جهاز الاستخبارات الجزائري في حالة لااستقرار

البازي

أجرت قيادة المؤسسة العسكرية الجزائرية بشكل مفاجئ تغييرا جديدا على رأس مديرية الاستعلامات الخارجية (فرع من جهاز المخابرات)، وهو التغيير الثاني من نوعه في ظرف شهرين.

وفيما جاء بيان تعيين اللواء جبار مهنا على رأس مديرية الأمن الخارجي مقتضبا وروتينيا، فتح الغموض المجال أمام التأويلات مجددا، بسبب عدم استقرار الأوضاع داخل الجهاز، واستمرار لعبة التوازنات داخل أقوى مؤسسات الدولة.

وعين مهنا خلفا للواء عبدالغني راشدي، الذي لم تمر إلا أسابيع قليلة على تعيينه في المنصب، ودون تقديم توضيحات أو تفاصيل أخرى، اكتفت وزارة الدفاع ببيان مقتضب حمل نفس المفردات السابقة التي حملها خبر تعيين الراشدي.

واستقدم اللواء جبار مهنا من مديرية مكافحة التخريب التي استحدثت مؤخرا، كواحدة من المديريات التابعة لجهاز الاستخبارات، والتي اضطلعت بملف حركتي “ماك” الانفصالية و”رشاد” اللتين صنفتا كتنظيمين إرهابيين.

واستحدثت مديرية مكافحة التخريب في أعقاب الحرائق المهولة التي عاشتها الجزائر العام الماضي بمنطقة القبائل والتي أدت إلى سقوط نحو 200 ضحية منهم 20 عسكريا، وجريمة مروعة أدت إلى مقتل الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل في بلدة الأربعاء ناث إيراثن في محافظة تيزي وزو.

وسبق لقيادة الجيش أن أجرت حركة على رأس مديريات جهاز الاستخبارات خلال شهر يوليو الماضي، حيث تم استقدام اللواء جمال كحال من مديرية الأمن الخارجي لخلافة اللواء راشدي الذي نقل حينها إلى مديرية الأمن الخارجي، لكن الرجل لم يقض في منصبه إلا عدة أسابيع ليتم الاستغناء عنه دون تقديم توضيح حول مستقبله المهني.

جبار مهنا عين خلفا للواء عبدالغني راشدي الذي لم تمر إلا أسابيع قليلة على تعيينه في المنصب

وترددت معلومات في الآونة الأخيرة عن إصابة اللواء عبدالغني راشدي بوعكة صحية اضطرته للتنقل إلى فرنسا من أجل العلاج، وهي الرحلة التي عاد منها، وظهر في مراسم تسليم واستلام المهام تحت إشراف قائد أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة.

كما ظهر الرجلان (عبدالغني راشدي وجبار مهنا)، في الاجتماع الأمني الذي عقد تحت إشراف الرئيس عبدالمجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة الجزائرية نهاية الشهر الماضي، وهو الاجتماع الذي لم يتسرب أيّ شيء عنه إلا عبارات فضفاضة في بيان الرئاسة الجزائرية.

وبدا غياب التناظر بين الوفدين واضحا، خاصة بالنسبة إلى اللواء جبار مهنا الذي كان حينها يشغل منصب مدير مكافحة التخريب، وهي هيئة لا تقابلها مثيلتها في هيكلة الاستخبارات الفرنسية.

ويحسب المدير الجديد في مديرية الأمن الخارجي على جناح “الصقور” في المؤسسة العسكرية، فهو من النخبة العسكرية لتسعينات القرن الماضي التي تدخلت آنذاك لوقف المسار الانتخابي الذي استحوذ عليه الإسلاميون ممثلين في جبهة الإنقاذ، ودخلت في حرب ضروس مع التنظيمات الإسلامية المسلحة، وكانت ترفض أيّ حل سياسي للأزمة، وظلت تتمسك بالمقاربة الأمنية في محاربة الإرهاب، إلى أن استلم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة رئاسة الدولة في 1999.

وكان من ضمن الضباط السامين الذين تمت الإطاحة بهم، بعد سقوط قيادة جهاز الاستخبارات السابق العام 2015، خاصة وأنه كان يعتبر أحد قطع الحلقة المقربة من رجل المخابرات القوي في السابق الجنرال محمد مدين (توفيق)، لكن عودته الآن تؤشر إلى استعادة الجناح لنفوذه داخل السلطة، بداية من وفاة قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح.

◙ تغير موازين القوة داخل السلطة والمؤسسة العسكرية، خاصة منذ مطلع العام 2020، أعاد الروح إلى جناح الجنرال توفيق

وكانت العديد من الدوائر قد رشّحته منذ عودته وشغله لقيادة مديرية مكافحة التخريب لقيادة الجهاز برمته خاصة وأنه يفتقد إلى حد الآن لقيادة تمسك بجميع مديرياته (أمن الجيش، الأمن الداخلي والأمن الخارجي)، لكن تعيينه في المنصب الجديد قد يكون ممهدا لتعيينه في المنصب.

وكان اللواء جبار مهنا قد أحيل على السجن خلال السنوات الماضية بتهمة الفساد والتربح غير المشروع، بإيعاز من قايد صالح، في سياق الحرب التي شنها على خصومه في جهاز الاستخبارات، مدعوما في بادئ الأمر من الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وبعدها من طرف الاحتجاجات السياسية للحراك الشعبي.

غير أن تغير موازين القوة داخل السلطة والمؤسسة العسكرية تحديدا بداية من مطلع العام 2020، أعاد الروح إلى جناح الرجل القوي سابقا الجنرال توفيق، حيث يسجل عودته التدريجية إلى مفاصل الدولة.

واذا كانت تسمية اللواء جمال كحال في الأمن الداخلي بداية من شهر يوليو الماضي قد ربطت باستعادة الانسجام والتكامل داخل المديرية، فإن تعيين جبار مهنا، في الأمن الخارجي، قد يرتبط بالعقيدة الردعية للرجل في التعاطي مع الأعداء، وقد يكون المطلوبون والناشطون المهاجرون المعارضون للسلطة هم مهمته الأساسية في الدور الجديد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: