المعامل السرية في المغرب آفة تنهك المجتمع والدولة

ماموني

سلطت كارثة غرق عاملات بمصنع نسيج بطنجة المغربية الضوء على المعامل السرية الناشطة خارج القطاع الرسمي والتي تكشف عن الفساد والتهرب الضريبي، في ظل استغلال أرباب الأعمال لهشاشة الظروف الاجتماعية لتشغيل العمالة بأجور متدنية ودون حماية صحية مع وجود اتهامات للنقابات ولجان التفتيش بالتقاعس عن أداء دورها الرقابي.

أثار غرق ما يقارب 28 ضحية بطنجة يوم 8 فبراير الجاري، كانوا يشتغلون بمصنع غير قانوني للنسيج، جدلا حقوقيا واقتصاديا واسعا بخصوص واقع تواجد الوحدات الإنتاجية العاملة في السرية بالمدن الكبرى باعتبارها شركات خارج القانون تتهرب من الضرائب وتستغل العمال في ظروف لا إنسانية، لتتحول الكارثة إلى كابوس يؤرق السلطات والمجتمع على السواء باعتباره آفة تستنزف الاقتصاد والحقوق الشغلية.

وقد طرحت هذه القضية ظاهرة الاستغلال الاقتصادي وضعف الأجور وغياب التغطية الاجتماعية والقانونية والصحية فضلا عن الإضرار بالنسيج الاقتصادي الوطني من خلال التهرب الضريبي والنشاط خارج أطر الدولة.

وفي هذا السياق حاور طاقمنا  مجموعة من المتدخلين في الموضوع لمناقشة مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للقضية التي تسلط الضوء على شبكات أعمال تستغل حاجة الفقراء وتشغلهم في ظروف مهنية كارثية.

المعامل السرية غير قانونية

محمد بنعيسى: فساد النقابات أطلق الأيادي للعبث بحقوق العمال

تنتشر معامل سرية غير قانونية، للخياطة والنسيج وغيرها في العديد من المناطق حيث تشغل الآلاف من العمال بينهم العديد من القاصرين بينما هي لا تخضع للمراقبة الدورية وخارج الضوابط القانونية التي تنص عليها مدونة الشغل مما يعرضهم إلى مخاطر الحرائق والغرق.

وأكد محمد متقي، رئيس جمعية المقاولات المتوسطة والصغيرة لصناعة النسيج والألبسة، في تصريح لـه ، أن “المعامل الإنتاجية غير المنظمة واقع نعيشه منذ العشرات من السنين، وهي ليست وليدة اللحظة إنما هي تراكمات ونتاج سياسات كانت ربما غير صائبة”.

ويعتقد محمد أن “هذه الوحدات هي وحدات تأهيلية وتكوينية لمن لا تكوين له ولا خبرة، فهي تشغل المطلقة والأرملة والمنقطع عن الدراسة من أبناء المجتمع الحضري وكذلك أبناء العالم القروي والأحياء الفرعية”.

وتدخل المصانع غير القانونية ضمن الاقتصاد غير المهيكل الذي بلغ ما يقارب 30 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة ما بين 2009 و2018، حسب  دراسة حول “قياس وتطور الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب”، نشرها بنك المغرب المركزي.

ويرى خبراء أن القضاء على هذه الظاهرة لا يتوقف على تفعيل القوانين فحسب، وفي هذا السياق تقول البرلمانية عائشة لبلق، إن “الأمر يحتاج إلى سياسة عمومية أفقية، تنطلق من تفعيل مقتضيات دولة القانون في المجال الاقتصادي، والعمل سريعا على إدماج مثل هذه الوحدات، مهما كانت طبيعتها وحجمها، ضمن الاقتصاد المهيكل، في إطار جبائي ومالي واجتماعي واضح وشفاف”.

وحددت مدونة الشغل مسؤولية وزارة الشغل والإدماج في مراقبة تطبيق النصوص القانونية، والتنظيمية المعمول بها في الشركات، والمؤسسات التابعة للدولة، والجماعات المحلية، عبر جهاز تفتيش الشغل.

وتقول لبلق “ما حدث في طنجة بهوله وحجمه الكارثي يخاطبنا جميعا، وبالتالي لا مناص أمامنا سوى الاستمرار في مسيرة النضال إلى جانب العاملات والعمال في هذه الوحدات، من أجل ضمان حقوقهم الأساسية غير القابلة للتنازل تطبيقا للقانون ولمقتضيات الدستور”.

وشدد متقي، على ضرورة الإسراع بخلق أحياء صناعية للخروج من وضعية الاشتغال بالمناطق السكنية والأقبية، حتى يتسنى لهذه الوحدات الإنتاجية الغير منظمة الولوج إلى القطاع المهيكل، وأيضا إيجاد حلول لمشكل الضمان الاجتماعي وقانون تنظيمي مبسط يلائم هذه الفئة عبر ضريبة موحدة ومبسطة ومحاسبة مبسطة.

ولفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن “الوفيات الناجمة عن حوادث الشغل مهولة متسببة بنحو ألفي وفاة سنويا، موضحا أن “عدد الشركات التي تمتثل لإجراءات الحماية الصحية والسلامة، لا يتجاوز 17 في المئة”.

وفي هذا الصدد أشار شكيب لعلج، رئيس الاتحاد العام لشركات المغرب، إلى أن “القطاع غير المهيكل يضم نوعين، الأول اجتماعي والثاني غير اجتماعي، هذا الأخير يتمثل في شركات لا تصرح ولا تؤدي ما عليها، وقطاعات بأكملها تشتغل في هذا القطاع لأسباب غير اجتماعية”، مؤكدا أن “القطاع غير المهيكل يُهدد فرص العمل في القطاع المهيكل”.

استغلال اقتصادي

شكيب لعلج: القطاع غير المهيكل يُهدد فرص العمل في القطاع المهيكل

تنامت ظاهرة المصانع غير القانونية في عدد من المدن ومنها طنجة بسبب استغلال شركات النسيج سواء المهيكلة أو غير المهيكلة لانخفاض كلفة الإنتاج عبر تشغيل العمال والعاملات دون حماية اجتماعية.

ويستغل أرباب الشركات الهشاشة الاجتماعية للعمال بتشغيلهم دون عقدِ عمل حتى لا يتكبدوا مصاريف التأمين الصحي والاجتماعي، مقابل أجور هزيلة لا تتجاوز في الغالب 1500 درهم (150 دولارا شهريا) مقابل العمل لساعات طويلة في الليل والنهار.

وتتعالى الأصوات داخل الأوساط الاقتصادية والاجتماعية المطالبة بوضع حد للاستغلال الاقتصادي وتدني الأجور. وهنا لفت محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، في تصريح لـه،  أن “عدم تجديد النقابات، وضعف لجان التفتيش التي ينخر أغلبها الفساد، إضافة إلى تواطؤ السلطات، وانحدار مركز القضاء في مؤشرات الفساد الدولية، أطلق أيادي شبكات الفساد للعبث بحقوق العمال”.

واعتبر علي لطفي، رئيس المنظمة الديمقراطية للشغل في تصريح لـه،  أن المسؤولية السياسية والأخلاقية والإدارية تقع بشكل لا لبس فيه على الحكومة والإدارات التابعة لها التي لا يمكن لها أن تدعي جهلها بوجود أماكن عمل مثل هاته تفتقد لأبسط الشروط، وتمارس خرقا صريحا للقانون.

الحماية الاجتماعية

تضع الدولة الانتقال في اتجاه اقتصاد معلن وشرعي رهانا واجب التنفيذ، وكإشارة إلى تفاعلها مع ما حدث في مدينة طنجة أطلقت سلطات مدينة الدار البيضاء حملة واسعة، تهدف إلى إغلاق المعامل غير القانونية العاملة في قطاع صناعة الملابس الجاهزة والمنتجات الاستهلاكية.

وتستهدف الحملة مراقبة التراخيص المسلمة لعدد من الوحدات الصناعية المقامة في الأدوار الأرضية والأقبية، ومراقبة مدى توفر شروط السلامة ومنافذ الإغاثة التي يفرضها القانون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: