ركود سياسي غير مسبوق يحصر المواجهة بين السلطة وفلول الحراك في الجزائر

بليدي

رغم الاستحقاقات التي أُجريت في الجزائر منذ استقالة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة من انتخابات رئاسية أفرزت عبدالمجيد تبون رئيسا وانتخابات برلمانية وأخرى محلية، إلا أن الركود بات يشكل السمة الرئيسية التي تميز المشهد السياسي في البلاد حيث تواصل أحزاب الموالاة صمتها مقابل معارضة معزولة ما يمهد لانحصار المواجهة بين السلطة وفلول الحراك الشعبي.

تعرف الجزائر حالة من الركود السياسي غير مسبوقة حيث تغيب النقاشات السياسية رغم الوضع الداخلي الحساس الذي تشهده البلاد وأيضا الإقليمي الذي يبدو على رمال متحركة.

وتوارت ما تُعرف بأحزاب الموالاة عن الأنظار منذ فترة، بينما استفردت السلطة ببقايا المعارك مع فلول الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فيما ازدادت عزلة قوى المعارضة.

تلميحات غير مغرية

السلطة التي استعادت زمام المبادرة لم تتمكن إلى حد الآن من صياغة مشهد سياسي وحزبي يصنع التوازن بينها وبين الشارع

لم تغر تلميحات الرئيس عبدالمجيد تبون، بتغيير حكومي وشيك، الطبقة السياسية للمساهمة في تحديد هوية الفريق الحكومي القادم.

وحتى الأحزاب السياسية المحسوبة على الموالاة لم تعد تخوض في مسألة المشاركة في الجهاز التنفيذي، الأمر الذي زاد في استفراد السلطة بالقرارات الكبرى في البلاد، رغم ما يشكله من نزوع لافت نحو التسيير الأحادي.

ومنذ انتخاب تبون رئيسا للبلاد نهاية العام 2019، سجلت الطبقة الحزبية تراجعا كبيرا في مجال المشاركة السياسية في السلطة، فبدعوى حاجة البلاد لجهاز حكومي أرستقراطي لمواجهة التحديات القائمة، تمت إزاحة الأحزاب السياسية الموالية من المشاركة في الحكومتين الأخيرتين، ولم يعد لها إلا حضورا رمزيا لا يعكس هيمنتها على المجالس المنتخبة.

وباستثناء الشروط التي طرحتها حركة مجتمع السلم، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مقابل المشاركة في السلطة، فإن باقي الطبقة الحزبية اختارت التنازل غير المعلن عن حصصها في حكومتي عبدالعزيز جراد وأيمن بن عبدالرحمن، لصالح رئيس الجمهورية، بدعوى أولوية الخيار الأرستقراطي للمرحلة.

ويعكس الركود السياسي الذي يخيم على المشهد الجزائري في السنوات الأخيرة تراجع دور ومواقف الطبقة الحزبية بما فيها الموالاة، الناجم عن تراجع غير مسبوق للحكم الأفقي حتى ولو كان شكليا، مقابل صعود توجه أحادي لافت للسلطة، فمنذ المشاورات التي أطلقتها لجنة الحوار برئاسة كريم يونس خلال مرحلة الفراغ المؤسساتي، توارت الطبقة السياسية عن الأنظار.

وفقدت أحزاب الموالاة آليات تأييدها التقليدية للسلطة، وباتت تكتفي في أحسن الحالات ببيانات مقتضبة، تنطوي على تخبط وانزعاج من تجاهل السلطة لها حتى في أبرز الملفات المطروحة، أما المعارضة فقد ازدادت عزلة تحت ضغط السلطة من أجل فرض خط سياسي يكرس خطاب “الجزائر الجديدة” ويمجد وجوه المرحلة.

صمت مطبق

تلميحات الرئيس عبدالمجيد تبون، بتغيير حكومي وشيك، لم تغر الطبقة السياسية للمساهمة في تحديد هوية الفريق الحكومي القادم

رغم السابقة التي أودت بحياة سجين الرأي حكيم دبازي في مؤسسة عقابية خلال الأيام الأخيرة، وعدم صدور أي موقف أو تعليق من طرف السلطة حول ظروف وملابسات وفاة دبازي، الذي سُجن منذ عدة أشهر بسبب منشورات في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إلا أن الصمت خيم على الطبقة السياسية، ولم تسجل إلا أصوات معزولة هنا وهناك عن الحادثة.

واكتفى حزب جبهة التحرير الوطني، المستحوذ على الأغلبية في المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، تعليقا على إعلان الرئيس تبون عن عدم رضاه على أداء الطاقم الحكومي، وتلميحه إلى تعديل وشيك، بتوجيه انتقادات مقتضبة لبعض الوزراء.

ولم يكشف الحزب عن أي رؤية تعاتب رئيس الجمهورية عن خياراته كونه المسؤول الأول عن الحكومة، ولم يُذكر ببرنامجه وكوادره الحزبية للاضطلاع بمختلف المسؤوليات، على اعتبار أنه حزب الأغلبية.

وفي المقابل دعا رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، منافس تبون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى “ضرورة طي ملف مساجين الرأي”، و”الذهاب إلى تسوية بين السلطة والناشطين السياسيين المعارضين”.

لكن لم يصدر أي موقف أو تصريح حول المسألة من طرف باقي الأحزاب المحسوبة على السلطة، بما فيها تلك التي كانت في وقت سابق في صفوف المعارضة كحزب جيل جديد.

منذ انتخاب تبون رئيسا للبلاد نهاية العام 2019، سجلت الطبقة الحزبية تراجعا كبيرا في مجال المشاركة السياسية في السلطة

وإذ تمكنت السلطة من استعادة زمام المبادرة من الحراك الشعبي، تحت ضغط إجراءات التباعد التي فرضتها جائحة كورونا، والسياسة القمعية المتبعة تجاه المعارضة الشعبية، فإنها لم تتمكن لحد الآن من صياغة مشهد سياسي وحزبي يصنع التوازن بينها وبين الشارع، وحتى خيار المجتمع المدني الذي راهنت عليه لتغيير أطراف المعادلة، لم تنجح فيه لامتصاص حالة الاحتقان المستترة.

ولم تتمكن القوى السياسية التقليدية أو المستحدثة من ترميم شرعية السلطة المهتزة، ولا من تمرير أجندتها، حيث كانت القطيعة الشعبية واضحة في كل الاستحقاقات السياسية والانتخابية التي نظمتها السلطة، كما بدت خارج حسابات الضغوط التي فرضتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، حيث لم يسجل لها أي حضور أمام  التهديدات التي تلاحق الاستقرار الاجتماعي.

ووجدت الطبقة السياسية نفسها في موقف المتفرج أمام التحديات القائمة، سواء في ما يتعلق بالأوضاع السياسية والحقوقية، أو تهديدات الجبهة الاجتماعية، إذ لم يبق في الواجهة إلا سلطة تبحث عن تثبيت أعمدة حكمها، وبين حراك شعبي معارض لم يبق منه إلا مجرد فلول تقاوم آلات التضييق.

وتتجه خيارات السلطة في البلاد إلى تجريد الموالاة من دورها ومكانتها وإلى تفريغ الساحة من المعارضة السياسية، في ظل التضييق غير المسبوق على وجوه الخط الآخر، حيث تجري عملية حل أحزاب بدعوى عدم التكيف مع القوانين الناظمة، وسجن قادة حزبيين، كما حدث مع منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس، ورئيس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو، الواقع تحت النظر الأمني والمنتظر مثوله الأربعاء أمام أمن العاصمة.

ورغم تخطي الوضع الحقوقي لحدود البلاد، بعد تدخل هيئات ومنظمات حقوقية دولية لدى السلطات الجزائرية لمراجعة تعاملها مع الناشطين المعارضين، و”التضييق المسجل على الحريات السياسية والإعلامية”، إلا أن عزلة المعارضة وصمت الموالاة أفرغا الساحة من كل أشكال النقاشات والمبادرات السياسية، حيث لم تبق القبضة إلا بين السلطة وفلول الحراك الشعبي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: