الاستثناء المغربي في العالم

يتابع الرأي العام المغربي ما أصبح يعرف بقضية العالقين المغاربة، بعد إغلاق الحدود في وجه بعض أبناء الشعب، الذين يتواجدون في الخارج بسبب فيروس كورونا، وتمنع سلطات الرباط ومنذ أكثر من شهر عودتهم بمبررات غير واضحة حتى الآن، كما تمنع غالبية مغاربة أوروبا من العودة إلى ديارهم. وهذا يدفع إلى التساؤل عن مسؤولية الدولة المغربية كجهاز للتسيير والتنفيذ في اتخاذ هذا القرار الذي يشكل استثناء على المستوى العالمي.
وانقسم العالم في التعاطي مع محاربة فيروس كورونا إلى قسمين، دول فرضت الحجر الصحي، وفرضت قيودا على السفر، أي أغلقت الحدود نسبيا وتلزم كل شخص مسافر من مدينة إلى أخرى داخليا، أو إلى دولة أخرى بتبرير السفر بمبررات مقنعة. ورغم تسجيل أوروبا أعلى مستوى من الإصابات والوفيات، تعمل القطارات مثلا في إسبانيا بين المدن، ويمكن السفر من مطارات البلاد إلى دول أوروبية، بل حتى بين المدن. وتعتقد هذه الدول بضرورة استمرار الحياة في البلاد ولو في حدها الأدنى.
بينما أقدم القسم الثاني على إغلاق تام للحدود وبشكل مفاجئ، ويدخل المغرب ضمنه. وتتميز الدول التي أقدمت على مثل هذه التدابير ببنياتها الصحية الهشة وضبابية القرار السياسي، وبالتالي راهنت على الحلول الراديكالية. وعلى الرغم من الاختلاف في التعاطي مع الحجر الصحي، حرصت كل دول العالم على إجلاء مواطنيها من الخارج عبر رحلات جوية بالتنسيق مع مجموعة من الدول، أو رحلات فردية، بل حتى بحرية مثل حالة الولايات المتحدة والجزائر وإسبانيا وتونس. وهنا ستسجل الدولة المغربية الاستثناء العالمي، حيث رفضت السماح بعودة المغاربة، الذين غادروا بتأشيرة للسياحة أو التطبيب أو الأعمال، والغريب هو رفضها كذلك عودة المغاربة الذين يدخلون يوميا إلى سبتة ومليلية المحتلتين للتبضع، والعمل واعتادوا العودة في المساء. ونتج عن قرارها هذا أوضاعا إنسانية صعبة للمتضررين.
ويوجد اختلاف في تحديد أرقام المغاربة العالقين في الخارج، بين الحديث عن سبعة آلاف، وهو ما جاء على لسان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وأكثر من 18 ألفا، كما جاء على لسان مسؤولة الهجرة في الحكومة نزهة الوافي. وتبرر الدولة المغربية القرار بما يصطلح عليه بحماية «الأمن الصحي» للمغرب وضعف القدرات على استقبال هذا العدد. وبرزت فئة صغيرة تبرر قرار الدولة المغربية، وتمارس السب والقذف ضد كل من رفع مطلب عودة العالقين، أو انتقد تدابير السلطات في مواجهة كورونا، وتروج لأطروحة تصفيق العالم للتدابير التي اتخذها المغرب. ويحدث هذا في وقت، تشهد فيه الدول الديمقراطية الواثقة من نفسها جدلا حول مدى نجاعة التدابير المتخذة من طرف الحكومات، ويكفي رؤية ما يجري في فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا واليونان، بل حتى لبنان من مساءلة الحكومات، بدافع الوطنية والغيرة على الشعب.

حرصت كل دول العالم على إجلاء مواطنيها من الخارج عبر رحلات جوية أو رحلات فردية أو بحرية

ماذا يقول الدستور والقوانين الدولية في قرار الدولة المغربية، ترك المواطنين عالقين؟ في البدء، لم توصِ منظمة الصحة العالمية، أي دولة بإغلاق الحدود في وجه مواطنيها، بل أوصت بالحجر الصحي الذكي. ويؤكد المحامي المغربي صبري، عدم وجود أي نص قانوني ودستوري مغربي يمنع عودة المواطنين من الخارج، بل بالعكس يضمن تلك الحرية. ويبرز تقييد قانون الطوارئ حرية التنقل وسط الوطن، ولكن ليس الحق في العودة إليه. ويتابع مستشهدا ببنود قانونية بخرق الدولة المغربية للقوانين الوطنية والدولية، بما فيها قواعد الشرعية الدولية في ملف العالقين. وينتهي إلى وجود آليات لحل هذا الإشكال، عبر السعي لعودتهم وإخضاعهم جميعا للحجر الصحي.
وماذا عن الأمن الصحي للمغاربة؟ الدول التي لديها حرص حقيقي على الأمن الصحي للشعب هي تلك التي تخصص ميزانية محترمة لقطاع الصحة، وهذا لا يتوفر في الدولة المغربية، التي تبقى دون المعدلات التي توصي بها الأمم المتحدة، بل قامت بتطبيق مستويات مقلقة من نيوليبرالية في هذا القطاع. ومن ضمن الأمثلة، خلال الوباء العالمي أنفلونزا الخنازير لسنة 2009 الذي لم يصل في حدته إلى مستوى فيروس كورونا، نصح بعض الخبراء المغرب بتوسيع شبكة مختبرات التحاليل الطبية للأوبئة، إلى سبعة على الأقل. ولا تتجاوز الكلفة المالية لخمسة مختبرات ربع ميزانية مهرجان موازين الغنائي، الذي ينظم في الرباط. وحتى الأسبوع الماضي، كان للمغرب مختبران فقط، ولم تتجاوز التحاليل ثمانية آلاف تحليل، والآن ارتفع إلى 13 ألف تحليل بعد فتح أربعة مختبرات جديدة منذ أسبوع فقط. وعلاقة بالعامل الطبي دائما، لم تبرز أي دراسة تأثير المواطنين الذين جرى إجلاؤهم على رفع نسبة الإصابات. ومن ضمن الأمثلة، أجلت الجزائر ما يفوق 12 ألفا من مواطنيها، وتونس أجلت نسبة أقل، ولم يرفع هذا من نسبة المصابين في البلدين، بل نسبة المصابين أكثر في المغرب. وعلاقة بقدرة استيعاب العالقين، كل دول العالم أجلت مواطنيها، سواء الفقيرة منها أو الغنية، ولجوء المغرب إلى التذرع بضعف البنيات غير مبرر لسببين، الأول هو أنه ليس كل العالقين مصابين، بل نسبة الإصابات في صفوفهم لم تتجاوز خمسة أشخاص من أصل ما يفوق سبعة آلاف، والسبب الثاني هو توفر المغرب على سلسلة فنادق وأحياء جامعة كافية، لإبقاء العائدين في الحجر الصحي، وهو البلد الذي نظم المؤتمرات الكبرى السياسية والمدنية والرياضية. وفي ملف آخر وإن كان بصورة معاكسة، منعت الدولة المغربية المغاربة المقيمين في أوروبا من مغادرة البلاد، وعددهم يقارب الثمانية آلاف. يحدث هذا في وقت سمحت بإجلاء الدول لما يفوق 80 ألفا من السياح كانوا يتواجدون في المغرب بعد إغلاق الحدود. ولا يوجد أي مبرر طبي أو لوجيستيكي في هذا الملف، باستثناء سبب واحد يدخل في نطاق الحسابات السياسية المحضة، في علاقة الرباط ببعض العواصم الأوروبية.
في ظل استمرار الجدل حول مسؤولية الدولة المغربية في اتخاذ قرار غير مناسب ضد فئة من أبناء الشعب المغربي، وجه العالقون رسالة مؤثرة إلى الدولة، وجاء في فقرة مهمة ما يلي: «بلدان العالم من أغناها إلى أفقرها، لم تتوان في اتخاذ كل الإجراءات لإرجاع أبنائها وحمايتهم، ما يجعلنا نعتبر أن تقاعس الحكومة عن ترحيلنا ليس راجعا لقلة الإمكانيات، بل هو موقف لا ندري دوافعه وأهدافه وحيثياته». لا أحد يعرف حتى الآن السر الكامن في اتخاذ المغرب لهذا القرار الاستثنائي في العالم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: