أرباب العمل يدقون أجراس الإنذار حول الوضع الاقتصادي في الجزائر

حذر التنظيم المهني لرجال الأعمال في الجزائر من جمود الحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، في ظل ضعف مناخ الأعمال الذي يعاني من انعدام الثقة وسط ارتفاع شامل لأسعار مختلف المواد واستمرار التعقيدات البيروقراطية، في خطوة يرى مراقبون أنها تميط اللثام عن الخطاب المزعوم للسلطة وفشل خياراتها في إدارة الأوضاع.

رفعت رئيسة الكونفيدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة خطابا شديد اللهجة للرئيس عبدالمجيد تبون ضمنته تحذيرات من التعامل الحكومي مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، والذي أفضى إلى معالجة إدارية وبيروقراطية للشأن الاقتصادي، أثرت بشكل سلبي على التحكم في الأسواق، وفي خلق ديناميكية اقتصادية تساهم في خلق الثروة وتوفير فرص الشغل.

ودعت نغزة الرئيس تبون إلى تنظيم قمة ثلاثية تجمع الحكومة وأرباب العمل والشركاء الاجتماعيين، من أجل التشاور وبحث الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، في ظل تدهور الأوضاع بشكل لافت وهيمنة الإدارة على تسيير الشأن الاقتصادي والاجتماعي.

وحملت رسالة التنظيم المهني لأرباب العمل صورة قاتمة عن الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية، حيث استعرضت النمط البيروقراطي وحتى الأمني في إدارة دفة الاقتصاد، مما أفضى إلى مناخ لا يسمح بالمبادرة من طرف رجال المال والأعمال، ولا بضمان استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة السياسات الحكومية التي أدت إلى ندرة وغلاء غير مسبوقين في الأسواق المحلية.

وتكمن أهمية الخطاب الموجه للرجل الأول في الدولة كونه صادرا عن تنظيم مهني معروف بولائه للسلطة منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، غير أنه استشعر بوادر الخطر جراء احتكار النشاط الاقتصادي والاجتماعي من طرف تنظيم منافس المعروف بمجلس التجديد الاقتصادي، الوريث الشرعي لما كان يعرف بـ”منتدى رؤساء المؤسسات”.

 

سعيدة نغزة: الحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد تتسم بالجمود
سعيدة نغزة: الحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد تتسم بالجمود

 

كما يشكل اعترافا من محيط السلطة التي تروج لـ”جزائر جديدة” منذ قدوم الرئيس تبون إلى قصر المرادية نهاية العام 2019، بفشل المقاربة الاقتصادية المعتمدة من طرف حكوماته، خاصة فيما يتعلق باحتكار التجارة الخارجية وحظر الاستيراد والتسيير الإداري للأسواق الاستهلاكية، وبروز معالم قطب موال يستحوذ على المقدرات المحلية، ويقصي المنافسين من الآلية الاقتصادية والتجارية، رغم خطر ذلك على الوضع الاجتماعي في البلاد.

وذكر الخطاب المرفوع للرئيس تبون بأن “الحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد تتسم بجمود اقتصادي وبمناخ أعمال يعاني من انعدام الثقة والارتفاع الشامل لأسعار مختلف المواد.. أتلقى التماسات متكررة من رجال أعمال يشتكون من الاضطهاد والضغوط المختلفة من شتى ممثلي مؤسسات الدولة، بينما يشتكي آخرون من غرامات تفرضها لجنة مكونة من خمسة وزراء دون إعطائهم الحق في الاطلاع على ملفاتهم، وهي غرامات تتجاوز بالنسبة إلى البعض حجم أصول شركاتهم ولن يتمكنوا من دفعها أصلا”.

وفي رأي رئيسة الكونفيدرالية كان من الأفضل “دراسة كل ملف على حدة، وإذا اقتضى الأمر، تأخذ العدالة مجراها”، متسائلة عن عرض رجال الأعمال أمام لجنة يتحدث عنها الجميع في أوساط الأعمال بالجزائر.

وقالت “عندما يتم استدعاء رجل أعمال أمام لجنة يكون وزير العدل عضوا فيها، يجد رجل الأعمال نفسه دون أيّ حماية، أو جهة يمكن الاستغاثة بها”. وذلك في إشارة إلى اللجنة المكونة من مصالح العدل والجمارك والضرائب والداخلية والمراقبة، التي أوكلت لها مهمة البحث في ملفات رجال الأعمال، والذين تفرض عليهم غرامات تتراوح بين 10 و20 في المئة من مجموع رقم الأعمال المسجل في العشر سنوات الأخيرة من نشاطهم.

ولمعالجة هذا الوضع، اقترح الخطاب المرفوع للرئيس تبون التعامل مع ملف أرباب العمل بطريقة عقلانية، مع الالتزام بإطلاق مشاريع استثمارية منتجة كل في مجال نشاطه، بدل اللجوء إلى فرض غرامات تؤدي إلى إفلاس بعضهم وتدفعهم إلى تسريح اليد العاملة التي كانوا يشغلونها.

وشكوك إدارة الشأن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، لدى امرأة المال المذكورة، ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى سنوات قليلة ماضية لما توجهت للرئيس تبون بتسجيل صوتي اشتكت فيه من التمييز والانتقائية الممارستين من طرف الحكومة تجاه الفاعلين الاقتصاديين بالبلاد.

وكشفت نغزة النقاب عن قضية رجال الأعمال الجزائريين الذين قاموا بعمليات اقتناء عقارات بالخارج، وأوضحت بأنه “يجب أن نأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البلد، بما في ذلك مشكلة عدم قابلية تحويل الدينار ومشكلة السكوار (السوق السوداء للعملات)..  أيّ رجل أعمال حقق أرباحا يطمح إلى امتلاك عقارات في الجزائر وخارجها، لكن القانون الجزائري لا يسمح بذلك”.

وأرجعت رئيسة التنظيم المهني لرجال الأعمال سبب ارتفاع الأسعار وندرة المواد إلى ما أسمته بـ “قيود هيئة الاستيراد الحكومية التي تشترط الحصول على تراخيص وإجراءات إدارية معقدة على المستوردين، خاصة تلك الصادرة من وزارات مثل التجارة والصناعة والزراعة.

◙ خطاب التنظيم المهني يشكل لغما مفاجئا داخل معسكر السلطة الباحث عن الاستقرار وترتيب الأوراق من أجل إتاحة المرور السلس للرئيس تبون إلى ولاية رئاسية ثانية

وتساءلت عن الآليات المطبقة في هذه العملية التي أدت إلى إقصاء البعض وتشجيع البعض الآخر على ممارسة نشاطهم، في تلميح إلى الانتقائية والمحاباة التي تؤسس لميلاد تكتل جديد من الأوليغارشيا المستفيدة من قربها من السلطة، لكنها أدت إلى انفجار احتجاجات سياسية واجتماعية العام 2019.

وطرحت استفهامات حول “كيفية التعامل مع هذه القضية، هل عن طريق الدفع لإفلاس الفاعلين المعنيين، أو عن طريق بيع أو إغلاق مصانعهم، وتسريح آلاف العمال”. واقترحت رئيسة الكونفيدرالية إطلاق لجنة تحقيق لتحديد كيفية إصدار تراخيص وحصص الاستيراد التي تسلم للبعض ولا تسلم للبعض الآخر.

واستدلت المتحدثة على محتوى خطابها بمعاينة أخرى لحالات غامضة في نشاط الاستيراد، حيث ذكرت “يعاني مستوردو المواد الغذائية الجافة وتغذية المواشي من عدة مشاكل، أين سجل منع تفريغ بواخر محملة بالسلع في الموانئ رغم استيفاء أصحابها لجميع الشروط والقيام بجميع الإجراءات”، وتساءلت “لفائدة من يتقرر ذلك؟ ومن صاحب القرار؟ رغم أن الجميع يدرك أن المواطن البسيط هو الذي أنهكته أسعار وندرة العدس والفاصولياء والأرز”.

ويشكل خطاب التنظيم المهني المذكور لغما مفاجئا داخل معسكر السلطة الباحث عن الاستقرار وترتيب الأوراق من أجل إتاحة المرور السلس للرئيس تبون الى ولاية رئاسية ثانية، ولذلك أدرجه البعض في خانة التوظيف ضمن تجاذبات الأجنحة، لكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن ونية تشكيل ذراع مالية مختارة بعناية مؤيدة للسلطة تؤكد أن الخطاب أزاح الستار عن الخطاب المزعوم للسلطة وعن فشل خيارتها الاقتصادية والاجتماعية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: