أبطال تونسيون في قوارب الهجرة نحو الضفة الأخرى

خالد هدوي

أثار تزايد عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين نحو أوروبا جدلا واسعا في البلاد، ولم تعد الهجرة مقتصرة على الشباب اليائسين والمحبطين بسبب ارتفاع نسب البطالة والفقر وصعوبة الأوضاع المعيشية، بل استهدفت أيضا أبطالا رياضيين في مختلف الأصناف والرياضات.

أثار اختفاء محمد الهادي القاسمي، بطل رياضة الملاكمة التونسي، الأسبوع الماضي جدلا واسعا في تونس، وأفرز تفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي، بالموازاة مع تداول معلومات حول هروب جماعي لمنتخب تونس للملاكمة للشبان نحو فرنسا في رحلة غير نظامية.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن القاسمي (18 سنة) كان من المقرّر أن ينضم إلى معسكر منتخب الملاكمة الذي يستعد للمشاركة في دورة تأهيلية لأولمبياد باريس 2024، إلا أنه لم يلتحق بزملائه قبل أن يتداول أصدقاء له صوره وهو في عرض البحر على متن قارب نحو إيطاليا في رحلة غير نظامية.

وأكد الاتحاد التونسي للملاكمة أن القاسمي، الحائز على الميدالية الفضية ضمن البطولة العربية للملاكمة للشباب التي احتضنتها الكويت مؤخرا، كان فعلا على متن قارب يقل عددا من المهاجرين السريين نحو أوروبا.

عامر الجريدي: الحياة أصبحت بلا أفق وجميع مؤشرات التنمية في تراجع

ويرى مراقبون أن الرياضي التونسي أصبح يشعر بالإحباط وانسداد الأفق شأنه شأن بقية الفئات الاجتماعية، وبات الرياضيون خصوصا في الأصناف الصغرى يتطلعون إلى تحسين أوضاعهم ويحلمون بتحقيق مستقبل رياضي أفضل في الضفة الأخرى من البحر المتوسّط.

وقال عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، “إذا كان الجامعي يواصل مسيرته التعليمية بعد تقاعده في المهجر، وإذا كانت غاية خرّيج الجامعة مغادرة البلاد، وإذا كان بعض أهل المال يتمنّون ‘تصدير’ أموالهم إلى الخارج، وإذا كان خيرة الأطباء والمهندسين شيبا وشبابا لا يضيّعون أيّ فرصة للعمل في الخارج، فكيف للرياضي أو المطرب ألا يحلم بالخارج؟”.

وأضاف ، “أصبحت الحياة في البلاد بلا أفق وبلا أمل، وجميع مؤشرات التنمية (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية) في تراجع مستمرّ، بل في تقهقر، والبلاد أصبحت مرتهنة لدى صناديق النقد وتحت مطرقة الإضرابات وفايروس العزوف عن العمل (الذي يقبل به المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء)”.

وتابع الجريدي “الآفاق الأفضل والكسب والحياة (المادية والبيئية) الكريمة هي سبب إقبال الرياضيين على الهجرة نحو أوروبا حيث يروْن النوادي الرياضية تستقبل أمثالهم اعترافا منها بمؤهلاتهم”.

وأردف “لم يعد الرياضيون ولا الفنانون عموما مثالا يحتذى به، أي قدوة كما فنانو الأمس، لا في تونس فحسب، بل في كلّ الأصقاع. فمثلما للسياسية شعبوية، هناك في الفنّ والرياضة شعبوية، بمعنى أن أصحاب المؤهلات والقدرات الفنّية لم يكتسبوا القيم والمبادئ الأخلاقية والذوقية التربوية والاجتماعية. وإن استهدفتهم الهجرة واستهوتهم، فمردّ ذلك حال البلاد وانهيار القيم وتدنّي الأذواق وتبخّر الروح من الحياة الاجتماعية… بمساعدة الفضائيات والإنترنت”.

ويقول متخصصون في علم الاجتماع إن الظاهرة تعكس صعوبة تحقيق المعادلة بين الجانب الأكاديمي والتكويني والجانب الرياضي للشاب المقبل على الهجرة نحو أوروبا، والرياضة في تونس أفرغت من معناها الرئيسي وتحولت إلى مجال لتبادل العنف، وسط تساؤلات عن مصير الأموال الطائلة التي تخصصها الدولة للاهتمام بالرياضة.

رمضان بن عمر: انعدام الثقة في المستقبل دفع التونسيين إلى الهجرة

وأفاد الباحث في علم الاجتماع العيد أولاد عبدالله  بأن “علينا أن نُنسّب عملية الهجرة، وهناك العديد من الرياضيين خاصة في الأصناف الصغرى والتظاهرات السفلى يقبلون على الهجرة نحو أوروبا، وهذا يعكس مشكلة كيفية تحقيق المعادلة بين الدراسة والتكوين المهني من جهة والرياضة من جهة أخرى”.

وقال في تصريح له، “الرياضة يراها البعض جالبة للأموال، ما دفع العائلات إلى الاستثمار في المجال الرياضي، وأغلب الرياضيين لا يمتلكون مستوى ثقافيا أو تعليميا ولغويا جيدا، والرياضي في تونس لا يعرف كيف يجاري مسيرته وتنقصنا المرافقة الذهنية والنفسية”، وتساءل “ما دور الأموال الطائلة التي تنفق على الرياضة؟”.

وأردف العيد أولاد عبدالله قائلا “الرياضة أصبحت ملاذا للسلوك العنيف في تونس، وأفضل الرياضيين وصلوا إلى العالمية بعيدا عن تونس وبثقافة مختلفة على غرار لاعبة التنس العالمية أنس جابر، والسبّاح أسامة الملّولي”.

وبخصوص اختيار بلدان أوروبا ملاذا للحلم بحياة أفضل بالنسبة إلى شباب تونس، اعتبر الباحث في علم الاجتماع أن “تلك الأماكن يُحترم فيها الإنسان. ورغم أن المجتمعات الغربية هي رأسمالية، لكّنها استثمرت في الإنسان بإمكانياتها المتاحة”.

واستطرد “الرياضة في تونس شابتها العديد من الشبهات ومازالت قائمة على الفساد، فضلا عن سلوكات لا تمت للرياضة بصلة، ومن الضروري اليوم إعادة الاعتبار للرياضة المدرسية”.

وكشفت أرقام صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) أن أعداد المهاجرين السريين نحو أوروبا بين يوليو 2021 ويوليو 2022 يناهز 20 ألف تونسي.

العيد أولاد عبدالله: شبكات الهجرة تستهدف الوضع المأزوم للشباب والفقر والبطالة

وقال المتحدّث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في مستهل هذا الأسبوع إنّ “السواحل التونسية أصبحت رمزا للموت في البحر المتوسط والسلطات التونسية طبّعت مع الموت حتى أنها لم تكلّف نفسها عناء إنقاذ الأرواح الغارقة فما بالك بمنعها من ركوب الأمواج”.

وأكّد في تصريح لإذاعة محليّة أن “السواحل التونسية أصبحت أكثر خطورة من السواحل الليبية”، وقال ” منذ 25 يوليو 2021 إلى غاية 2 سبتمبر الجاري أكثر من 22 ألف شخص شاركوا في عمليات هجرة سريّة من بينهم 4 آلاف طفل. أرقام مفزعة سجلناها لهذا يجب وضع خطة إنقاذ عاجلة بما أننا عجزنا عن منعهم من الهجرة”.

وأوضح بن عمر أنّ “الإحباط وانعدام الثقة في المستقبل دفعا التونسيين إلى الهجرة، فضلا عن غياب الاستقرار السياسي الذي أصبح بدوره أحد الأسباب الدافعة إلى مغادرة البلاد بهذه الطريقة”، محملا “رئاسة الجمهورية المسؤولية في ظل غياب أي رؤية للحد من الهجرة غير النظامية وإنقاذ الأرواح وإعادة الأمل”. كما دعا بن عمر إلى ضرورة تفعيل اتفاقيات مع فرنسا وإيطاليا بعضها بقي حبرا على ورق حول استقطاب العمالة الموسمية التي ستوفّر حوالي 5 آلاف فرصة عمل سنويا وهو ما سيساهم في امتصاص الغضب وإنقاذ الأرواح.

وسبق أن نشرت وسائل إعلام محلية تقارير عن تفشي ظاهرة الهجرة غير النظامية في صفوف الرياضيين، وأشارت إلى أن حارس مرمى فئة الشباب للنادي الرياضي الصفاقسي محمد علي شلبي (18 عاما) وصل إلى إيطاليا ضمن رحلة سرية على الرغم من أنه يعد أحد لاعبي الكرة الواعدين في ناديه والمنتخب التونسي.

وتمّ حسب تلك المصادر توقيف شلبي في أحد مراكز الإيقاف بإيطاليا دون اتخاذ قرار بترحيله فيما حذر المدير الفني للنادي الصفاقسي من استمرار هروب الرياضيين ومجازفتهم بحياتهم ومستقبلهم الرياضي بالارتماء في قوارب الهلاك.

وقال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إنه رصد هجرة أكثر من 13 ألف شخصإ بطريقة غير نظامية منذ مطلع العام الجاري، جاء ذلك وفق تصريحات أدلى بها رمضان بن عمر خلال مؤتمر صُحفي بالعاصمة تونس.

وقال بن عمر “وصل أكثر من 13.449 مهاجرا تونسيا غير نظامي إلى سواحل إيطاليا منذ بداية سنة 2022”. وأضاف “منهم 2600 قاصر و640 امرأة”. وأوضح أن “السلطات منعت أكثر من 23.217 مهاجرا غير نظامي من الوصول إلى السواحل الإيطالية عبر إحباط أكثر من 1890 عملية اجتياز منذ بداية العام الجاري”. وأردف “موجات الهجرة غير النظامية خلفت مأساة إنسانية، إذ فُقد أكثر من 507 مهاجرين منذ بداية السنة الجارية على السواحل التونسية”.

وفي 25 أغسطس الماضي أعلن الحرس الوطني إحباط 1509 محاولات هجرة غير نظامية تجاه إيطاليا خلال ثمانية أشهر منذ مطلع العام الجاري. وفي 2021 ضبطت وزارة الداخلية 20 ألفا و616 مهاجرا غير نظامي، من بينهم 10 آلاف و371 أجنبيا، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفق بيانات رسمية.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: