كيف يردع المغرب المشهّرين دون تكميم الأفواه

La rédaction

تشديد عقوبات منتهكي الحياة الخاصة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يثير جدلا في المغرب، ففيما دعا البعض إلى التمييز عند التجريم بين ما يرتبط بحرية الرأي والتعبير وما يرتبط بالتشهير بالأشخاص، اعتبر آخرون أن التحدي هو ألا تتحول الرغبة في محاربة التشهير إلى فرصة لضرب الحريات.

عاد النقاش ليحتدم في المغرب بشأن سن عقوبات مشددة لردع المشهرين ومنتهكي الحياة الخاصة للأفراد. وبدلا عن قانون الصحافة والنشر، تتجه الحكومة إلى إقرار بنود جديدة في القانون الجنائي لمعاقبة ناشري الأخبار الزائفة.

لكن البعض يتخوف من أن تستغل الحكومة الظروف الحالية لإقرار تشريعات تضيق على حرية الرأي والتعبير في المملكة، مستفيدة من التعاطف مع لاعب منتخب المغرب لكرة القدم زكرياء أبوخلال الذي تعرض للتشهير.

وفي الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي أدان الاتحاد المغربي لكرة القدم التشهير بأبوخلال، منتقدا وصف موقع إخباري محلي له بـ”السلفي داخل المنتخب”. وشارك أبوخلال مع المنتخب في نهائيات كأس العالم بقطر في 2022، وحقق المركز الرابع للمرة الأولى عربيا وأفريقيا منذ انطلاق البطولة عام 1930.

وفي السابع والعشرين من ديسمبر الماضي قال وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي إن “مشروع القانون الجنائي الذي تعمل الوزارة على إعداده سينص على عقوبة مشددة تجاه مقترفي التشهير بالغير في وسائل التواصل”.

وأوضح وهبي، خلال جلسة لمساءلة الحكومة في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أن “الأمر سيشمل أيضا محتويات المواقع الإلكترونية وحسابات يوتيوب.. سنقر عقوبات مشددة لأن الحياة الحميمية (الخاصة) للناس مقدسة”.

وزير العدل المغربي نفى عزمه إحياء مشروع قانون أعده وزير العدل السابق، وسماه رافضون آنذاك مشروع “تكميم الأفواه”

وفي الثاني من يناير الجاري قال وهبي “أعتزم تضييق الخناق على الأخبار الزائفة في وسائل التواصل الاجتماعي.. أسعى لأن يصبح الصحافي هو مصدر المعلومة وليصبح صاحب التأثير في الرأي العام”.

ونفى وهبي عزمه إحياء مشروع قانون أعده وزير العدل السابق محمد بن عبدالقادر، وسماه رافضون آنذاك مشروع “تكميم الأفواه”.

وقالت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية حنان رحاب إن “كل تعديل للنصوص التشريعية تصاحبه مخاوف من استهداف الحقوق والحريات”. وتابعت “يجب أن نفرق بين ما يُنشر في المواقع الصحافية الرقمية وما يُنشر في وسائل التواصل، فالنشر في المواقع الإلكترونية يجب أن يخضع حصريا لقانون الصحافة والنشر”.

أما بخصوص النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وفق رحاب “فيجب التمييز بين ما يرتبط بحرية الرأي والتعبير، والذي يجب ألا يخضع لأي متابعة قانونية، وما يرتبط بالتشهير بالأشخاص واستهداف الحياة الخاصة والذي يجب تجريمه”.

وقال الأستاذ بالمعهد العالي للصحافة والاتصال بالدار البيضاء (خاص) محمد كريم بوخصاص إنه “من الناحية المبدئية، لا يمكن إلا الثناء على أي مبادرة تصب في اتجاه حماية الحياة الخاصة للأفراد ومحاصرة التشهير الذي يعتمده البعض سياسة ممنهجة”.

وأضاف بوخصاص أن “الحاجة تزداد مع حملات التشهير التي يتعرض لها الأفراد في ضرب لدستور المملكة الذي يضمن الحق في الحياة الخاصة وقانون الصحافة والتشريعات الأخرى، سواء من طرف مواقع إعلامية أو ناشطين في مواقع التواصل”. واستدرك “لكن التحدي المطروح هو ألا تتحول هذه الرغبة في محاربة التشهير إلى فرصة لضرب الحريات، كما حصل سابقا مع محاولة إقرار قانون ما عُرف بتكميم الأفواه”.

وبدلا عن سن تشريعات جديدة، أعرب عن اعتقاده بأنه “من الممكن اللجوء إلى إعمال مقتضيات قانون الصحافة والنشر دون الحاجة إلى إقرار قانون جديد”.

وشدد على أن “التعامل بحزم مع مقترفي التشهير هو حاجة ملحة وينبغي أن يتم دون تقييد حرية التعبير”.

وفي التاسع عشر من مارس 2020 أقرت الحكومة المغربية آنذاك مشروع قانون يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وسط تسريبات إعلامية بأنه يتضمن قيودا وعقوبات بالسجن والغرامة.

لكن في الثالث من مايو من العام ذاته أعلن وزير العدل حينها بن عبدالقادر تأجيل النظر في مشروع القانون الذي عُرف إعلاميا بمشروع “تكميم الأفواه”.

وأرجع بن عبدالقادر التأجيل إلى “الظروف الخاصة التي تجتازها البلاد في ظل حالة الطوارئ الصحية (جراء جائحة كورونا) إلى حين انتهاء هذه الفترة”.

ودعا إلى “إجراء مشاورات مع كافة الهيئات المعنية حتى تكون الصياغة النهائية لهذا المشروع مستوفية للمبادئ الدستورية ومعززة للمكاسب الحقوقية بالبلاد”.

وآنذاك جاء التأجيل بعد رفض وجدل حول مشروع القانون ظهر في بيانات صادرة عن الأحزاب والنقابات والجمعيات ومن خلال تفاعلات النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب.

وبينما أبدى بعض المغاربة ترحيبهم بمشروع القانون شريطة أن يكون رادعا لـ”المشهرين” بالحياة الشخصية حصرا، بالمقابل أبدى كثيرون مخاوفهم من استغلال السلطات القانون الجنائي للحد من حرية الرأي. واعتبر البعض أنه أخيرا “سيكون الذباب الإلكتروني تحت طائلة المتابعة القانونية، وخاصة التدوينات التي يوقعها أشخاص حقيقيون أو بأسماء مستعارة أو متخفين وراء ستار أي ما يعرف بالذباب الإلكتروني الذين يشهرون بالحياة الشخصية للأفراد، وستكون محكومة بالقانون الجنائي”.

وفي تعليقه على تصريحات وزير العدل، نبه رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي من عودة القانون الذي أثار الجدل عام 2019. وعلى حسابه على فيسبوك قال غالي:

انتباه
اخشى ان تكون قضية أبوخلال، و غانم سايس … الطريق الاقصر لاعادة قانون 22.20 من أجل تكميم الأفواه القانون الذي سبق و رفضه المغاربة قبل ثلاث سنوات
حضوا تقاشركم

وعبر حزب “العدالة والتنمية” المعارض، على لسان نائبه البرلماني مصطفى حيكر، عن رفضه إحياء قانون تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير “عبر النظر إلى أي انتقاد موجه لمسؤول على المستوى المحلي أو على مستوى الدولة أو على المستوى الحكومي أو السياسي، على أنه تشهير”.

وفي تصريح نقله موقع الحزب رأى حيكر أن “توسيع التشهير بهذا الشكل تجاوز الخط الأحمر، فلا يمكن قمع حرية التعبير ولا يمكن تطوير قواعد لتكميم الأفواه بدعوى حماية الناس ضد عملية التشهير”.

ومقابل التأكيد على أهمية توفير “بند تشريعي” يحمي الحياة الخاصة للناس، شدد البرلماني على “ضرورة أن تكون النصوص القانونية موازنة بين حماية الحياة الخاصة للمواطنين، دون الوقوع في تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير، ومنع انتقاد أي مسؤول أيا كان”.

وأكد حيكر على أن “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية ستكون حاضرة باقتراحاتها في إطار تعديل التشريع الجنائي، وستقف موقفا وسطا بين هذين الأمرين”. واستطرد “سنحيط بالقواعد التي ترمي إلى حماية الحياة الخاصة للمواطنين، وليس إلى الحد الذي قد يوقعنا في تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير”.

وشدد القيادي بجماعة “العدل والإحسان” المعارضة حسن بناجح على ضرورة “الانتباه لاستغلال موجة رفض التشهير من أجل تمرير قانون جنائي يتوسع في الحد من حرية التعبير كما أعلن ذلك وزير العدل في البرلمان”.
وقال الأكاديمي المختص في قضايا الإعلام يحيى اليحياوي “سمعت وزير العدل يصرخ ويهدد ويتوعد بإدراج تجاوزات الشبكات الرقمية ضمن نصوص القانون الجنائي وتشديد العقوبة.. كل من لديه صفحة أو حساب، ويتجاوز في حق الناس، سيعاقب.. وكل من لديه قناة أو موقع إلكتروني، عليه أن يتوفر على صفة الصحافي، ويكون منبره قانونيا”.

وتابع “لدينا قانون صحافة، لم أكن راضيا عنه منذ اليوم الأول، لكنه قائم يتوجه الوزير ليفرغه من مضمونه، ويحوله إلى جزء من القانون الجنائي.. فيتساوى بذلك الصحافي المهني العامل بصحيفة أو بموقع، مع صاحب صفحة أو حساب ضمن مواقع التواصل.. يغرمان معا أو يسجنان في حالة التجاوز.. لن يكون من حرمة لأحد إذن”.

واستدرك “لكن هذا يستوجب أن نحدد بدقة معنى الجريمة (وهي افتراضية في هذه الحالة) ودرجاتها، حتى نفرد لها ما يناسبها من عقاب، وإلا سيتحول أدنى تلميح لهذا أو لتلك إلى شبهة، ثم إلى سلوك يعاقب عليه القانون، فتكثر الخطوط الحمر”.

وتساءل اليحياوي “هل بإمكان القانون أن يحد من حالات التجاوز؟”، مجيبا “لا أظن.. لأن ما تفرزه تكنولوجيا الشبكات يوميا، يتجاوز بكثير قدرة المشرع على الإلمام به، فما بالك بضبطه وتقنينه… يجب أن تحيل هذه الجزئية الغامضة على الخبراء”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: