الجزائر تحرك ورقة الأموال المهربة لاستعادة ثقة الشارع

حنان الفاتحي

عاد النظام الجزائري إلى ورقة الأموال المهربة واستعادة رجال الأعمال الهاربين إلى الخارج في مسعى لاستعادة ثقة الشارع التي تهاوت في ظل أزمة اقتصادية حادة بدا تأثيرها واضحا على الجزائريين من خلال ارتفاع في الأسعار بات يهدد قدرتهم الشرائية.

ووقعت الجزائر ولبنان اتفاقا قضائيا يشمل تبادل المطلوبين من طرف البلدين، وهو ما قد يمهد لجلب وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، الهارب منذ العام 2019، إلى بيروت، على خلفية ضلوعه في ملفات فساد مالي وسياسي خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وقالت أوساط سياسية جزائرية إن النظام دأب على تحريك ورقة الفساد وأموال الدولة المهربة كلما شعر بأنه فقد ثقة الشارع أو أن الناس بدأوا بالتململ كمقدمة لعودة الحراك الشعبي إلى الشارع واستعادة خطاب التغيير الذي نجح عبدالمجيد تبون في تهميشه الفترة الماضية من خلال المعارك الخارجية.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن النظام الجزائري لديه انطباع بأن الشارع لم تعد تعنيه المعارك مع فرنسا أو المغرب، وعلى العكس فقد بدأ وعي شعبي بالانتشار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يرى أن تلك المعارك هدفها التغطية على عجز السلطة عن التغيير، وأنها لا تمتلك أيّ برامج للإصلاح وتطوير أوضاع الجزائريين.

وأضافت أن السلطات الجزائرية بدأت تنكفئ إلى الداخل بعد فشل التصعيد الخارجي، حيث فشلت في تحقيق مكاسب من خلال معارك الذاكرة، ولم تتوصل إلى أيّ مكسب من تصعيدها ضد المغرب، وعلى العكس فقد قاد النظام الجزائري البلاد إلى عزلة إقليمية ودولية ليست فقط في ملف الصحراء، ولكن أيضا من خلال إدخال الغاز في اللعبة ليكتشف أن علاقات المغرب وصداقاته تمكنه بيسر من تجاوز وقف توريد الغاز، وأن الجزائر خسرت عائدات إضافية كما خسرت ثقة الحرفاء.

النظام دأب على تحريك ورقة الفساد والأموال المهربة كلما شعر بأن الناس بدأوا بالتململ كمقدمة لعودة الحراك الشعبي إلى الشارع

ويأتي الاتفاق مع لبنان في سياق مسعى النظام الجزائري لتفعيل علاقاته القضائية مع العديد من الدول، بغية تسهيل الحصول على الأشخاص المطلوبين من طرفه، وتحصيل ما يعرف بالأموال المهربة خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، لاسيما الأشخاص الذين كانوا في محيطة السياسي والمؤسساتي.

ويعتبر وزير الصناعة الأسبق عبدالسلام بوشوارب من بين الشخصيات التي أصدر القضاء الجزائري مذكرات توقيف دولية في حقها.

وصدرت في حق بوشارب أربعة أحكام قضائية غيابية تصل عقوبتها في المجمل إلى 80 سنة سجنا نافذا، إلى جانب شخصيات أخرى محسوبة على مرحلة بوتفليقة، بينهم ضابط سامون في المؤسسة العسكرية، يأتي على رأسهم قائد جهاز الدرك السابق الجنرال الغالي بلقصير.

وكثفت السلطات الجزائرية خلال الأسابيع الأخيرة من وتيرة حجز ممتلكات وعقارات لوجوه من النظام السابق، منها وزير الصناعة المذكور، ورجل الأعمال المسجون علي حداد، وذلك بعد أن وردت تقارير حول استمرار هؤلاء في التصرف فيها رغم وقوعها تحت طائلة الحجز القضائي.

وكانت تقارير محلية قد تحدثت عن تمكن عبدالسلام بوشوارب، المقيم في لبنان، من بيع شقتين فاخرتين في باريس، بمبلغ يقارب الثلاثة ملايين يورو، رغم وقوعها ضمن لائحة المحجوزات القضائية للجزائر.

وألمحت تلك التقارير إلى وجود تواطؤ في مكان ما داخل السلطة مكن الرجل من التصرف في تلك الممتلكات العقارية، لأن عملية البيع تمت رغم وجود ما أسمته، بـ”وجود مانع قانوني يحول دون ذلك لأن جميع أملاكه ومنقولاته العقارية والأرصدة البنكية داخل الوطن وخارجه قد تم حجزها بقرارات قضائية صادرة عن العدالة الجزائرية في قضايا الفساد المتابع فيها والتي فتحتها الأجندة القضائية منذ صيف العام 2019″.

وما زالت صعوبات دبلوماسية وقضائية تعترض مسعى السلطة الجديدة في الجزائر، من أجل استعادة ما يعرف بـ”الأموال المهربة إلى الخارج خلال حقبة بوتفليقة”، الأمر الذي أثّر على شعبية خطابها السياسي للرأي العام المحلي، لأنها كانت تدرج في تعهدات انتخابية أطلقها تبون خلال حملة انتخابية.

Thumbnail

وإذ كشفت السلطة القضائية في البلاد عن حجز نحو مليار دولار من الأموال والعقارات المملوكة لرجال أعمال ومسؤولين كبار، أهمها شركات خاصة تم تأميمها لصالح الدولة، إلا أن الحكومة الجزائرية لم تعلن عن أيّ إنجاز يذكر في هذا السياق بالنسبة إلى الأموال المهربة إلى الخارج، والتي قدرها تبون في وقت سابق بـ”عشرات المليارات”.

وفور الكشف عن بيع شقتي باريس سارع أعوان السلطة القضائية إلى حجز ممتلكات وعقارات تابعة لكل من الوزير السابق عبدالسلام بوشوارب، ورجل الأعمال المسجون علي حداد، الواقعتين في ضواح راقية بالعاصمة على غرار الشراقة وحيدرة وبن عكنون.

ولا زالت حملة الحرب على الفساد المفتوحة منذ انفجار قضية الكمية الضخمة من المخدرات (701 كلغ) المحجوزة في العام 2018 في ميناء وهران غرب البلاد، تعتريها العديد من الشبهات، كون بعض الدوائر أدرجتها في خانة تصفية الحسابات السياسية، وتوظيف الانتقائية في توجيه الاتهام لأصحابها، على اعتبار أن بعض الشخصيات الهاربة ما زالت بعيدة عن مساعي الجلب عكس شخصيات أخرى محسوبة على نظام بوتفليقة تتم ملاحقتها بشتى الوسائل.

وكانت الوثائق المسربة في الآونة الأخيرة عن بنك “كريدي سويس” قد تحدث عن حسابات للرئيس الراحل بوتفليقة، ولوزير الدفاع السابق أيضا الجنرال خالد نزار، تم فتحها في مطلع الألفية وأغلقت في 2011 و2013، تحت ضغط موجة الربيع العربي بالنسبة إلى الأول، والملاحقات القضائية بالنسبة إلى الثاني، وقد احتوت على العديد من الملايين من الدولارات.

وكشف بيان لوزارة العدل الجزائرية بأن “الاتفاقيتين تتعلق الأولى منهما بالتعاون القضائي في المجال الجزائي، والثانية بتسليم المجرمين، وأن لقاءات للتشاور جمعت بين وزير العدل الجزائري عبدالرشيد طبي ونظيره اللبناني العيد هنري الخوري”. كما التقى الوزير الجزائري بالرئيس اللبناني ميشال عون وسلمه رسالة من نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: