السلطة الجزائرية تدعو المعارضة للحوار: خطوة للتهدئة أم بحث عن تزكية

توحي الدعوات التي وصلت إلى عدد من القيادات الحزبية المعارضة للقاء الرئيس عبدالمجيد تبون بتغير في تعاطي السلطة الجزائرية مع المعارضة. لكنّ الكثيرين يتشككون في أن يكون التغيير مجرد خطوة تكتيكية الهدف منها استيعاب المعارضة قبل انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها العام المقبل.

وجهت رئاسة الجمهورية في الجزائر دعوات إلى المعارضة لإجراء لقاءات مع الرئيس عبدالمجيد تبون، وهي خطوة نادرة في مسار السنوات الأربع الأولى من عهدة الرئيس تبون، والتي تميزت بركود سياسي غير مسبوق.

ولا يستبعد متابعون أن تكون الدعوات الموجهة للمعارضة محاولة لتدارك الوضع، خاصة في ظل الانتقادات التي توجه للسلطة عن إقصاء القوى الحزبية، والحديث الدائر عن رغبتها في تمرير مرشحها في الانتخابات الرئاسية القادمة، بدعم سياسي وحزبي يضفي المزيد من الشرعية عليها.

وتلقت قيادات حزبية معارضة في الجزائر دعوات رسمية من رئاسة الجمهورية لحضور لقاءات مع الرئيس تبون، غير أن التكتم لا زال يطبع العملية السياسية، حيث لم يصدر أيّ تعليق أو تصريح لا من رئاسة الجمهورية ولا من الأحزاب المعنية بالدعوة، ولو أن بعضها برر ذلك بكون الرد لم يحسم بعد، وينتظر أن تجتمع الهيئات القيادية للنظر فيها، واتخاذ القرار المناسب بشأنها.

قيادات حزبية معارضة تلقت دعوات رسمية من رئاسة الجمهورية لحضور لقاءات مع الرئيس عبدالمجيد تبون

وتحدثت مصادر سياسية عن أن عدة أحزاب محسوبة على المعارضة تلقت الدعوات المذكورة، وأن بيانات رسمية ستصدر في غضون الأيام القليلة القادمة تكشف عن الموقف النهائي، فيما فتحت قنوات تشاور بين أحزاب معنية بالدعوة لبلورة موقف موحد، بعد معرفة الغرض الحقيقي منها، والتأكد من أنها خطوة في طريق التهدئة السياسية، أم إجراء شكلي يراد منه صناعة مشهد تظهر فيه القوى الحزبية في ثوب المزكي لأجندة السلطة، لاسيما الانتخابات الرئاسية المنتظر إجراؤها نهاية العام المقبل.

وأضافت المصادر بأن نقاشات داخلية بدأت بين الهيئات والمؤسسات القيادية لبحث المسألة، للفصل في القرار النهائي وتحليل أبعاد ودلالات الخطوة النادرة من طرف رئاسة الجمهورية، غير أنها رفضت الإفصاح عن هوية الأحزاب المعنية، وما إذا كانت الأحزاب غير المعتمدة أو المنحلة معنية بالقضية.

وكان الرئيس الجزائري قد عقد عدة لقاءات سياسية مع قادة حزبيين ومع كبار مسؤولي الدولة، على غرار حزب جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم، ويوسف أوشيش رئيس جبهة القوى الاشتراكية، وآخرها زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، المحسوبة على قطب المعارضة، كما تم استقبال رئيسي غرفتي البرلمان إبراهيم بوغالي رئيس المجلس الشعبي الوطني، وصالح قوجيل رئيس مجلس الأمة.

وباستثناء اللغط الذي خلفته تصريحات حنون، حول “العلاقات الدولية والوضع الاقليمي، ودور بعض العواصم العربية في استهداف دور الجزائر ومصالحها”، فإن باقي التصريحات جاءت محتشمة ولم تقدم أيّ أفق سياسي للبلاد، الأمر الذي أفقدها بريقها وجعلها مجرّد مواعيد شكلية.

اللقاءات المنتظرة بإمكانها أن تكون فرصة للتطبيع بين السلطة وبين الفواعل السياسية

ولم تشأ المصادر الكشف عن أجندة الدعوات رغم أنها ذكرت بأن الدعوات تضمنت جدولا محددا للقاءات المنتظرة، وهو ما يجعل الخطوة مشروطة مسبقا، وقد لا تلبيها بعض الأحزاب إذا لم تتضمن الاهتمامات والانشغالات التي تؤرق الطبقة السياسية المعارضة التي تجمع على أن مرحلة الرئيس الحالي تميزت بالمزيد من الانغلاق والتجاهل غير المسبوق.

ومع ذلك يرى متابعون للشأن الداخلي بأن اللقاءات المنتظرة بإمكانها أن تكون فرصة للتطبيع بين السلطة وبين الفواعل السياسية، وخطوة أولى على طريق التهدئة السياسية التي طالبت بها أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة في السنوات الأخيرة، ودعت إلى فتح المجال أمام الحريات السياسية والإعلامية، خاصة وأن السلطة باتت في عزلة داخلية ومحل انتقادات خارجية من طرف المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية.

ولا يستبعد هؤلاء أن تكون الخطوة رسالة من السلطة إلى تلك الهيئات، خاصة الهيئة الأممية لحقوق الانسان التي زارت مقررتها ماري لولر البلاد في الأسابيع الأخيرة، وانتقدت بشدة الأوضاع الداخلية، لكنها ثمنت ما وصفته تفاعل المؤسسات الرسمية مع مهمتها، وهي الرسالة التي سارعت بها وزارة الخارجية في أعقاب الزيارة المذكورة، لما أكدت أن “الجزائر ستتخذ كل الإجراءات والتدابير للتكيف مع المنظومة التشريعية العالمية”.

غير أن حالة الركود السياسي والانسداد الإعلامي في البلاد لا يزالان يثيران مخاوف الناشطين السياسيين والمعارضين للسلطة، ويثيران شكوكا في نوايا السلطة، بسبب تجاهلها لمطالب المجتمع طيلة السنوات الأربع الماضية، حيث أنها لم تبد نيتها في الانفتاح إلا لمّا بقي عام واحد على موعد الانتخابات الرئاسية التي ينوي الرئيس تبون دخولها والفوز بها بأريحية وشرعية سياسية وحزبية أكبر من التي سبقتها.

وكانت وزارة الداخلية قد طلبت من القضاء حل عدد من الأحزاب التي انخرطت شكلا ومضمونا في مطالب الحراك والتغيير الجذري لنظام الحكم، قبل أين يقرر القضاء (مجلس الدولة) تجميد نشاط وغلق مقرات كل من حزب العمال الاشتراكي، وحزب الحركة الديمقراطية والاجتماعية، وملاحقات قضائية عديدة لإطارات حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وسجن رموز أحزاب سياسية وقيادات عديدة، كما هو الشأن مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة.

كما تم حل عدد من المنظمات والجمعيات المستقلة المناهضة للسلطة، كالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وجمعية “راج”، ومغادرة جمعية “كريتاس” الجزائر مع رفض الكشف عن الأسباب، إضافة إلى فرض قيود جديدة على ممارسة الحق النقابي وأساسا حق الإضراب.

وقدم رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز، في تجمع لأنصاره ومناضلي حزبه في مدينة بجاية، تحليلا مثيرا للقلق حول وضع الحريات في البلاد.

وانتقد “تدهور حقوق الإنسان والاعتداءات المتكررة على الحريات، وعدم احترام الدستور والمواثيق الدولية، وإشاعة مناخ ضار يقوم على ترهيب المجتمع وتخويفه، وهي ظاهرة من شأنها أن تهدد اللحمة الوطنية نفسها، حيث يتحول مصير الجزائري إلى الصمت أو السجن أو المنفى”.

وأضاف “إننا نعيش النسخة الناعمة من العقد الأسود، رغم غياب الاغتيالات، حيث كان الموت آنذاك هو الرعب الشديد الذي يواجهه الديمقراطيون”.

ونوه بما أسماه بـ”افتقار الدبلوماسية الجزائرية إلى الفعالية، وانهيار القدرة الشرائية التي يقوضها التضخم السريع، وهو وضع يثير القلق في مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى الوضعين الدولي والإقليمي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: