عزالعرب العلوي: توثيق معاناة المغاربة يساعد في تحسين ظروفهم المعيشية

يصور المخرج المغربي عزالعرب العلوي في أحدث أفلامه الوثائقية معاناة المعلمات اللواتي يشتغلن في المناطق النائية، مسلطا الضوء على صعوبة العيش مع الافتقار إلى المرافق الحياتية الأساسية، وهو مقتنع بأن السينما بإمكانها الدفع نحو تحسين الأوضاع.

بدأ المخرج المغربي عزالعرب العلوي مسيرته السينمائية من خلال النوادي السينمائية وعمل في بلاتوهات أفلام متعددة اعتبارًا من عام 1988. قام بالتعاون في عدة أفلام، منها فيلم “البحث عن زوج امرأتي” للمخرج محمد عبدالرحمن التازي، وكذلك عمل كمتدرب في الإخراج في فيلم “خيول الحظ” للمخرج الجيلالي فرحاتي، بالإضافة إلى مشاركته في تدريبات تنظمها جمعية الفيلم المتوسطي بفاس.

أخرج وكتب أفلامًا مثل “من دم وفحم” و”بيت من زجاج” و”مسحوق الشيطان”. وهذا العام، يشارك بفيلمه الوثائقي “نساء في مهب الريح” ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الثالثة والعشرين.

الفيلم يوثق معاناة معلمات يعملن في المناطق النائية، يتعرضن لمواجهة ظروف قاسية طبيعية وإنسانية، فمنهن من فارقت الحياة بهجوم من الكلاب والحيوانات المفترسة أو موتا في الصحراء متنقلات صحبة قبائل الرحل أو نتيجة برد لا يحتمل في أعالي الجبال. وبعضهن تعرضن للتحرش الجنسي.

عن الدوافع وراء اختياره موضوع فيلمه، ورؤيته التي أراد إيصالها من هذا العمل يقول العلوي في حوار له ، “صادفت حكايا كثيرة مشابهة لشابات في الأسرة القريبة والبعيدة ممن اخترن مهنة التدريس، وعند زيارتي إلى الجبال ومناطق المغرب العميق أثناء تصوير بعض أعمالي أصادفهن، وكذلك عبر وسائل الإعلام من خلال ريبورتاجات عند وقوع جريمة مثل التحرش أو اغتصاب معلمة ما أو مقتلها في إحدى القرى المعزولة، وكذلك ما تلاقينه هن وزملاؤهن وتلاميذهن بسبب فيضان نهر من الأنهار أثناء الذهاب إلى المدرسة التي تبعد عن منازلهن كيلومترات، كان يؤثر في كثيرا رؤية فتيات في بداية العشرين وقد تم تعيينهن في أقصى المناطق، بعيدا عن أسرهن، وعن الحياة التي اعتدنها ليجدن أنفسهن مرغمات على التأقلم مع ظروف قاسية قد توصل بعضهن إلى الاكتئاب أو حد الجنون إن لم يحاولن تجاوزها وتحديها”.

 

◙ الهدف من العمل هو جعل المشاهدين في مناطق بعيدة يساعدون المعلمات عبر جعلهن يندمجن معهم

ويواصل “لذلك حاولت نقل هذه المعاناة بصريا وتسليط الضوء على هذه الفئة داخل المجتمع المغربي، وتقريب الجمهور العريض في الوطن العربي، والمغربي خاصة، مما تعانيه الفتيات الثلاث، مثلهن الآلاف من المعلمات اللواتي يعشن ظروفا مشابهة أو أقسى منها، ويتحدين الطبيعة واختلاف التقاليد والأعراف، لتبليغ رسالة نبيلة”.

ويقول عن تحقيق التوازن بين توثيق حياة هؤلاء الفتيات واحترام خصوصيتهن وبين الأمور التي أثرت فيه شخصيا أثناء تصوير هذا الفيلم الوثائقي “كانت هناك خطوط لم ينبغ تجاوزها، ولكن ما أثر في بشكل كبير، هو قدرتهن على تحدي الواقع، واجتيازه، فبمجرد دخول الأساتذة الثلاث مريم وسلمى وبشرى إلى قاعة الدرس، يتركن في باب القسم معاناة كبيرة وحياة قاسية، ويخلعن لباس اليأس، ويرتدين الوزرة البيضاء ويؤدين رسالتهن بكل صدق وبكل حب ويتفاعلن مع تلاميذهن، ويحاولن تطبيق بيداغوجيات تعليمية حديثة ولو بالنزر القليل من الإمكانيات المتوفرة لديهن، لتكوين جيل من التلاميذ يعيشون في قرى نائية، فيكون مجرد التعلم عبر لوحة إلكترونية ترفا”. ويضيف “كما أثر فيّ إصرارهن وتحديهن للزمن البطيء ولليل الموحش وأصواته عبر خلق مواهب وإبداعات في انتظار فجر وصباح تملأه ضحكات التلاميذ”.

وشاركنا العلوي تعامله مع الظروف التي صاحبت تصوير أحداث واقعية في مناطق نائية بقوله “أولا كان علينا العمل في ظروف في بداية جائحة كورونا التي اجتاحت العالم منذ ثلاث سنوات، التي انضافت إلى التصوير في مناطق بعيدة، مناطق يعيش فيها سكان محافظون، فكنا نتعامل مع الطبيعة القاسية شيئا ما، وكذلك مع تقاليد المنطقة التي قلما تعرف زيارة غرباء لها. وهذا نوع من التحديات التي يفرضها العمل الوثائقي”.

وفي حديثه عن المعلومات والتفاصيل في تجربة هؤلاء الفتيات التي قد تفاجئ المشاهدين أو تؤثر فيهم بشكل خاص يقول المخرج المغربي “إحدى شخصيات العمل كانت تعيش هي وطفلاها بعيدا عن زوجها، ولا يلتقون إلا في العطل، كما أنها تحتاج إلى جلب الماء غير الصالح للشرب، وتضطر لوضع ملعقة كلور كي تسقي عطش طفليها (…) هذه النقطة أثرت في المشاهدين حسب ما وصلني. وكذلك عندما تتحول مجرد الرغبة لقضاء الحاجة في مكان خاص، مشكلة في حد ذاتها لوجود حمام مشترك”.

ويستطرد “هناك أيضا تفاصيل قد تكاد تكون مشتركة لدى الفتيات الثلاث، ولدى جميع المعلمات خاصة في المناطق النائية، هي التعرض للتحرش وخطر الطريق خاصة تعرضهن لخطر بعض السائقين غير المرخص لهم (…) فبدل التركيز على رسالتهن النبيلة تصبح حياتهن وأمنهن في مهب الريح”.

◙ الفيلم يوثق معاناة معلمات يعملن في المناطق النائية يتعرضن لمواجهة ظروف قاسية طبيعية وإنسانية وبعضهن تعرضن للتحرش الجنسي

ويضيف عن كواليس تصوير فيلمه “كما أن البدء في تصوير عمل وثائقي يسبقه التحضير الذي قد يصل إلى شهر وسنة وربما أكثر، ومن أهم خطوات صناعة الفيلم الوثائقي، معايشة شخصيات العمل بشكل يومي وملاقاتهن والاستماع إليهن، لذلك تعين علينا بداية زيارتهن في منازل أسرهن، والحديث إليهن ولعائلاتهن، والإنصات لمشاكلهن، ومرافقتهن خلال رحلة الذهاب إلى العمل، والمرور من نفس الطريق التي يسلكنها، وهكذا وقت التصوير كانت عدة حواجز قد سقطت، فسهل سبر أغوارهن وجعلهن يخاطبن الكاميرا ومن خلالها الجمهور العريض”.

ويواصل “كما أن هناك مشاهد مؤثرة كمشهد وصول الليل في مناطق معزولة، والإحساس بما تشعر به مريم ليلا من انقطاع عن العالم ونباح الكلاب الضالة الذي يملأ المكان، وتذكرها لقدر مشابه لقدر 7 أساتذة لقين حتفهن بسبب الكلاب الضالة في الفجر عند مجيئهن إلى المدرسة، لولا وجود سور محيط بالمدرسة، وأثر في بشكل كبير وجود طفلين رفقة والدتهما الأستاذة في غرفة من طين تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم. وفتاة في مقتبل العمر تقضي أجمل سنين حياتها في منطقة تضطر فيها لسقي الماء كي تروي ظمأها”.

وأجاب المخرج عن السؤال كيف يمكن للمشاهدين الاستفادة من تجارب هؤلاء النساء في مجال التعليم في المناطق النائية بقوله “لكل من يرغب في تعليم أطفال مغرب الغد ممن يقطنون بالمناطق النائية في الجبال والقرى والدواوير البعيدة عن أبسط مقومات الحياة العادية، فتجربة الفتيات الثلاث تعطي للمشاهدين فكرة عما هو عليه الواقع بعيدا عن الأحلام التي يرسمونها وهم في مرحلة الدراسة والجامعة، فمن يريد امتهان هذه المهنة فعليه أن يضع نصب عينيه الواقع، ويعتبرها رسالة نبيلة أكثر من مجرد وظيفة تقيه شر البطالة”.

وينوه العلوي إلى أن رسالة الفيلم هي توعية الجمهور بمعاناة المعلمات في المناطق النائية، وجعله يعيش ولو لدقائق نفس الحياة كي يعرف ما تعانيه فئة من المجتمع لتؤدي دورها كما ينبغي.

ويقول إن “الهدف من العمل هو جعل المشاهدين، خاصة ممن يعيشون في مناطق بعيدة، يساعدون المعلمات عبر جعلهن يندمجن معهم في مجتمعهم، وألا يعتبرنهن غريبات على المنطقة، ويسهلن عليهن مهمة التعليم. كما يمكن للبعض المساعدة على توفير سكن لائق قريب من المنازل، والمساعدة في تهيئته إن أمكن عبر صباغته وتنظيفه بالإمكانيات المتوفرة لديهم. والتطوع بين الفينة والأخرى لتوصيل الماء لهن، وملء البراميل في حالة عدم توفر قنوات الماء الصالح للشرب”.

ويشدد على أن “أمورا كثيرة يجب أن تتغير مثل موضوع التحرش الذي تتعرض له المعلمات في طريقهن إلى المدرسة، كما أتمنى من أهل المناطق النائية أن ينظروا للمعلمات كما لو كن بناتهن، ويساعدوهن ويسهلوا لهن مهمتهن، ولا يقسون عليهن. فهن هناك لأجل أبنائهم ولأجل نشر الوعي والنور بينهم”.

أما عن الخطوات القادمة التي يخطط لاتخاذها بناءً على تجربة إنتاج هذا النوع من الأفلام، فيشدد على أنه مهتم بنقل معاناة الإنسان المغربي، وخاصة في المناطق النائية والمهمشة والمعزولة عن المركز هي الثيمة التي يفضل أن يشتغل عليها، سواء في الوثائقي أو في التخييلي، مؤكدا أن هناك أفكارا ينتظر نضجها كي يبدأ في تنفيذها.

تجدر الإشارة إلى أن عزالعرب العلوي هو مخرج وسيناريست ومنتج سينمائي مغربي حاز على درجة الدكتوراه في مجال السينما ويعمل أستاذا للإخراج السينمائي في عدة جامعات. ويشغل أيضًا منصب رئيس مركز الدراسات والأبحاث السينمائية في المغرب.

وإلى جانب عمله في الإخراج السينمائي، كتب العلوي العديد من المقالات في النقد السينمائي، وأصدر كتابًا بعنوان “المقاربة النقدية للخطاب البصري بالمغرب” في عام 2007، والذي يشكل إطارًا لورش العمل المهنية حول الإخراج وصناعة الفيلم الوثائقي في المغرب وخارجه. كما قام بإنتاج عدة أفلام للسينما المغربية، من بينها أفلام مشهورة مثل “أندرومان” و”كيليكيس دوار البوم”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: