الجزائر.. مغامرة الانضمام إلى طريق الحرير الصينية

هل تغامر الجزائر في مرحلة الرئيس عبدالمجيد تبون باستبدال سياساتها التقليدية المتمثلة في تنويع علاقاتها مع الدول المحورية في العالم، بسياسات الارتماء في أحضان الصين؟ وهل يعني هذا أن الجزائر ستستبدل التبعية للرجل الأوروبي بالتبعية للرجل الآسيوي؟ وهل ستقف فرنسا، ومعها أوروبا، مكتوفة الأيدي، أم أنها ستلجأ مجتمعة إلى استخدام مختلف أوراق الضغط لديها وسياسات لي ذراع رجل شمال أفريقيا المريض؟

هذه هي الأسئلة التي طرحها المراقبون السياسيون في هذا الأسبوع بعد أن أعلن الوزير الأول الجزائري عبدالعزيز جراد، على نحو غير متوقع، عن موقف لا أحد يدري إذا كان ترجمة حقيقية لموقف رئاسة الدولة ومختلف الجهات التي تتحكم فعليا في صنع القرار السياسي الوطني أم لا؟

جاء في تصريح جراد أن الجزائر تقترب من الانضمام إلى طريق الحرير الصينية، وبرر ذلك بتعاون الصين السلس مع السلطات الجزائرية بواسطة تقديم المساعدات الطبية لها لمحاربة فايروس كورونا. من الواضح أن هذا المبرر الذي قدمه الوزير الأول الجزائري غير منطقي لأن المعونة المالية الهزيلة التي خص بها الاتحاد الأوروبي الجزائر (75 مليون أورو) لم تكن مطلوبة أصلا، خاصة وأن الجزائر في نظر أبنائها والاتحاد الأوروبي ليست فقيرة بل هي دولة نفطية محورية ولها احتياطي من العملة الصعبة يكفي في المدى القريب للتعامل بمرونة مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تنجر عن ظهور وباء كورونا في البلاد وسقوط الضحايا. وفي هذا الخصوص انتقد الناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي ومعهم عدد من أحزاب المعارضة قبول القيادة السياسية الجزائرية بهذا النوع من المعونات التي تنال من كبرياء الشعب الجزائري، وتظهر البلاد أمام الرأي العام الوطني والإقليمي كدولة “مغبونة” ومتسولة، في الوقت الذي تصنف الجزائر ضمن الدول التي تملك الثروة.

من الملاحظ أن تصريحات عبدالعزيز جراد قد قوبلت بنقد أوروبي صريح، وفي هذا الخصوص سجلت وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للقطاع الخاص والقريبة من النظام الجزائري أن قيادات فرنسا بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام قد أبدت انزعاجها من السلوك الجزائري، ما يعني أن أفق العلاقات الجزائرية – الأوروبية قد يشهد توترا، وربما تحولا خطيرا في الشهور القليلة القادمة، إذا مضت الجزائر قدما في طريق الانضمام الرسمي إلى طريق الحرير الصينية. وهنا نتساءل هل تقدر الجزائر أن تقامر بعلاقاتها مع أوروبا وأن تلغي بجرة قلم الاتفاقيات المبرمة رسميا مع فرنسا والاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات الحيوية في الاقتصاد والصناعة والتعليم وغير ذلك؟

التعقيدات الراهنة التي يعاني منها الوضع الجزائري العام لا تسمح بمغامرات غير محسوبة لا تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الحقائق الثابتة

عمليا فإن الإقدام على مثل هذه الخطوة سوف يؤدي دون شك إلى فرض فرنسا ومعها دول الاتحاد الأوروبي عقوبات صارمة توجه بطرق مختلفة لضرب عصب التنمية الوطنية الجزائرية، ما سيتسبب حتما في إلحاق الأضرار بالأمن الاقتصادي الجزائري الهش، ويمكن أن يطور الاتحاد الأوروبي آليات معاقبة الجزائر أيضا في صورة ممارسة ضغوط سياسية قوية أخرى لها علاقة بالحراك الشعبي الذي يوجد في حالة هدنة مؤقتة ولكنه ينتظر انتهاء أزمة كورونا ليعود إلى الواجهة السياسية، فضلا عن إمكانية استخدام أوراق أخرى ضد الجزائر لها صلة وطيدة بالنزاعات القديمة – الجديدة المعروفة في المنطقة المغاربية.

ولكن تحليلات المراقبين السياسيين الجزائريين تقلل من أهمية تصريحات عبدالعزيز جراد المتضمنة تلويحه بإحداث قطيعة راديكالية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي حيث يرون أنها تعبيرات عاطفية ومجرد طعم للاستهلاك المحلي، ولا يمكن أن تترجم إلى واقع مادي. وتستند حجة هؤلاء إلى عدة عوامل متضافرة في مقدمتها أن سياسات الجزائر التقليدية تتميز بأنها غير انقلابية كما أنها مصفحة ببراغماتية تنويع علاقاتها الدولية، إذ من الصعب أن يشطب الوزير الأول جراد هذا التقليد السياسي الجزائري، ويستبدله عشوائيا بعلاقات منفردة لا تأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة التي ستترتب عليها.

ويرى هؤلاء المراقبون أيضا أن التعقيدات الراهنة التي يعاني منها الوضع الجزائري العام لا تسمح بمغامرات غير محسوبة لا تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الحقائق الثابتة، وفي طليعتها التزام الجزائر منذ استقلالها بشكل خاص بمبدأ عدم الانحياز الذي يتعارض مع الانسياق في صراعات القوى العظمى والمحورية.

بالإضافة إلى ما تقدم فإن الجزائر لا تقدر بمفردها أن تلغي اتفاقيات إفيان، والعقود المبرمة في مجالات النفط، والاستيراد المتبادل، أو تتجاهل عاملا محوريا آخر وهو عامل الجالية الجزائرية في فرنسا وأوروبا التي تقدر بخمسة ملايين جزائري، علما أن لهذه الجالية تأثيرا حقيقيا على الاقتصاد الوطني المشروط باستقرار العلاقات الجزائرية الفرنسية – الأوروبية.

وفي الحقيقة فإن النقد الموجه للوزير الأول الجزائري بخصوص تصريحاته المذكورة يفسر، أوروبيا وغربيا، بأنه زج بالجزائر في الصراع بين الاتحاد الأوروبي، وبين الصين الأمر الذي سيحولها إلى خصم مباشر للغرب الذي ما فتئ يحذر من أن الهدف الحقيقي من وراء تحركات الصين تجاه الجزائر وغيرها من الدول بشمال أفريقيا وامتداداته إلى العمق الأفريقي والعالم العربي، يرمي إلى زحزحة دول أوروبا من الفضاء الأفريقي والمغاربي والعربي بالشرق الأوسط وتوظيف ذلك صينيا من أجل رسم نظام عالمي جديد بقيادتها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: