“مركز مصالحة” مؤسسة لمحاصرة التطرف ومحاربة الإرهاب في المغرب

يتجه المغرب في إطار برنامج وطني كامل يجمع عددا من المؤسسات إلى تفعيل “مركز مصالحة” الذي يهدف إلى إعادة تأهيل المساجين المدانين في قضايا التطرف والإرهاب، في إطار إستراتيجيته الأشمل لمواجهة التشدد الفكري وتحصين المجتمع من الانحراف الفكري والسلوكي والوقوع في شباك الجماعات المتطرفة.

أعلن رئيس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج محمد صالح التامك الثلاثاء، أمام لجنة العدل بمجلس النواب، الإفراج عن 202 من السجناء، بينهم 150 سجينا أُفرج عنهم بموجب عفو ملكي، ضمن برنامج “مصالحة” المخصص لإعادة تأهيل مدانين في قضايا التطرف والإرهاب منذ إطلاقه في 2017.

وأشار التامك إلى أنه تم تخفيض العقوبة الخاصة بكل سجين، لافتا إلى أن “عدد جميع المستفيدين من البرنامج منذ إطلاقه في 2017 بلغ 279 سجينا، يمثلون مختلف التوجهات الفكرية المتطرفة، منهم 202 تم إطلاق سراحهم”.

ويستهدف برنامج المصالحة الذي تنظمه وتنفذه المندوبية العامة لإدارة السجون محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية والمواكبة النفسية، وتنظيم ورش عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتقديم تأطير سياسي اقتصادي، بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخبراء مختصين، للراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرف الديني.

ولأجل ترشيد التجارب والممارسات الفضلى المتحصّل عليها وقعت المؤسسات الثلاث الرسمية، إلى جانب مصلحة تابعة لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، على اتفاقية شراكة لإحداث “مركز مصالحة”، يهدف إلى إعادة تأهيل وإدماج السجناء المحكوم عليهم في قضايا التطرف والإرهاب، كما سيشرف المركز على البرنامج التأهيلي “مصالحة” في صيغته الحالية وضمان استمراريته ودعم ومواكبة المستفيدين منه بعد الإفراج عنهم.

 

أحمد عبادي: المركز يضطلع بمهام للوقاية من مخاطر السقوط في دوامة التطرف
أحمد عبادي: المركز يضطلع بمهام للوقاية من مخاطر السقوط في دوامة التطرف

 

وستوكل للمركز، بموجب الاتفاقية، مهام مكافحة التطرف العنيف وإعادة تأهيل وإدماج المحكوم عليهم في قضايا الإرهاب والتطرف وفقا للشروط المحددة في الاتفاقية.

وإلى جانب المقاربة الأمنية الاستباقية التي انتهجها المغرب لإسقاط الشبكات الإرهابية هناك معركة فكرية ومؤسساتية تباشرها الدولة لمحاصرة الفكر المتطرف. ويأتي إحداث المركز حسب أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، تنفيذا للتعليمات السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، بهدف تقييم التجارب والممارسات الفضلى المتحصل عليها ضمن برنامج مصالحة لإعادة تأهيل وإدماج السجناء المحكوم عليهم في قضايا التطرف والإرهاب، والذي أبان عن دور كبير وفعال في مكافحة التطرف في صفوف نزلاء المؤسسات السجنية.

وأبرز المسؤول الديني أن المركز يضطلع بمهام جديدة بصياغة برامج للوقاية من مخاطر السقوط في دوامة التطرف، وإحداث نظام يقظة، واتخاذ التدابير الممكنة لحماية المحيط الأسري المباشر للمستفيدين من برنامج مصالحة من خطر تبني الأفكار المتطرفة، والقيام بالدراسات والأبحاث واللقاءات والمؤتمرات والدورات التكوينية ذات الصلة.

ويندرج البرنامج ضمن مساعي المندوبية لتوفير الشروط المناسبة لإعادة إدماج فئة المعتقلين المدانين في قضايا التطرف والإرهاب بالمؤسسات السجنية، من خلال تبني مقاربة علمية تتكامل مع الجهود متعددة الأبعاد والمبذولة على المستوى الوطني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف في إطار العمليات الاستباقية الأمنية والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة.

وأعلن محمد صالح التامك أن الاستفادة من البرنامج “تقتضي من السجناء المعنيين تصحيح مفاهيمهم وأفكارهم بشأن خطاب التطرّف ونظرتهم إلى الذات والمجتمع والآخر، في إجماليّ حوارات تستغرق 180 ساعة”.

 

منتصر حمادة: اليقظة الأمنية تتكامل مع المشروع الفكري والحقوقي “مصالحة”
منتصر حمادة: اليقظة الأمنية تتكامل مع المشروع الفكري والحقوقي “مصالحة”

 

وأكد منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني والجماعات الإسلامية بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أن الاتفاقية تندرج في سياق تزكية مشروع المصالحة الذي أطلقته الدولة المغربية عبر انخراط عدة مؤسسات في تفعيله، منها المؤسسة السجنية والمؤسسة الحقوقية والمؤسسة الدينية، وغيرها، والذي يتعلق بتعاطي الدولة المغربية مع موضوع شائك، وهو أداء يحظى بتنويه إقليمي ودولي بخصوص التصدي لظاهرة التطرف العنيف من جهة، وتدبير ملف المعتقلين من جهة ثانية.

وعند التوقيع على الاتفاقية أكد عبدالواحد جمال الإدريسي، رئيس غرفة بمحكمة النقض، المنسق العام لمصالح مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء أن توقيع اتفاقية الشراكة لإحداث مركز للمصالحة “جاء ليتمم تجربة برنامج مصالحة، وأن من شأن هذا البرنامج، الذي يستهدف فئة المدانين بموجب قوانين قضايا الإرهاب الراغبين في مراجعة أفكارهم، المساهمة في تحقيق نقلة نوعية على مستوى فكر هذه الشريحة من السجناء”.

وجاء إحداث هذا المركز تتويجا للبرنامج التأهيلي “مصالحة” بعد إشعاعه الدولي الكبير والذي تأسس انطلاقا من الوعي بأهمية تأمين شروط إعادة إدماج المعتقلين بموجب قانون مكافحة الإرهاب بالمؤسسات السجنية، وذلك بمقاربة مندمجة تسعى لتأهيل هذه الفئة من أجل المصالحة مع النظم والمعايير المنظمة للمجتمع في علاقته بالفرد وبالمؤسسات الشرعية الضامنة لتدبير الحياة العامة.

وإلى جانب المجهود الفكري والمؤسساتي لإدماج المحكومين في قضايا الإرهاب تقوم المؤسسات الأمنية بمجهود في مكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال عمليات استباقية ويقظة مستمرة معززة بحوكمة أمنية لأجل تجفيف بؤر التطرف، بالإضافة إلى مساهمة خدمات الأمن المغربية في إحباط خطط إرهابية متعددة تستهدف دولًا أجنبية، وفقًا للتوجيهات الملكية.

وفي هذا الصدد أحبطت المصالح الأمنية المغربية منذ عام 2002، 500 مشروع إرهابي كان يستهدف المملكة، وفككت 215 خلية إرهابية، وفقًا لتقرير حديث صادر عن وزارة الداخلية، وأوضحت أيضا أنه خلال عام 2023 تم تفكيك 6 خلايا إرهابية واعتقال 25 شخصًا.

وأبرز منتصر حمادة في تصريح له أن “اليقظة الأمنية والاستباقية لمحاصرة الإرهاب تتكامل مع المشروع الفكري والحقوقي الذي تحمله “مصالحة”، في إطار تدبير الدولة المغربية لهذا الملف المركب والشائك، لأنه لا يرتبط بأوضاع مغربية وحسب، بل له تعقيدات في الخارج، بسبب تأثير المنظومة السلفية الجهادية على نسبة من مراهقي وشباب المنطقة، وبالتالي جرى تأثير للخطاب نفسه على نسبة من المراهقين والشباب في المغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: