ماذا تريد الجزائر من حملتها على الإمارات

تشن صحف ومواقع جزائرية مقربة من السلطة منذ أسابيع حملة على الإمارات وتطالب بطرد سفيرها من الجزائر، في موقف يثير التساؤل عن الجهة التي تحرك الحملة من داخل النظام، وعما إذا كانت الجزائر قد قررت اختيار الإمارات عدوا خلال هذه المرحلة للتغطية على فشلها في معالجة ملفات محلية وخارجية؟

وحثت تقارير متداولة منذ أسابيع في صحف ومواقع إخبارية محسوبة على النظام الجزائري على ضرورة “اتخاذ القرارات المناسبة” ضد دولة الإمارات، ردا على ما أسمته بـ”حملات التحرش والإضرار بالمصالح الوطنية والتجسس”.

ولا توجد أي تقاطعات لأنشطة الإمارات ومواقفها إقليميا ودوليا مع الجزائر، ما يستدعي هذه الحملة المستمرة لأسابيع عدا الاختلاف في تقييم القضايا السياسية مثل دعم الإمارات لوحدة الأراضي المغربية وافتتاح قنصلية لها في العيون، وهذا موقف سيادي للإمارات ليس من حق النظام الجزائري أن يحتج عليه، وإن كان يؤشر على عزلة الجزائر وفشلها الدبلوماسي في مواجهة المغرب الذي نجح في كسب مواقف كثيرة لصالح مقاربته لحل أزمة الصحراء.

الجزائر ظلت تراوح مكانها بالخطاب نفسه الذي يجلب الأعداء فيما أصبحت الإمارات ذات وزن في معادلات المنطقة

وقبل أسابيع كانت وسائل إعلام جزائرية قد قادت حملة على تونس بزعم أن دولة عربية تريد أن تجرها إلى مربع التطبيع وإبعادها عن الجزائر، وأوعز النظام إلى قيادي في حزب إخواني جزائري بقيادة الحملة قبل أن يتراجع عن ذلك بعد أن بدا ذلك الاتهام مهزوزا وبلا مصداقية من ناحية تونس والإمارات معا.

وكشف الصمت التام للنظام الجزائري عن لقاء ليبي – إسرائيلي جرى في إيطاليا أن اتهام تونس بالتطبيع كان الهدف منه فقط عرقلة حصولها على الدعم من أي جهة عربية أخرى، وخاصة من الإمارات التي تنفذ مشاريع مهمة ماليا واقتصاديا من دون أن تثير حولها صخبا إعلاميا كما تفعل الجزائر.

ويرى مراقبون أن الجزائر ظلت تراوح مكانها منذ عقود بالخطاب السياسي نفسه الذي يجلب الأعداء فيما الإمارات تغيرت بشكل كبير وتحولت إلى دولة فاعلة دبلوماسيا واقتصاديا وذات وزن في معادلات المنطقة، وأن لا شيء يجعلها تعمد إلى “التجسس داخليا وحدوديا” على الجزائر أو تعمل على “استهداف” النظام.

واستعداء الإمارات ليس سوى استمرار لسياسة جزائرية تقوم على الإمعان في خلق الأعداء بلا سبب، ولو أدى ذلك إلى المس بمصالح الجزائر نفسها. وبالإضافة إلى المغرب افتعلت الجزائر توترا حادا مع إسبانيا وبرودا مع فرنسا بسبب الاستغراق في معارك الماضي، ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تقاربها مع الصين وروسيا.

ومن الواضح أن التصعيد الإعلامي مع الإمارات يعود -في جزء منه- إلى رغبة النظام الجزائري في إبعاد أنظار الجزائريين عن فشله الخارجي، خاصة بعد خسارته عضوية مجموعة بريكس في وقت كان فيه المسؤولون الجزائريون -ومن بينهم الرئيس عبدالمجيد تبون- يتحدثون عن العضوية كتحصيل حاصل، وأن الجزائر قوية بتحالفها مع الصين وروسيا، لكن البلدين لم يتحمسا لموقفها ولم يدعما ملفها، هما وحليفتها جنوب أفريقيا.

ii

ويعمد النظام الجزائري إلى توجيه الاتهام إلى أي دولة يختلف معها باستعادة مفردات قديمة من زمن الحرب الباردة، من نوع “التجسس” و”المس بالمصالح العليا للجزائر”، وهي تهم جاهزة تحتاج فقط إلى إشارة من جهة نافذة لتصبح محور حديث وسائل الإعلام الجزائرية.

وذكر تقرير لصحيفة “الخبر” أن “حكام أبوظبي ماضون في استعداء الجزائر والإضرار بأمنها ومصالحها الإستراتيجية”، و”الدفع بالعلاقات الثنائية نحو القطيعة، فلم يعد التطاول والإضرار بالمصالح الوطنية داخليا وخارجيا خفيا أو حديث جرائد، بل اتخذ طابعا علنيا”.

ويعد هذا التقرير الثاني من نوعه، الذي تنشره الصحيفة الأكثر انتشارا في الجزائر، إلى جانب تقارير أخرى نشرتها جريدة “الشروق” وصحيفة “ليكسبريسيون” الناطقة بالفرنسية، فضلا عن بعض المواقع الإخبارية التي أعادت نشرها، وهو ما يعتبر حملة لم يسبق للإعلام الجزائري أن شنها ضد جهة أو دولة ما، بما فيها تلك التي شهدت علاقاتها توترا كبيرا مع الجزائر.

ولا تزال السلطات الجزائرية تلتزم الصمت تجاه الانزلاق الإعلامي، ولم تقدم أي توضيح ينساق خلف الحملة، أو ينفيها، ولو أن بيانا لوزارة الخارجية سبق له أن أكد أن “الهيئة هي الجهة الوحيدة المخولة بالكشف عن القرار الرسمي”، وذلك غداة نشر موقع قناة النهار الخاصة خبرا حول “طرد الجزائر للسفير الإماراتي، وتوقيف شبكة من أربعة عناصر من السفارة تتجسس على الجزائر”.

وأوحت السلطة الجزائرية حينها بأنها لا تريد الدخول في أزمة دبلوماسية جديدة مع بلد شقيق، وبادرت بشكل سريع إلى إقالة وزير الاتصال محمد بوسليماني من منصبه في الليلة التي نشر فيها الخبر، في خطوة تؤكد على عدم الانجرار الرسمي وراء المساعي الجانبية.

ومنذ رحيل القائد السابق للجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح، وقبله تنحي الرئيس الراحل أيضا عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في منتصف عام 2019، دخلت العلاقات الجزائرية – الإماراتية حالة من الفتور غير المسبوق، قبل أن تتصاعد الحملة الإعلامية المذكورة في الأسابيع الأخيرة.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الحملة تعبر عن وجهة نظر داخل النظام الجزائري لكنها لا تحظى بالإجماع، الأمر الذي يترجم حدة الحملة الإعلامية مقابل عدم صدور أي رد فعل رسمي، وأن وسائل الإعلام الرسمية في المشهد الإعلامي الجزائري لم تكن لتخوض في ذلك لو لم تتلق الإيعاز من جهة ما في السلطة.

ولا يفكر النظام في مصالح الجزائر، وأن هذه الحملة قد تقود إلى هجرة الاستثمارات الإماراتية المهمة مثل استحواذ موانئ دبي على ميناءي العاصمة وجن جن بمحافظة جيجل في شرق البلاد ومركّب تجميع المركبات العسكرية لعلامة مرسيدس الألمانية وشركة “مدار” للتبغ التي تستحوذ هي الأخرى على نادي شباب بلوزداد الناشط في دوري المحترفين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: