اتحاد المغرب العربي خارج حسابات “لمّ الشمل” الجزائري

ماموني

استبعدت الجزائر الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش من حضور قمة نوفمبر العربية. الرسالة الجزائرية متعددة الوجهات؛ فهي تقول للمغرب إن الطيب يمثل رؤيتكم وأطروحاتكم بالتالي هو غير مرغوب فيه. ورسالة أخرى موجهة إلى كل من يريد إحياء الاتحاد المغاربي تقول إنه لا مجال لذلك ونحن في الجزائر عازمون إن اقتضى الأمر على صنع اتحاد على مقاسنا.

وكان البكوش، الذي انتهت ولايته نهاية أغسطس، قد تلقى دعوة من جامعة الدول العربية لكنّ اللجنة الجزائرية المنظمة للقمة لم ترسل له الدعوة لحضور الحدث، رغم أن اتحاد المغرب العربي عضو مراقب في جامعة الدول العربية. وهذا تأكيد أن النظام في الجزائر لا علاقة له بالشعارات التي يطلقها حول الوحدة والتضامن ولمّ الشمل.

معروف أن الطيب البكوش (وهو تونسي) مستقل الرأي، ويمثل مؤسسة مغاربية تجمع الدول الخمس الأعضاء، وهو واجهة ومنسق بينها لمناقشة القضايا المشتركة، وجهوده منصبّة على تليين المواقف لتجاوز التوترات بين دول المنطقة.

◘ الجزائر تعمل على عزل المغرب في محيطه العربي والمغاربي وتحرص على تأجيج الخلافات بين دول المنطقة

حدوث أيّ توافق بين الطيب البكوش والمغرب في قضايا تصبّ في مصلحة الاتحاد وتضامن دول المنطقة يجب ألاّ يشكل عقبة تحول دون حضوره القمة، خصوصا أن العاهل المغربي الملك محمد السادس دعا الجزائر لإنشاء آلية مشتركة للحوار وإحياء التنظيم الإقليمي.

موقف الجزائر، برفضها دعوة الأمين العام لاتحاد المغرب العربي بذريعة أن مهمته انتهت، فيه الكثير من التجني على الرجل وعلى الاتحاد معا. والجزائر بتصرفها هذا تؤكد متابعتها سياسة اختلاق الأزمات، وأن ليس في الأفق ما يشير إلى رغبة بالمصالحة.

في وقت سابق من هذا العام، دعا البكوش إلى اجتماع لوزراء خارجية البلدان المغاربية لمناقشة القضايا السياسية، بما في ذلك الأزمة في ليبيا، وهذه خطوة تحسب له، وكان يطمح من خلالها إحياء المحادثات مع القادة العرب من شمال أفريقيا لتأمين المصالحة بين دول اتحاد المغرب العربي، لكن هناك من لا يريد لهذه المصالحة أن تتحقق.

الأمر أبعد أيضا من أن يكون بسبب ما أشيع عن أن الرئيس التونسي قيس سعيد لم يوافق على توجيه دعوة للبكوش بسبب موقفه من الحكومة التونسية. عدم توجيه الدعوة تعبير عن حالة مرضية استفحلت داخل القيادة الجزائرية التي تلزم الجميع على الدوران في فلكها، مستخدمة الابتزاز حينا والإغراءات حينا آخر.

الطيب البكوش كان له رأي مخالف للرئيس قيس سعيد، وأعرب عن مخاوفه من الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس، وتمنى استعجال المصالحة بينهما. لكن أن يتم تجاهله في قمة عربية فهذا إمعان في التصرفات السلبية ضد المملكة المغربية ومصالحها.

 

◘ كان بالإمكان أن تكون هذه القمة ترجمة لشعار "لمّ الشمل" الذي اختارته السلطات الجزائرية عنوانا لها
كان بالإمكان أن تكون هذه القمة ترجمة لشعار “لمّ الشمل” الذي اختارته السلطات الجزائرية عنوانا لها

 

القرارات الجزائرية تتخذ عادة بعقيلة هواة في السياسة والدبلوماسية. فحتى مع انتهاء ولاية الطيب البكوش وعدم انتخاب أمين عام جديد لاتحاد المغرب العربي، فإن العرف الدبلوماسي يقتضي توجيه دعوة له.

على أرض المغرب كان انبعاث هذا الاتحاد، في عام 1989، والمغرب اليوم عازم على إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي ووحدته التي يؤمن بها أيضا البكوش ويمثّلها، ليصطدم الجميع برؤية متقاعسة للجزائر التي لها رأي آخر لا يخدم بالطبع استقرار المنطقة ووحدتها، كون هذا النظام أعطى منذ مدة طويلة الضوء الأخضر لإيران بالتواجد في قلب دول شمال أفريقيا، وهذا في حد ذاته يصيب الاتحاد في مقتل.

عدم دعوة الجزائر للطيب البكوش هو رفض لكل ما يذكرها بمعاهدة مراكش المؤسسة لاتحاد المغرب العربي، وردا على الانتصارات الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء التي تزيد من حدة الإحباط الجزائري الذي لا ينبغي الاستخفاف به عند وضعه في سياق الفراغ الأمني القائم في منطقة مزعزعة الاستقرار.

إنشاء اتحاد المغرب العربي كان فكرة جيدة، لكن الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تأسيسه، فشل في أن يمهد الطريق للتعاون الإقليمي لأن الجزائر خلقت حالة من التنافر بين الدول المغاربية، وتعتبر المغرب عدوّا يقوّض مصالحها الذاتية. نجزم أنها توسعية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مصلحتها الكبرى تتمثل في تصنع دويلة في الجنوب المغربي (بوليساريو) تمهد للنظام الجزائري الطريق لنافذة كبيرة على المحيط الأطلسي، وما قد يحمله هذا من إمكانية لتضييق الخناق على المملكة جنوبا.

يبدو أن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية هو العامل السياسي الرئيسي الذي يعيق بناء التكامل الإقليمي في إطار اتحاد مغاربي، ويوضح عدم قدرة الجزائر على التغلب على العداء الذي تكنه للمغرب منذ حرب الرمال عام 1963.

كان بالإمكان أن تكون هذه القمة ترجمة لشعار “لمّ الشمل” الذي اختارته السلطات الجزائرية عنوانا لها، وأن تكون فرصة سياسية هائلة لجميع الأطراف لتأسيس علاقة جديدة مبنية على احترام الوحدة الترابية لدول المنطقة وعدم التدخل في شؤونها.

◘ حدوث أيّ توافق بين الطيب البكوش والمغرب في قضايا تصبّ في مصلحة الاتحاد وتضامن دول المنطقة يجب ألاّ يشكل عقبة تحول دون حضوره القمة

من الواضح أنه في عام 2022، أي بعد ستين عامًا من استقلال الجزائر، لم يعد المغرب مجرد خصم، بل لقد أصبح عدواً للقيادة العسكرية الجزائرية. وكل من ينظر إلى الأمور بعين الوحدة وتجاوز الخلافات، كما الطيب البكوش، هو عدوّ غير مرحّب به لهذا النظام.

الحسابات الإستراتيجية تقول اليوم، وأكثر من أي وقت مضى ووسط تغيرات سياسية عميقة في المنطقة والعالم، إن الحاجة تزداد إلى اتحاد مغاربي جديد يعطي المنطقة قوة دفع جديدة ويصبح كيانًا سياسيًا وإقليميًا قويًا وقابلا للحياة.

القضايا الحساسة كثيرة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية وإعادة فتح الحدود. وهي مواضيع طرحها الملك محمد السادس ولم يتجنبها في خطاباته الرسمية، وأعاد طرحها بوضوح بالتزامن مع القمة بدعوته الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للمصالحة. المغرب يؤمن حقيقة أن وجود اتحاد قوي سيكون له تأثير كبير على اقتصاد المنطقة واقتصاد أفريقيا ككل.

وعلى عكس النظرة الإستراتيجية للمملكة التي تتطلع لتحقيق الاستقرار عبر جانبي البحر المتوسط، وهو ما يدركه الأوروبيون وبخاصة مدريد التي كان لها موقف حكيم باعترافها بسيادة المغرب على صحرائه وإشادتها بالحكم الذاتي، تعمل الجزائر على عزل المغرب في محيطه العربي والمغاربي وتحرص على تأجيج الخلافات بين دول المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: