تبون في نيويورك لاستمالة امريكا و لرأب صدوع تصريحات روسيا

يستعدّ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال زيارته إلى مدينة نيويورك الأميركية للمشاركة الأولى له في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وينتظر أن يلتقي عددا من زعماء العالم، على غرار الرئيس الأميركي جو بايدن والتركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في خطوة لرأب الصدوع التي خلفتها خيبة الانضمام إلى بريكس، التي راهن عليها لتحقيق مكسب يسوقه للرأي العام الداخلي لدخول مريح لولاية رئاسية ثانية.

ويلقي الرئيس عبدالمجيد تبون، غدا الثلاثاء، بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، خطابا هو الأول من نوعه منذ اعتلائه كرسي قصر المرادية نهاية العام 2019، في إطار مشاركة نادرة له في أشغال الجمعية العامة الأممية، ينتظر أن يستغلها في تبليغ المجموعة الدولية تصورات بلاده تجاه العديد من الملفات والقضايا المطروحة إقليميا ودوليا.

وتحدثت مصادر جزائرية عن أن أجندة الرئيس تبّون تتضمن لقاءات مع عدد من زعماء العالم، على غرار جو بايدن، ورجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والإيطالي سيرجيو ماتاريلا، يراهن عليها لأن تكون بديلا دبلوماسيا لخيبة بريكس، التي تم الرهان عليها من أجل الانضمام إلى منتدى الدول الناشئة.

◙ عدم قبول طلب الجزائر الانضمام لمجموعة بريكس في قمة جوهنسبرغ شكل خيبة أمل للقيادة السياسية الجزائرية

وينتظر أن تكون مسائل العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، والوضع في الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء، والنزاع الصحراوي، حاضرة بقوة في كلمة الرئيس الجزائري، لكن الرهان يكون على سلسلة اللقاءات التي يجريها الرجل في نيويورك طيلة الخمسة أيام التي يقضيها هناك.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أبدت نيتها في ملء الفراغ الذي خلفته خيبة بريكس، فبعد الاتصال الذي جرى بين مدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز مع رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة، استقبلت السفيرة الأميركية إليزابيت مور أوبين، في قصر المرادية من طرف الرئيس تبون.

وسارعت السفيرة إلى الكشف عن زيارة تبون إلى نيويورك، بالقول “تمنياتنا  للرئيس تبون بإجراء رحلة مثمرة ومريحة إلى نيويورك في إطار مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة”. وعبرت المتحدثة عن “ثنائها للدور الجزائري مع دول الجوار”، في إشارة إلى دعم واشنطن للمقاربة الجزائرية في حلحلة أزمة النيجر، بعد إطلاق مبادرة سياسية ترسي الحل السياسي السلمي وترفض التدخل العسكري الخارجي في البلاد، فضلا عن الوضع القائم في ليبيا ومالي.

وإذ باتت العلاقات الجزائرية مع تركيا وقطر تدرج في خانة التحالف غير المعلن في المنطقة، والعلاقات بين الجزائر وروما حلفا في مجال الطاقة، فإن اللقاء المنتظر مع الرئيس الأميركي جو بايدن سيكون منعطفا في مسار ومواقف الجزائر، خاصة بعد ما وصف بـ”الخذلان الروسي – الصيني للرغبة الجزائرية في الانضمام إلى مجموعة بريكس”.

وشكل عدم قبول طلب الجزائر من طرف الأعضاء المؤسسين للمجموعة في قمة جوهنسبرغ، خيبة أمل للقيادة السياسية الجزائرية، لاسيما بعد ظهور محدودية دور موسكو وبكين في صناعة القرار داخل المجموعة، وهما اللتان كانت تراهن عليهما لقبول طلبها، خاصة بعد التطمينات التي أبلغتاها للرئيس تبون خلال زيارتيه إليهما.

◙ أزمة النيجر ساهمت في تقريب موقفي الجزائر وواشنطن الرافض للتدخل الخارجي والباحث عن حل سياسي سلمي

وأوحى المناخ الذي جرت فيه زيارة الرئيس تبون إلى روسيا والصين بأن البلد الشمال أفريقي، قد حسم خياراته السياسية والإستراتجية بالانحياز الكلي لصالح المعسكر الشرقي، رغم الامتعاض وحتى الضغوط الغربية، خاصة وأن الزيارتين توجتا بتوقيع اتفاقيات شراكة كبرى.

غير أن الرد المفاجئ على زيادته في حدة انتقاد الشارع الجزائري للسلطة وفي تعميق الفجوة القائمة بين الطرفين، يكون قد دفع القيادة الجزائرية إلى إعادة ترتيب أوراقها خاصة مع الغرب، حيث يلاحظ اندفاع إلى التقارب مع واشنطن، ولذلك شدّ الرئيس تبون الرحال إلى نيويورك لأول مرة منذ انتخابه نهاية العام 2019، من أجل ترميم الصدوع التي خلفتها خيبة بريكس، بفتح اتصالات ومشاورات متنوعة خاصة في أميركا وأوروبا والشرق الأوسط.

وساهمت أزمة النيجر في تقريب موقفي الجزائر وواشنطن الرافض للتدخل الخارجي والباحث عن حل سياسي سلمي يشمل جميع الأطراف بمن فيهم قادة الانقلاب، لكن الوضع يختلف بالنسبة للعلاقات مع أوروبا، فقد اعترف وزير الخارجية أحمد عطاف، خلال زيارته للمجر، بفتور العلاقات الجزائرية – الأوروبية.

وفي ظل غموض مستقبل العلاقات الجزائرية مع إسبانيا وفرنسا، مقابل التعاون المفتوح مع إيطاليا والبرتغال، لا تزال الرؤية الجزائرية مجهولة إلى حد الآن، رغم القناعة التي تكون قد تكرست لدى القيادة الجزائرية بعدم جدوى الرهان على قطبي المعسكر الشرقي، لذلك يجري التركيز على وجهة واشنطن كمفتاح أسياسي لباقي الوجهات الأخرى.

ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية ركزت الولايات المتحدة وأوروبا جهودها بشكل لافت، من أجل فك ارتباطها مع روسيا والحد من حجم التعاون العسكري بين البلدين، ومن أجل تأمين حاجيات دول الاتحاد من الغاز، وهو ما وظفته الجزائر كورقة للمناورة، حيث زادت من تقاربها مع موسكو، وضخ المزيد من كميات الغاز للأوروبيين، غير أن صدمة بريكس خلفت لها صدوعا تسعى إلى ترميمها.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: