ارتباك أم مناورة وتضليل.. الجزائر تنفتح فجأة على رغبة في تسوية الخلاف مع المغرب

أثار وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف استهجانا واسعا في تصريحاته الجديدة المنافية لكل مواقف بلاده بقوله إنه “يمكن اعتبار الجزائر الأكثر ميولا إلى الإسراع في إيجاد حل مع المغرب”، بينما رفضت الجزائر كل المبادرات من الشرق والغرب للوساطة بينه وبين المغرب لحلّ الخلافات.

وقال عطاف في إحدى حلقات برنامج “ذوو الشأن” على منصة “أثير” التابعة لقناة الجزيرة، على هامش أعمال منتدى الدوحة في يومي 10 و11 ديسمبر الجاري، “إن حلم بناء المغرب العربي لا يمكن أن يُقضى عليه، وأنا أنتظر اليوم الذي نعيد فيه بناءه، ودورنا ومسؤوليتنا تهيئ أرضيته”، وهو ما دفع متابعين إلى العودة إلى تصريحاته السابقة في المحافل الدولية التي تؤكد تناقض مواقفه كممثل لحكومة بلاده.

وسبق للجزائر أن اتهم المغرب في أكثر من مناسبة آخرها على لسان عطاف نفسه بتعطيل عمل “اتحاد المغرب العربي”، مؤكدا أن بلاده “ليس لها أي مسؤولية في تجميد العمل في إطار المغرب العربي”، وأضاف أنه “من العبث الحديث اليوم عن عودة الروح للاتحاد المغاربي”

وتأتي تصريحات وزير الخارجية بينما تجاهلت الجزائر كل دعوات العاهل المغربي محمد السادس لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين، منذ أغسطس من عام 2021. وكانت آخر هذه الدعوات في 29 يوليو الماضي، حين قال الملك محمد السادس في خطاب العرش “نسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين”. كما تجاهلت دعوة العاهل المغربي في 6 نوفمبر من عام 2018، لإعادة تنشيط اتحاد المغرب العربي.

وبدلا من التجاوب مع مبادرات المصالحة، هاجمت وسائل الإعلام الجزائرية الأمين العام للاتحاد المغاربي الطيب البكوش بعدما أكد في سبتمبر من عام 2022 أن “المصالحة بين المغرب والجزائر ضرورية لإعادة إطلاق بناء المغرب العربي”. كما تداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في محافل دولية سابقة تصريحات عطاف ضد المغرب.

كما أثبتت تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الثلاثاء أمام البرلمان بالقول أن “قضية الصحراء قضية تصفية استعمار، وليس كرها بالأشقاء المغاربة”، أن كلام وزير خارجيته ليس إلا مناورة سياسة ودعاية دبلوماسية فشلت في إثبات مصداقيتها، إذ أن المغرب لا يساوم مطلقا على مسألة سيادته الوطنية الكاملة على أراضيه بما فيها الأقاليم الجنوبية، في الوقت الذي تدعم فيه الجزائر جبهة بوليساريو الانفصالية ضاربة عرض الحائط بالمواقف الأممية والمبادرات العديدة لدول محورية لحل النزاع استنادا للشرعية الدولية وحقوق المغرب التي لا لبس فيها في صحرائه.

وربط محللون تصريحات عطاف بتوتر علاقات بلاده مع جوارها الجنوبي وخصوصا مالي والنيجر، وفسروه بأنه محاولة من الجزائر للتقليل من العداء والخصومة مع جيرانها والتكيف مع الضغوطات الممارسة على الجزائر من قبل جهات دولية، من خلال قراءتها لواقع دبلوماسيتها عبر العالم ومحيطها المباشر، في حين أن المواقف الحقيقية للجزائر ظهرت في أكثر من مناسبة.

وأثارت التصريحات الجزائرية ردود فعل عديدة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية، حيث اعتبرت مجلة “أتالايار” الإسبانية أن التصريحات “لا تتجاوز حدود البروباغاندا وتصدير المسؤولية عن تفكك الاتحاد المغاربي”. بينما اعتبرتها الصحافة المغربية مجرد مناورة ودعاية وتضليل بالنظر الى انها تناقض الممارسات الجزائرية الرسمية.

وقال حمد نور الدين، متخصص في العلاقات المغربية الجزائرية، عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، إن “أحمد عطاف يمارس عبر هذه التصريحات التي ربطها بحلم الاتحاد المغاربي، التضليل والبروبغاندا”، مستحضراً وصف وزارة الخارجية الجزائرية، في أبريل/نيسان الماضي، هذا الاتحاد بأنه “أصبح كيانا ميتا وغير موجود”، وتأكيد الأمين العام للاتحاد المغاربي في بيان رسمي، أنّ “الجزائر توقفت عن دفع مستحقاتها لاتحاد المغرب العربي منذ 2016، وواصلت سحب ممثليها منه بشكل تدريجي إلى أن سحبت آخرهم في 2022”.

وعدّد نور الدين، في تصريح له، مجموعة مما وصفها بـ”الأدلة على كذب وزير الخارجية الجزائري بشأن بحث الجزائر عن حل مع المغرب وتحقيق حلم الاتحاد المغاربي”، أهمها “اعتبار الجزائر الوحيدة التي تنتهك ميثاق الاتحاد المغاربي الذي يُنصّص بشكل واضح في مادته 15 على امتناع كل دولة عن احتضان أي نشاط أو تنظيم يمَسّ أمنَ أو حرمةَ تراب دولة أخرى في الاتحاد أو نظامَها السيّاسي’، في وقت تمول وتحتضن بوليساريو، وتدربها في مدارسها العسكرية، وتزودها بالأسلحة، وتنطلق العمليات الإرهابية المسلحة من أراضيها ضد المغرب”.

والجزائر هي الدولة المغاربية الوحيدة التي عرقلت كل مبادرات عقد القمة المغاربية، وآخرها كان سنة 2012 بمبادرة من الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، بموازاة رفضها اليد الممدودة من المغرب، التي عبر عنها العاهل المغربي في أربعة خطابات رسمية منذ 2018.

ورفضت الجزائر كل المبادرات العربية والدولية للوساطة بين البلدين لحلّ الخلافات، ومنها الوساطة السعودية والإماراتية والكويتية والتركية والإسبانية والفرنسية وغيرها، كما استعملت الرياضة سلاحاً لزيادة منسوب الكراهية بين الشعبين، إذ منعت المنتخب الوطني المغربي للشبان من التوجه نحو الجزائر بخط مباشر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: