الدراسة عن بعد تحد جديد في المغرب

جعلت العودة القوية لفايروس كورونا في عدد من الدول العربية الحكومات أمام تحدّي تأمين التعليم، ففيما اختار البعض الدراسة عن بعد لإنجاح العام الدراسي، رأى آخرون أن التعلم في المدارس مع التقيد بالإجراءات الوقائية يمكن أن يكون حلا في ظل انتشار الجائحة.

تطرح العودة المدرسية في ظل استمرار جائحة كورونا تحديا كبيرا أمام الحكومة المغربية ما دفع وزارة التربية إلى الإعلان عن إجراءات استثنائية للعودة المدرسية هذا العام حيث قررت اعتماد “التعليم عن بعد” في بداية الموسم الدراسي الذي سينطلق في 7 سبتمبر المقبل في كافة المؤسسات التعليمية التابعة للقطاعين العام والخاص وكذلك بالنسبة إلى مدارس البعثات الأجنبية.

وبدأ المغرب منذ 20 مارس الماضي في اعتماد خيار التّعليم عن بُعد، بسبب تفشّي فايروس كورونا، حيث أعلنت وزارة التربية عن برنامج لهذه الآلية لإنقاذ السّنة الدراسية.

وأوضحت الوزارة أنه سيتم توفير “تعليم حضوري للتلاميذ الذين يختار أولياء أمورهم ذلك”، مبرزة أن القرار يأتي نظرا للوضعية الوبائية المقلقة التي تعيشها البلاد حاليا، والتي تتسم بارتفاع كبير في عدد الإصابات والوفيات.

وقد يتحقق حل التباعد في بعض المؤسسات التعليمية التابعة للقطاع العام إلا أن هناك ضرورة لاستخدام تقنيات حديثة تشجع على توسيع الاستفادة من التعليم عن بعد. كما يفرض اعتماد هذا النظام إجبارية توفير الإمكانيات التي تتيح للأسر تدريس أبنائها من خلال توفير لوحات رقمية وأجهزة كمبيوتر وشبكات هاتف نقال ووسائل اتصال بالإنترنت، تمكن الأساتذة والأطفال وأولياء أمورهم من استخدامها.

ويؤكد محمد الشلوشي، الباحث المغربي في مجال التربية، أن استغلال وسائط الاتصال والموسوعات الإلكترونية والوثائق بتوجيه بسيط من الآباء سيساعد التلميذ على التعمق في دروس التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية دون التقيد بحدود المنهاج الرسمي، وبالتالي بناء مواقف تقييمية حولها، وهذا من أبرز أهداف البرنامج، ناهيك عن الاستفادة من المنصات التعليمية المتميزة لبناء المفاهيم الرياضية والفيزيائية بشكل معمق ومتين.

جدل متواصل

يعد التعليم عن بعد من الأشكال الحديثة للتعليم التي واكبت تطور المجال الرقمي. وعرفت الجمعية الأميركية هذا النظام بأنه عملية اكتساب المعارف والمهارات بواسطة وسيط لنقل معلومات التعلم متضمنا في ذلك جميع أنواع التكنولوجيا والأشكال الحديثة والمختلفة للتعليم، وهو تلك العملية التعليمية التي يكون فيها المتعلم بعيدا عن المعلم.

ويعتقد محمد أقديم المستشار في التخطيط التربوي، أنه “يجب اعتبار الجائحة فرصة لإعادة تعريف المدرسة والانتقال من المفهوم القديم للتدريس إلى الجديد المعتمد على التكنولوجيات الحديثة لنسرع تطوير منظومتنا التعليمية وليس في وضعية الجائحة فقط”.

وتتخوف الأسر المغربية من استمرار اعتماد التّعليم عن البعد. وعبرت بعض العائلات عن رغبتها في إرسال أبنائها إلى المدارس، خاصة بعد تطمينات وزير التربية سعيد أمزازي بأنّ “صحّة التلاميذ هي أولى الأولويات”، وبأنّه سيعمل على “ضمان استفادة التّلاميذ من حقّهم في التّمدرس والحفاظ على صحّتهم”.

ودعت وزارة التربية الأسر الراغبة في استفادة أبنائها من تعليم حضوري بالمؤسسات التعليمية إلى التعبير عن هذا الاختيار من خلال تعبئة استمارة مخصصة لذلك.

وتتضمن الاستمارة معلومات من بينها اسم ولقب ولي أمر التلميذ ورقم بطاقته الوطنية وتحديد صلة قرابته بالتلميذ (أب أو أم أو ولي أمر)، ومعلومات حول التلميذة أو التلميذ تشمل الاسم واللقب والرقم الوطني “مسار” والمستوى التعليمي والمؤسسة التعليمية والمنطقة التي يقيم بها.

وأكدت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن “إسناد قرار التعليم الحضوري لأولياء التلاميذ تهرب من المسؤولية ومجازفة غير محسوبة العواقب”، كما أن قرار التعليم عن بعد “يضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ويرضي فقط لوبي التعليم الخاص”.

ودعا الشلوشي وزارة التربية إلى اعتماد نمط ثالث إضافي لتوسيع إمكانيات التعلم في زمن كورونا وما بعده، وهو التعليم المنزلي الذي عرّفه الباحث بكونه “التعليم الذي لا يلتحق فيه التلميذ بالمؤسسة التعليمية نهائيا، ويلتزم بالتعلم في البيت وفق منهاج تعليمي خاص، ويجتاز الامتحانات كمرشح مستقل مع تلاميذ مدارس القطاع العام متى أراد ذلك دون تمييز أو شروط تربوية”.

ويرى باحثون مغاربة أن التعلم في المدارس ضروري نظرا لقلة توفر الإمكانات التقنية في القرى والأرياف مع ضعف شبكة الإنترنت في البعض من المناطق وعدم توفر الأجهزة الإلكترونية الجيدة للجميع، إضافة إلى صعوبة الحصول على الإشارة الترددية للقنوات المغربية التي تعتمد جهاز “تي.أن.تي” أو الهوائيات وليس التردد التقليدي.

يجب اعتبار جائحة كورونا فرصة لإعادة تعريف المدرسة والانتقال من المفهوم القديم للتدريس إلى الجديد

وقال محسن كناوي معلم التعليم الابتدائي، إن “التعليم عن بعد لا يخدم مصلحة التلميذ بتاتا نظرا لانعدام الشروط الموضوعية والذاتية، لأن التلاميذ يستغلون شبكة الإنترنت في أمور لا علاقة لها بالتعليم وغير واعين بالمسؤولية المنوطة بهم إلى جانب غياب الدور الأساسي للمدرس والمتمثل في الزجر والتنبيه”.

وشدد وزير التربية سعيد أمزازي على أنه يمكن استغلال الحجرات الكبيرة في مدارس القطاع العام لتدريس حوالي 20 تلميذا على أقصى تقدير، أما في المدارس الخاصة التي تملك حجرات أصغر يكون أكبر عدد مسموح به لتدريس التلاميذ في غرفة واحدة 15 تلميذا وهو ما يوفر شرط التباعد لمسافة متر بين التلاميذ.

وقال أقديم إنه يمكن اعتماد التعليم عن بعد بالنسبة إلى الاختصاصات الأدبية والعلوم الإنسانية بينما يكون التعلم الحضوري مخصصا للاختصاصات العلمية والتقنية. كما يمكن اعتماد التعليم الحضوري في القرى لعدم وجود الاكتظاظ به خاصة في المراحل الابتدائية ولعدم انتشار الوباء في الأرياف بالإضافة إلى فقر معظم الأسر وعدم امتلاكها الإمكانيات المادية للدراسة عن بعد.

ودعا المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان وزير التربية والتعليم العالي إلى إعادة النظر في القرار الوزاري الذي يخيّر أولياء التلاميذ بين التعليم الحضوري والتعلم عن بعد، لأن هذا النظام الأخير “يستلزم تأمين الدولة لمقومات نجاحه، حتى يراعي مبدأ تكافؤ فرص التعليم لكافة التلاميذ، بدل ترك الأمر بيد الأسر، التي يتعذر لدى نسبة كبيرة منها تحقيق تلك المقومات”.

والتمس المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان اعتماد النظام الحضوري بشكل رئيسي واعتماد إجراءات تنظيمية ملائمة داخل المؤسسات التعليمية، بما في ذلك العمل على تقليص عدد التلاميذ في قاعة الدرس، على ألا يتجاوز عددهم العشرين، مع اعتماد نظام الساعات الإضافية لفائدة الكوادر التربوية لتحفيزهم على المساهمة في رفع التحدي الكبير الذي تواجهه العملية التعليمية برمتها في المغرب.

ولفت كناوي إلى عدم توفر الإمكانيات المادية الضرورية لمسايرة التعليم عن بعد فأغلب الأسر المغربية لا تملك مالا لتصرفه على الضروريات فما بالك ببطاقة التعبئة، أما في المناطق النائية فلا توجد شبكة اتصالات، وإن وجدت خدمات الإنترنت تكون جودتها متردية.

تحديات التعليم عن بعد

ويعد ضعف شبكة الإنترنت من بين عقبات التعليم عن بعد فهو يعيق التواصل بين المعلم والتلميذ، ويكون حجة لعدم متابعة الدروس إضافة إلى أن المدرسين لم يتلقوا تدريبا يساعدهم على التعامل مع وسائل التواصل الإلكترونية.

وترى الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن مردودية التعليم عن بعد ضعيفة، بالإضافة إلى المشكلات التي لا تزال عالقة بين المدارس الخاصة وأولياء أمور التلاميذ بخصوص العام الدراسي الماضي.

ودعت الجامعة إلى تأجيل العودة المدرسية إلى حين سماح الوضعية الوبائية بذلك، وإنجاز رؤية وبرنامج متكاملين لإنجاح مرحلة ما بعد كورونا.

وأكدت هناء كندري، الأستاذة والمدربة المعتمدة في مجال التنمية الذاتية، أن هناك تفاوتا في كفاءات المعلمين التكنولوجية وفي توظيف الخدمات الإلكتروني فالكثير منهم يعاني من عدم قدرته على الانخراط في عملية التعليم عن بعد بكفاءة ومهنية وخصوصا في المواد التعليمية التي تستدعي شرحا دقيقا كالرياضيات والنشاط العلمي وتطبيقات عملية يحتاجها البعض من المواد التعليمية الأخرى.

وتشكل مدارس القطاع العام هاجس وزارة التربية، أكثر من المدارس الخاصة، لأن التعليم العام يضم سبعة ملايين تلميذ في حين أن التعليم الخاص بالكاد يستوعب 15 في المئة من مجموع التلاميذ في المغرب. ويطرح هذا الأمر مشكلة التعليم عن بعد في الأرياف. وقال أقديم إن الديموغرافيا المدرسية في القرى محدودة والاكتظاظ فيها ضعيف بالمقارنة مع المدن. كما أن عدد التلاميذ في قاعة الدرس قليل وانتشار الوباء في الريف أقل من انتشاره في المدن، ما يعني أنه بإمكان المدارس في الأرياف فتح أبوابها لاستقبال التلاميذ.

يشير الخبراء إلى أنه يمكن اعتماد التعليم عن بعد لأبناء العائلات الميسورة والطبقة المتوسطة لتوفرها على الوسائل التقنية للدراسة عن بعد، وهو خيار قد يخفف من الاكتظاظ في المدارس.

كما يرى أقديم أن المستوى الثقافي للآباء المتعلمين غالبا ما يسمح بمتابعة تعليم أبنائهم، في حين أن أبناء الأميين وذوي المستوى التعليمي المتواضع يناسبهم التعلم في المدارس أفضل من التعلم عن بعد.

وتقول الأستاذة كندري إن واقع التعليم عن بعد كتجربة في الأشهر الماضية تؤكد “أننا لا نملك المؤهلات والوسائل التي يحتاجها”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: