الذكرى الرابعة لرحيل أحمد قايد صالح.. النظام الجزائري يأكل أبناءه

تجاهل الإعلام الحكومي الجزائري لذكرى وفاة قائد الجيش السابق أحمد قايد صالح يعكس توجها لدى السلطة الجزائرية بطي صفحة الجنرال القوي، وهو ما يصفه مراقبون بالتنكر لـ”إنجازات” الرجل.

مرت الذكرى الرابعة لرحيل واحد من أقوى رجالات النظام السياسي الجزائري، فرغم موجة الحراك الشعبي العارمة وتجذر حكام قصر المرادية، إلا أنه استطاع احتواء غضب الشارع وردع خصومه، إلى أن وفاه الأجل في ظروف غامضة نهاية العام 2019، وكما كان مصدر إلهام وتبجيل، صار بعد مرور أربع سنوات على وفاته نسيا منسيا. وخيم صمت القبور في الذكرى الرابعة لرحيل قائد أركان الجيش الجزائري السابق الجنرال أحمد قايد صالح حيث تم تجاهل الرجل تماما من طرف الإعلام الحكومي، ومن المؤسسات الرسمية، وحتى أنصاره الذين كانوا يصفونه بـ”الأب” لم ينبس أيّ واحد منهم ببنت شفة، ليدخل بذلك الرجل دائرة النسيان، وسط معلومات متضاربة عن توقيف بعض من أبنائه للتحقيق معهم في قضايا فساد.

وطرح التجاهل غير المسبوق لشخصية الرجل الذي كان في ذروة قوته ونفوذه، مصدر إلهام وتبجيل من طرف الدوائر السابحة في فلك السلطة، حيث دعا الوزير الحالي للاتصال محمد لعقاب، في إحدى المناسبات طلبة الجامعات لـ”تخصيص مذكرات التخرج لتاريخ وشخصية أحمد قايد صالح، بوصفه شخصية استثنائية في تاريخ البلاد”.

بهذا التناسي لقايد صالح يكون قد تجسد تماما التحول السريع داخل المؤسسة العسكرية ومؤسسات السلطة

وبهذا التناسي يكون قد تجسد تماما التحول السريع داخل المؤسسة العسكرية ومعها مؤسسات الدولة، فقد شكل رحيل أحمد قايد صالح، نهاية العام 2019، بسبب وعكة صحية مفاجئة بحسب تقارير رسمية، وقدوم قائد أركان الجيش الحالي سعيد شنقريحة، منعطفا في مسار الجزائر خلال السنوات الأخيرة، خاصة وأن المرحلتين تميزتا بحملة تطهير وتغيير جذرية وعميقة داخل المؤسسة، تعدت حدود الحرب المفتوحة على الفساد إلى تصفية حسابات سياسية.

واستغل أحمد قايد صالح، شحنة الكوكايين الضخمة التي ضبطت العام 2018، لفتح عملية تطهير واسعة أزاح خلالها كل من يشك في ولائه بدعوى الضلوع في الفساد، وباندلاع احتجاجات الحراك الشعبي، استكمل حملة التصفية وزج بكبار مسؤولي المرحلة في السجن، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة، الجنرالين توفيق (محمد مدين) وعثمان طرطاق، والزعيمة السياسية لويزة حنون، ولم يسلم منه إلا من فرّ بجلده، كوزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار.

وأحاط الجنرال القوي نفسه بنخبة من الضباط الموالين له، ومرر الانتخابات الرئاسية بالقوة، حيث مهد الطريق أمام الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، رغم الرفض الشعبي والاحتجاجات، لكن رحيله كان مفاجئا أياما قليلة بعد الانتخابات، وبنفس المفاجأة سقط جناحه والموالون له كأحجار الدومينو، حيث انقلبت اللعبة بسرعة فائقة، ما أكد أن الرجل صار من الماضي غير المرغوب في تذكره، وأن الحاضر والمستقبل للوافدين أو العائدين الجدد إلى مفاصل القرار، كما هو الشأن لضباط استخبارات طاردهم أو سجنهم سابقا وعادوا لاستلام المأمورية الجديدة – القديمة.

وفي الذكرى الرابعة لرحيله صمت الجميع بمن فيهم المؤسسة التي خدمها طيلة مساره المهني، والرئاسة التي ثبّت أركانها رغم ما تردد آنذاك عن ميلان الكفة لصالح المرشح عزالدين ميهوبي، وهو ما يوحي بقرار غير معلن حول إنهاء الرجل من الذاكرة الجمعية، خاصة تلك التي كانت تبجّله إلى درجة التقديس.

ولا زال الغموض يكتنف مصير أفراد من عائلته بعد تردد معلومات على شبكات التواصل الاجتماعي حول توقيف مصالح الأمن لأبنائه للتحقيق معهم في قضايا فساد، بعد الإفادة التي أدلى بها الجنرال الموقوف سفيان عويس، المسؤول السامي سابقا في وزارة الدفاع الوطني، فلا العائلة ولا المصالح المختصة أطلعت الرأي العام حول ما يتم تداوله، في حين ذهب البعض إلى أن يمتد الانتقام من الرجل إلى عمق الأسرة.

وليس غريبا ما يكتنف واحدا من الذين تركوا بصمتهم في مسار البلاد، بسلبياتهم وإيجابياتهم، فالتناسي والتجاهل كانا مصير الكثير من أمثال الجنرال أحمد قايد صالح، وتمت تصفية الحساب مع الأموات كما الأحياء، لتصدق بذلك مقولة “الثورة ذئبة تأكل أبناءها” وكذلك “النظام السياسي الجزائري يأكل أبناءه”.

 

التحول كان سريع

ولعل ما يؤكد ذلك، أن تاريخ الوفاة جمع بين أحمد قايد صالح، قبل أربع سنوات، والمناضل التاريخي المعارض حسين آيت أحمد قبل ثماني سنوات، ورغم فارق السيرة والنضال والثقل التاريخي للرجلين إلا أن تاريخ الوفاة جمعهما في الثالث والعشرين من ديسمبر، لكن الذاكرة الرسمية التفت فقط لآيت أحمد، وتجاهلت قايد صالح تماما.

وفي صحيفة “المجاهد” الحكومية الناطقة بالفرنسية، استذكرت ندوتها الموسومة بـ”منتدى الذاكرة”، مآثر ونضال المجاهد حسين آيت أحمد بمناسبة الذكرى الثامنة لرحيله، حيث أبرز المشاركون خصال الفقيد الذي يعد من أبرز رموز الحركة الوطنية والثورة التحريرية.

وأثنى البرلماني سعدي محلبي على نضال المجاهد الراحل حسين آيت أحمد، واستعرض في مداخلته أهم مراحل عمله الثوري، لاسيما بعد مجازر 8 ماي 1945 حيث كان في طليعة المؤيدين للعمل المسلح كخيار وحيد للحصول على الاستقلال.

واستعرض المتحدث المسار النضالي للراحل المعروف بـ”الدا الحسين”، فقد كان من الداعيين إلى تكوين المنظمة الخاصة خلال مؤتمر فيفري 1947، والتي كان الفقيد من أبرز أعضائها ليصبح ثاني رئيس لها بعد وفاة المناضل محمد بلوزداد.

وكان اللقاء أيضا فرصة للحديث عن النضال المتعدد الجوانب للراحل حسين آيت أحمد باعتباره واحدا من الوجوه التاريخية للحركة الوطنية الجزائرية وعضوا في مجموعة التسعة التي فجرت الثورة التحريرية، فضلا عن كونه أحد أعمدة الدبلوماسية الجزائرية التحررية.

كما لم تفوت الندوة الفرصة لاستعراض القناعات السياسية الراسخة التي تميز بها آيت أحمد، لاسيما تلك المتعلقة بنضاله السياسي بعد الاستقلال، ومعارضته للسلط المتعاقبة مما كلفه السجن والتخوين والمنفى، حيث توفي في سويسرا العام 2015، وترك وصية بأن يدفن في مسقط رأسه، ورفض أيّ جنازة أو حضور رسمي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: