تضخيم محير للبيانات في الجزائر: تضليل لرأس الدولة أم نهج سياسي

تحير أرقام البيانات المبالغ فيها المتابعين للشأن العام في الجزائر، وفي حين يربطها البعض بمحاولات داخلية لتضليل رأس الدولة، يرى آخرون أن الأمر يندرج في سياق نهج سياسي لخدمة أجندات النظام.

وأعلن  وزير الزراعة الجزائري عبدالحفيظ هني عن تحقيق  بلاده ما يعادل 35 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو رقم فلكي مثير للجدل، ينضاف إلى أرقام أخرى باتت تثير شكوك المختصين، على غرار إعلان الرئيس عبدالمجيد تبون مؤخرا عن تحلية 1.3 مليار متر مكعب من مياه البحر يوميا، وقبله الحديث عن رفع الناتج المحلي الخام إلى 233 مليار دولار، والعثور على ما يعادل 35 مليار دولار مخبأة لدى إحدى العائلات المقربة من نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وكشف هني الأحد أن قطاعه حقق إنتاجا قدر بنحو 35 مليار دولار، وهو ما يفوق سبعة في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال العام الماضي، وأنه يستقطب نحو ثلاثة ملايين من اليد العاملة الناشطة في البلاد.

ووفق هذه المعطيات يكون القطاع قد حقق قفزة نوعية مقارنة بتلك التي أعلن عنها تبون في وقت سابق، لمّا كشف عن إنتاج يقدر بـ25 مليار دولار، غير أن البيانات المذكورة لم تقدم تفاصيل أخرى لتتسنى مقاربتها مع هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية الحاجات الأساسية للمستهلك الجزائري.

وجاء تصريح وزير الزراعة ليثير لغطا جديدا حول بيانات الاقتصاد الجزائري، خاصة وأن تضاربا ظهر بين رقمي المداخيل المحققة ونسبة المساهمة في الناتج الداخلي الخام، الأمر الذي يعكس أزمة بيانات داخل التقارير الرسمية، باتت مصدر قلق حقيقي للمختصين المحايدين في الشأن الاقتصادي.

ولا تعكس البيانات المعلن عنها من طرف وزارة الزراعة مفعولها الميداني، في ظل النقص المسجل دوريا لبعض المواد الزراعية وارتفاع أسعارها في الأسواق مما استدعى تدخل الحكومة لضبطها باستيراد كميات إضافية أو تسقيف أسعارها، كما حدث خلال الأسابيع الأخيرة مع بعض المواد كالحمص والعدس والفاصولياء.

وما زالت الجزائر التي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة -نسبة هامة منهم من المهاجرين- تعتبر من أكبر الدول المستوردة للقمح والطحين والبقول الجافة والحليب، وفتحت مؤخرا المجال أمام المستوردين لجلب كميات من اللحوم الحمراء والبيضاء بهدف سد النقص المسجل ومواجهة الأسعار المرتفعة، الأمر الذي لا يستقيم مع الأرقام المعلن عنها من طرف وزير الزراعة.

البيانات المعلن عنها من طرف وزارة الزراعة لا تعكس مفعولها الميداني، في ظل النقص المسجل دوريا لبعض المواد الزراعية وارتفاع أسعارها في الأسواق

وباتت أرقام الاقتصاد الكلي الجزائري المعلن عنها من طرف الحكومة أقرب إلى زلات اللسان منها إلى الحقائق العملية، خاصة في ظل الإصرار على تداولها في الخطابات السياسية، مما يرجح فرضية بنائها لخدمة أجندات معينة والترويج لصالح إنجازات حققتها السلطة القائمة.

وطرحت مسألة البيانات الاقتصادية المعلن عنها في الجزائر من حين إلى آخر قضية الأداء الحكومي ومدى تحكم المؤسسات الرسمية في سلسلة النشاط الاقتصادي، خاصة في ظل التضارب الواضح بينها وبين الحقائق الميدانية، مما رجح فرضية تعمّد تضخيمها من أجل كسب رهانات سياسية والتسويق للسلطة لدى الرأي العام الداخلي والخارجي.

ورغم المفعول العكسي لما بات يوصف بـ”زلات اللسان المتكررة”، من طرف الشارع الجزائري، تواصل السلطة الكشف عن أرقام فلكية في بعض الأحيان، مما كرس أزمة بيانات حقيقية، وتراوحت الفرضيات بين دوائر مغرضة تعمل على تغليط واجهة السلطة وعلى رأسها الرئيس تبون، وبين نهج سياسي تعتمده السلطة لتسويق نفسها على حساب الحقائق الاقتصادية.

وكان الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري قد علق على حديث الرئيس تبون عن تحقيق ناتج داخلي خام قدر بنحو 220 مليار دولار، في آخر تصريح أدلى به لوسائل إعلام بلاده، بالقول “أين هم المستشارون والمحيطون بالرئيس لإطلاعه على الأرقام الحقيقية؟ لأن هذا السقف من الناتج الداخلي الخام يضفي (يشير) إلى أن البلاد حققت نسبة نمو تقدر بـ15 في المئة، وهي معجزة لم تحدث في العالم إلى حد الآن”.

ومنذ أيام قليلة أعلن رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن أن بلاده “حققت ناتجا داخليا خاما قدر بنحو 233 مليار دولار خلال العام المنقضي، وأن الدخل الفردي فاق سقف الـ5100 دولار”، وهو ما يفوق الرقم الذي قدمه صندوق النقد الدولي وهو 187 مليار دولار، و4100 دولار للفرد الواحد، الأمر الذي قدم مشهدا مرتبكا لحقيقة الاقتصاد المحلي، وعزز حالة الشك في صدقية البيانات الرسمية.

ويبدو أن الحكومة لبت رغبة رئيس الدولة لما قال “حققنا ناتجا داخليا خاما بأكثر من 220 مليار دولار، ويمكن أن يصل إلى أكثر من 230 مليار دولار”، وبررت رقمها الجديد باعتماد سيولة السوق الموازية التي تتضارب المعطيات بشأنها بين قائل بأنها تستقطب 90 مليار دولار، وبين من قدرها بنحو 50 مليار دولار، لكن الحكومات المتعاقبة عجزت عن تأطيرها رغم المحفزات التي وضعتها لذلك، على غرار الصيرفة الإسلامية وتبسيط الإجراءات المصرفية.

وكان تبون قد أعلن عن رقم فلكي بشأن كمية المياه المحلاة من البحر، في الخطاب الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك، لما كشف أن بلاده “ستتوصل مع نهاية العام القادم إلى تحلية مليار و300 مليون متر مكعب من مياه البحر يوميا”، الأمر الذي أثار موجة تهكم واستغراب في شبكات التواصل الاجتماعي، لكن الجهات المختصة لم توضح أو تصوب الأمر إلى حد الآن.

وسبق لتبون أن أعلن عن ضبط المصالح المختصة ما يعادل 35 مليار دولار مخبأة لدى إحدى العائلات المحسوبة على نظام بوتفليقة، وهو ما أثار آنذاك ضجة لدى الشارع الجزائري ورواد شبكات التواصل الاجتماعي حول صدقية الرقم ودور محيط الرئيس في تزويده بالمعلومات الصحيحة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: