا.
ما هي هذه النقاط الخمس؟ كان كل شيء شفاهيا.

كيف؟

لم يكتب شيء، والخلاف حول هذه النقاط حدث بعدما خرجنا من إيكس ليبان. استمرت لقاءاتنا مع إدكار فور ومع مدير ديوان ديرامين بعد المفاوضات. ليس هناك شيء اتفقنا عليه في إيكس ليبان. فهم المغاربة أن هدف سلطات الحماية من وراء مفاوضات إيكس ليبان هو أن يظهر أن المغاربة مختلفون فيما بينهم. لذلك أتوا بهؤلاء وهؤلاء.

كانت مرافعة عبد الرحيم بوعبيد وعبد القادر بن جلون في غاية الأهمية في هذا الباب. رفعنا الإبهام الذي كان سائدا ووضحنا الأمور. فقام هؤلاء السادة (ربما يقصد الباشا الكلاوي ومن معه) وقالو نحن نقبل أي شيء تراه فرنسا مناسبا. أما نحن فرفضنا ذلك ولم نقل كما قالوا هم. فقرر الفرنسيون إرجاع هؤلاء إلى المغرب وبقينا نحن معهم إلى أن توصلنا إلى الخطوط العريضة لحل المشكل. ويتعلق الأمر بحسم مسألة ما إذا كان يجب أن يعود السلطان قبل أن تتشكل الحكومة، أو أن تتشكل الحكومة قبل عودته، أم أنه يجب أن تشكل حكومة انتقالية قبل عودة السلطان؟ وما إذا كانت هذه الحكومة تمثل الجميع، أو أنها يجب أن تكون مشكلة فقط من الأحزاب.

قلنا لهم إننا لا نستطيع مواصلة محادثاتنا قبل أن يتوجه وفد منا إلى السلطان. وقد كنت أنا من أعضاء الوفد الذي ذهب رفقة السي الرامي وعبد القادر بن جلون، أما الوفد الآخر الذي ذهب معنا في نفس السيارة فكان مكونا من الحاج عمر بن عبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد. وهناك صورة لنا مع محمد الخامس، سأبينها لكم.

–حسنا، يأتي بالصورة ويتحدث مشيرا إليها…

هذا ولي العهد وإلى جانبه الأمير مولاي عبد الله، كلهم توفوا إلا عبد ربه ينتظر دوره.  ذهبنا عند محمد الخامس رحمه الله وأخبرناه أننا قلنا للفرنسيين لا حكومة قبل رجوعك إلى المغرب. كان رحمه الله يتبنى سياسة واقعية وقال لنا «الله يهديكم ما توقفوش البيضة فالطاس»، أنشئوا هذه الحكومة وحين أعود إلى المغرب سأرى ما يمكن فعله. خرجنا من عنده ونحن غير موافقين على ما قاله، وأتفقنا أنه بإمكاننا الاستمرار في العمل إلى حين عودته.

عاد محمد الخامس بالفعل واستقبله الحزبان السياسيان اللذان كانا موجودين في الرباط )الاستقلال والشورى والاستقلال). قسمنا الرباط إلى قسمين، أنصار حزب الشورى والاستقلال اصطفوا على طول الطريق الرابطة ما بين المطار ومدخل المدينة أما أنصار حزب الاستقلال فانتشروا في المنطقة الرابطة ما بين مدخل المدينة والقصر الملكي. هناك صور تؤرخ لذلك.

بعد ذلك اتفقنا على تشكيل الحكومة، وكان أول ما قاله لنا الاستقلاليون، أنهم يرفضون أن يشارك معهم فيها أي حزب آخر. قالو لنا «حنا اللي جبنا الاستقلال، حنا اللي جبنا الاستقلال». باش جابو الاستقلال؟ حين نفي علال الفاسي ألقي القبض على السي محمد بلحسن الوزاني ونفي هو الآخر في نفس اليوم، وقضايا معا في المنفى نفس المدة، أي 9 سنوات.

كيف يقول الاستقلاليون إذن إنهم عملوا كل شيء لوحدهم؟

إثر ذلك تبين أن قوات في قلب حزب الاستقلال تريد أن تأخذ الحكم، النقابيون والمقاومون قالوا بدورهم، كما قال السياسيون في الحزب، إنهم هم الذين أتوا بالاستقلال للمغرب. نفس الإشكالية ظهرت مجددا، وهي شخصنة الحكم وأحاديته. بعد ذلك انشقوا وخرجوا من حزب الاستقلال ليؤسسوا «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، وهو الحزب الذي شاركنا فيه نحن أيضا في حزب الشورى والاستقلال، وكنت أنا مكلفا في الكتابة العامة…

حتى لا أطيل عليك، ما أريد التأكيد عليه هو أن السؤال الذي كان يسكن الفاعلين السياسيين آنذاك هو من يحكم المغرب؟ والجواب الذي كان عند كل طرف هو أنا ولا أحد غيري. وفعلا، عندما دخلنا إلى الحكومة جراو علينا وأخرجونا منها. بعد ذلك ضغطوا على محمد الخامس وأخرجوا 6 وزراء غير منتمين سياسيا. ونصبت الحكومة اليسارية تحت قيادة الحاج بلافريج، فقام المغرب كله ضد حزب الاستقلال، وليس ضد محمد الخامس. قام الريف أولا لأن عبد الكريم الريفي )الخطابي) كان يريد تحرير المغرب كله. تشاجر مع علال الفاسي في القاهرة ومنعه حتى من أن يصل إلى باب داره. قيل إن علال الفاسي أتي يوما إلى باب بيت الخطابي فقال له «ما تعاودش تجي لعندي».

باستمرار…عبدالهادي بوطالب: الحسن الثاني كرئيس دولة مسؤول أخلاقيا عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهده

كان الخطابي يعتبر الذين شاركوا في إيكس ليبان خونة؟

أقول مجددا إن الموضوع هو من يحكم المغرب وادعاء كل طرف أحقيته في ذلك. هذا هو محور هذا العرض. المقاومون كانوا يقولون إنهم من أتى بالاستقلال، ولولا جيش التحرير لما أمكن للسياسيين سواء الاستقلاليون أو الشوريون قطف ثمرة الاستقلال. الفقيه البصري كان وراء هذه الفكرة. بالمقابل يقول التاريخ إن الحكام هم السلاطين. بالتالي أصبح المقاومون في صف معارضة السلطان وليس معارضة السياسيين فقط. السلطان من جهته يعتبر أن عنده مشروعية تاريخية تمكنه مثلا من تعيين الوزراء واستدعائهم…

إصرار كل طرف على اعتبار أنه هو الوحيد الأحق بالحكم عقد الوضع وقطع الطريق على أي تفاهم. وهكذا وقعت مشاكل ما بين السلطان ومحمد بلحسن الوزاني، لدرجة أنه ذهب إلى سويسرا و قال «لن أعود، يجب أن نبحث عن حل ما مع حزب الاستقلال». حكى لي الحسن الثاني يوما أن الحاج أحمد بلافريج ذهب إلى السلطان ليشتكي له ضياع هيبة الحكومة وتطاول الناس عليها. فقال السلطان «لقد أعطيتكم السلطة، والهيبة من عند الله، إذا لم يعطها لكم فلا تطلبوها مني». كان حكيما وبسيطا في كلامه. حكمة البسطاء أو بساطة الحكماء كما تريدون.

اشتد الصراع ووصلنا إلى مرحلة أخرى، مرحلة الخمسينيات. بدأ حزب الاستقلال يمارس الإرهاب ضد حزب الشورى والاستقلال، فتم اغتيال عدد من الناس. كانت هناك محاولة لتوحيد منظمة «الهلال الأسود» مع تنظيم..

)مقاطعا) لا، لا، كانت هناك اغتيالات استهدفت عددا من الناس. ابراهيم الوزاني، الذي  كان معنا في اللجنة التنفيذية لحزب الشورى والاستقلال، سجن في دار بريشة وذهب عنده علال الفاسي وبصق عليه الوزاني. فقال له «سأقتلك الآن».

أما عبد القادر برادة فاختطفه شخص يدعى جوهينة، وجوهينة كان كوميسيرا وضعه محمد الغزاوي (مدير عام الأمن الوطني) هو وجيشه تحت تصرف علال الفاسي، وكان حارسه الخاص. عبد السلام الطود كان هو الآخر ر

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: