الأجزاء الجديدة من مسلسلات رمضان لم تقنع المشاهد

ماموني

جاءت الأجزاء الجديدة لعدد من الأعمال الدرامية مخيبة لآمال متابعيها، فهي وإن نجحت في جذب انتباه المشاهدين في أجزائها السابقة، إلا أنها هذا العام بدت مرتبكة وتنقصها الحبكة والمعالجة الدرامية الجيدة، وهو ما يبرره نقاد ومتخصصون بالكتابة تحت الطلب، والتي تسعى للربح المادي وليس الكتابة المتمكنة من الموضوع وأحداثه والتي تستند إلى موهبة حقيقية.

استثمر منتجو الدراما المغربية نجاح المسلسلات التلفزيونية مثل “سلامات أبوالبنات” و”المكتوب” لإعادة إنتاج أجزاء جديدة منها، والغرض حسب هؤلاء هو توفر مساحة درامية ممتدة تعطي مساحة أكبر للشخصيات وتطور الأحداث الدرامية التي تحتاج إلى الحبكة الدرامية القوية والمتماسكة، والتي تجعل الممثل يبرز إمكانياته التشخيصية المتعددة، وتسمح بعرض تلك الأعمال الدرامية لأكثر من جزء في مواسم متعددة.

وعرفت الدراما المغربية في شهر رمضان ظاهرة تقديم الجزء الثاني من سلسلات ومسلسلات اعتبرت من طرف نقاد غير ناجحة، وجاءت اجترارا وتمطيطا غير مقبول وبمثابة شهادة وفاة للعمل وشخصياته، مثل مسلسلي “سلمات أبوالبنات” أو “المكتوب”، اللذين لم ينجحا في الاستمرار بالإمتاع والترفيه والإبداع في الأحداث. كما تراجع أداء أبطالهما.

محمد مجاهد: الابتعاد عن الأدب يزيد احتمالات فشل الدراما المغربية

والسؤال الذي يطرحه النقاد والمشاهدون أيضا على أساس فني وإبداعي يبني عليه المنتج والمؤلف قراره في صناعة أجزاء من مسلسلات قد تخلق الملل عند المشاهد، خصوصا إذا كان بناء قصة درامية لا تقدم ما هو جديد ومثير، أم أنها عملية تجارية بعيدة عن الإبداع بتمطيط ليس ضروريا هدفه جذب المشاهد فقط.

وبالنسبة لمسلسل “سلمات أبوالبنات”، الذي يعرض في موسمه الخامس على قناة “أم.بي.سي 5” فقد كان حضوره باهتا ضمن البرمجة الرمضانية لهذا الموسم، ما جعله أمام موجة من الانتقادات ودعوات إلى إيقاف بثه بسبب افتقاره للحبكة الدرامية وعدم استطاعته الحفاظ على نجاح وصدى جزئه الأول، حيث أكد عدد من المتابعين للمشهد التلفزي والسينمائي المغربي أن المسلسل راكم أخطاء درامية وتقنية غير معقولة، جعلت من الكل يسخر منها، وهو ما أثر في نسبة المشاهدات التي انخفضت بشكل كبير مع الجزء الخامس والأخير.

وبعد تصدّره نسبة أكثر المسلسلات مشاهدة خلال رمضان 2022، يعود مسلسل “المكتوب”، المعروض على القناة الثانية المغربية في موسمه الثاني، خلال رمضان الحالي، خاصة بعد وفاة الشخصية الأساسية في المسلسل عمر المعطاوي، والضجة الكبيرة التي أحدثها الجزء الأول الذي اختار قصة “الشيخة”، حيث حصد عددا كبيرا من المشاهدات ونال رضا النقاد والمشاهدين، عكس جزئه الثاني الذي لم ينجح في إيجاد حبكة درامية مقنعة وأحداث جيدة ومبتكرة جعلته عرضة للانتقاد، بسبب تناوله مواضيع هامشية وسطحية لا تعكس الواقع المغربي، حسب عدد من النقاد.

وفسر الناقد والسيناريست محمد مجاهد هذه المسألة بأن الابتعاد عن الأدب في الكتابة للدراما التلفزية قد يزيد من احتمالات فشل العمل من حلقته الأولى، أو بالأحرى جزئه الأول أو ما يليه من أجزاء أخرى، وهذا يمكن أن نفهمه بصيغتين: الأولى أن الأديب الفنان لا يمكنه أن يخيب في كتابته إذا ما توفرت لديه الرغبة في الكتابة لأجزاء، وهنا يتفرغ الأديب الفنان لكتابته ولا يقدمها إلا بعد أن ينتهي منها، هذا معناه أنه يكتب مسلسله بكل أجزائه من أوله إلى ختامه. أما الصيغة الثانية فتتشكل من خلال الكاتب الفنان فقط وهو الكاتب الذي استمد قوة كتابته انطلاقا من تجربته وتراكم كمي معرفي بالأحداث والظواهر الاجتماعية ولو حدث فيها البعض من التكرار والتمطيط، لكن هذا النوع أثبت في بعض أعمال هذا الموسم نجاحا، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى مسلسل “المكتوب” في جزئه الأول و”كاينة ظروف”.

 

الكتابة غير المتخصصة تصنع أعمالا ضعيفة 

ويميل مسلسل “المكتوب”، في موسمه الجديد، إلى تقليد المسلسلات التركية المعروفة التي تركز على تشابك العلاقات العاطفية بالخصوص مع عدم إيلاء أي أهمية للجانب الاجتماعي، ودون طموح درامي كبير، حسب الناقد عبدالكريم واكريم.

ويرى واكريم أن مخرج مسلسل “سلمات أبوالبنات” هو من كتب السيناريو الخاص به، كأن ليس في المغرب كتّاب سيناريو أكفاء يمكن لهم التصدي لسلسلة كهذه وإغناؤها.

ويعتقد محمد مجاهد، في تصريح لـه، أن “كاتب السيناريو هنا ليس أديبا ولا يكتب الرواية الأدبية، وهو بذلك لا يتوفر على النفس الطويل في الكتابة عبر الأجزاء، كما أنه يكتب باحثا عن النهاية بسرعة متسابقا مع الزمن لطرح العمل على بلاطو التصوير، وأحيانا يتمم الكتابة أثناء التصوير”. وأشار إلى أن “هذا الكاتب تتولد لديه فكرة الجزء الموالي كلما حصلت نسبة مشاهدة عالية، وهي ميزان قيمة العمل لديه”.

 

“سلمات أبوالبنات”، كان حضوره باهتا ضمن البرمجة الرمضانية لهذا الموسم، ما جعله أمام موجة من الانتقادات لإيقافه

في مقابل المسلسلين “سلمات أبوالبنات” و”المكتوب”، حقق مسلسل “بابا علي” الذي يصنف ضمن الدراما الأمازيغية نسبة عالية من معدل المشاهدة والمتابعة اليومية على شاشة القناة الأمازيغية الثامنة وقت الإفطار، وعلى قنوات اليوتيوب، وفرض نفسه بقوة خلال جزئه الثالث على منصات البث الرقمي، حيث قدم المسلسل منذ الجزء الأول إلى الجزء الثالث عددا من المواضيع الدرامية الحياتية والمجتمعية بأسلوب مشوق وحبكة درامية مميزة وتصوير رائع، وهو ما جعله يكتسب شهرة واسعة وطنيا وعالميا.

وقال نقاد فنيون إن ما جعل المسلسل يحتفظ بنسبة مشاهدة جيدة هو تركيزه غير النمطي على العلاقات الإنسانية والاجتماعية داخل المجتمع الأمازيغي، إلى جانب مظاهر العيش، والتعايش بين اليهود والسكان المبني على التسامح، بالإضافة إلى شريط الترجمة المرفق بكل حلقة الذي ساعد من تمكين غير الناطقين باللغة الأمازيغية من متابعة هذا المسلسل الذي يعتبر سفير الثقافة الأمازيغية.

وتساءل مجاهد هل يمكننا أن نتصور عملا ناجحا في جزء ثان وثالث بناء على اعتبار نجاح نسب المشاهدة؟ وكيف يمكننا أن نتصور نجاح عمل ما، طالما فكرته متولدة في الحين وبالصدفة؟

ويعتقد الناقد المغربي، في تصريح لـه، أن الكتابة التلفزية والسينمائية إلهام ورغبة وحال، وهذا لا يمكن أن يكون إلا عند أديب فنان، والأديب هو كل متمكن من لغة كتابته مطالعة وكتابة، في حين ما يحصل الآن هو أن فكرة الجزء الثاني أو الموالي عدد ما كان، تولد خلال الانتهاء من تصوير كل جزء سابق وفي الكثير من الأحيان باتفاق مسبق مع شركة الإنتاج وربما المخرج كذلك، وهذا مكمن الفشل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: