“جرادة مالحة”.. رحلة امرأة تبحث عن حياتها الحقيقية

جاءت التجربة السينمائية الأولى للمخرج المغربي إدريس الروخ لتسلط الضوء على موضوع حساس وهو الخيانة الزوجية وقدرة الشك على تدمير العلاقات مهما كانت قوية، ورغم أنه يعالج موضوعا مهما في المجتمع المغربي وحتى المجتمعات العربية إلا أنه تناوله بسيناريو ضعيف يفتقر إلى عنصري الجذب والإثارة.

بعد مسيرة طويلة من التجارب والخبرات، وبعدما اجتاز مراحل متعددة كممثل ومخرج مسرحي وتلفزيوني، قرر إدريس الروخ دخول عالم الإخراج السينمائي. بدأ بتقديم ثلاثة أفلام قصيرة في البداية، لكنها لم تترك أثرًا عميقًا في ذاكرة الجماهير. ومع ذلك، تجاوز الروخ تلك المرحلة من خلال فيلمه السينمائي الأول بعنوان “جرادة مالحة”، الذي نال جائزة أفضل فيلم في مهرجان تورونتو بكندا، بالإضافة إلى مشاركته في مهرجان مونتريال للأفلام المستقلة ومهرجان دوربان السينمائي الدولي في جنوب أفريقيا، ومهرجان بافالو السينمائي الدولي في الولايات المتحدة.

“جرادة مالحة” أنتج في عام 2021. وشمل طاقم العمل في الفيلم عددًا من الوجوه الفنية، بمن فيهم عبدالرحيم المنياري وكريم بولمال والممثلة فاطمة الزهراء بناصر ومنى الرميقي. تميز الفيلم بتجسيد الروخ لشخصياته، حيث كتب السيناريو بالتعاون مع عدنان موحاجة. وطرح الفيلم للعرض أول مرة في دور العرض السينمائية في المغرب في 31 أغسطس 2022.

تتمحور قصة الفيلم الذي صور بين مدن إفران ومكناس وأزرو وبن سليمان، حول قصة “رانية”، وهي شابة في الثلاثينات من عمرها تعيش حياة رتيبة، مقتنعة بأن زوجها يخونها مع امرأة أخرى، وفي كل ليلة عندما يعود “عمر” إلى المنزل يتكرر نفس السيناريو الذي ينتهي بشجار. خوف وغيرة رانيا يجعلانها عمليا غير مستقرة، تتورط في مؤامرة تستهدف التحكم فيها والسيطرة على سلوكها. وتجد نفسها مُجبرة على تبني هوية مُفبركة بشكل كامل، ما يحرمها من حياتها وذكرياتها الحقيقية.

الفيلم يتمحور حول شابة تتورط في مؤامرة تستهدف السيطرة على سلوكها وتجد نفسها مُجبرة على تبني هوية مُفبركة بشكل كامل

تنطلق رحلة “رانيا” لاستعادة حياتها الحقيقية، وتكشف تلك الرحلة عن مغامرات وتحديات تنقل الجمهور إلى عوالم مختلفة.

ينضم “جرادة مالحة” إلى قائمة الأعمال السينمائية التي لم تحقق النجاح المطلوب. وتبرز هذه الحقيقة على نحو واضح وملموس عند المقارنة مع فيلم “امرأة في الظل” (2020)، الفيلم الذي أخرجه جمال بلمجدوب ويُعتبر واحدًا من أضعف أعماله السينمائية. ويتسم الفيلم بضعف في الأداء يرجع جزئيًا إلى ضعف السيناريو الذي يبدو غير متماسك، إذ يظهر واضحًا وجود العديد من الفراغات والانقطاعات السطحية في السرد. علاوة على ذلك، يُظهر الإخراج نقصًا في القدرة على

بناء حبكة مشوقة ومحمومة تجذب انتباه الجمهور وتثير اهتمامه بشخصيات الفيلم. بدلاً من ذلك، جاء الإخراج بشكل سطحي وغير متناغم، مما يفتقر إلى نقل الجمالية والإبداع في تفاصيل الدراما.

قد يتجلى الربط بين الفيلمين، في مقام أول، بتعقيدات السياق السينمائي الذي يقوم بالاعتماد الجوهري على طرء تطوُّرات متوخاة وأسلوب سردي مرهف. وهذا في الواقع يطلق تحديات وخرقا عميقا لتجربة المشاهدين، إذ يفرض عليهم مواجهة مجموعة مكثفة من العقد والتفصيلات. يبلغ هذا التعقيد ذروته عندما يرتبط الحوار بوجهٍ خاص بمعنى “كيان غامض” يجسّد الضغط المفروض من “جهة ما” من أجل إنجاز مهمة معينة، وذلك بإيحاء غامض يحتمل التأويلات العميقة. ومع هذا، تكمن وجهة التعقيد بمقامها الفائق عندما تستخدم الشخصية المركزية في الفيلم أداة مبهمة مثل “جهاز لقص العشب” لاختراق أبواب “المؤامرة الخفية” في مدخل الطابق السفلي.

d

تتناول الرواية في ختامها الجانب الأساسي للتكوين الإنساني الذي يتخذ من تجلّيات التحكم في الذات من خلال استحضار ذاكرةٍ غير موثوقة مفتاحا لأحداثها. وتتصاعد هذه الطبيعة المعقدة عندما يسلط الطبيب الضوء على تفسير تلك الذاكرة.

تتجسّد في فيلم “جرادة مالحة” اندماجات رائعة بين التلاعب بذاكرة البطلة وتوجيه سيطرتها على تصرفاتها وقراراتها في الحياة، وهذا رغم عدم توفر المعرفة بماضيها قبل العملية التي خضعت لها أو حتى الأسباب وراء اختياراتها. يبرز هذا التقاطع بوضوح من خلال نسج روتينها اليومي المعاش، حيث يتضمن زياراتها المعتادة إلى الملهى الليلي ومحطة البنزين، بالإضافة إلى لقاء عابر مع ضابط شرطة يتداخل فيه الإحساس من جهة واحدة. ومع هذا، فإنها لا تشير إلى أي تغير في تصرفاتها أو تطور في نظرتها إلى العالم. هذا يقدم قصة ضعيفة تفتقر إلى الجاذبية والإثارة، حيث تتناوب المشاهد بين البساطة والتعبير عن الأحداث بدون انتقالٍ عميق.

يعاني العمل من قلة العمق والتركيز، ويظهر ذلك بوضوح في مشهد الغداء في الطبيعة ولقاء المشرف على المهمة، الذي يُظهِره بأسلوب يشبه تجهيز المذبح بدلا من تطوير شخصيته.

بدون تصميم فني يتجذر في تاريخ هذا النوع من السينما، وبدون استعداد لتجديد الفكرة أو التنافس بها، يظهر فيلم “جرادة مالحة” كمحاولة بسيطة لتعزيز نمط سينمائي مألوف دون قيمة مضافة أو إلهام. فهو يفتقر إلى المتعة الحقيقية، فالغموض في الأفلام السينمائية لا يكون من خلال مشاهد مثيرة فقط، بل يستلزم تخطي عنصري البساطة المفرطة والتقليد.

ورغم جرأة “جرادة مالحة”، يبدو أن المخرج وكاتب السيناريو، إلى جانب موحاجة الذي أدى دور الضابط، لم يخصصا الوقت الكافي لتطوير السيناريو وتنفيذه بشكل متقن. يعكس هذا الأمر واقعا تكرر مع العديد من المخرجين المغاربة الذين انتقلوا من التلفزيون إلى السينما، والذين لم يتخلصوا من أبجديات الإخراج للتلفزيون التي تختلف كثيرا عن الإخراج للسينما، حيث يتراكم الروتين والتفاعلات والأساليب المُستخدمة في العمل التلفزيوني ليصبح عادات من الصعب تجاوزها بمجرد الانتقال إلى السينما.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: