خالد آيت الطالب الوزير الطبيب الذي يصغي جيدا إلى رسائل الملك

جميع الأضواء الكاشفة مسلطة، هذه الأيام، على وزير الصحة المغربي الطبيب خالد آيت الطالب، ولا يعلم أحد هل كان من حظه، أم لسوء طالعه، أنه وبعد مباشرة مهامه على رأس وزارة حساسة قبل أشهر قليلة، يقف اليوم وجها لوجه كطبيب ومسؤول حكومي أمام خطر الكورونا القادم من الشرق.

فقبل ساعة من الإعلان الرسمي عن أول حالة “كوفيد – 19”، بالمغرب، عقد وزير الصحة، رفقة رئيس الحكومة المغربية، مؤتمرا تواصليا للحديث عن هذا الفايروس المتفشي عالميا ووضع حد للإشاعة وترويج أخبار كاذبة ووهمية. وقد نوّه الكثيرون بالسياسة التواصلية التي اعتمدتها وزارة الصحة للتعريف بفايروس كورونا وبيئة انتشاره وكيفية التعاطي معه، في المقابل يعيب البعض عن البنية الاستشفائية التي لن تستطيع حسب زعمهم التعامل مع هذا المشكل الصحي الذي فشلت أعتى الدول في الحد منه.

عدد من الوجوه المختلفة مرّت على وزارة الصحة لكن مسار الوزير المنحدر من المجتمع الصحي المغربي أكاديميا وممارسة، لا علاقة له مباشرة بمجال السياسة أو الاقتصاد، ما جعله وجهاً نموذجيا يلتحق بحكومة سعدالدين العثماني، في نسختها الثانية، في أكتوبر 2019، بعد أكثر من خمس سنوات في منصب مدير المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس، حيث شهدت المنظومة الطبية داخل المركز تطورا وتحديثا.

قلق الكورونا

وزير الصحة المغربي يحاول طمأنة المواطنين بالتشديد على أنه تم، وفي كافة مدن المملكة، تخصيص غرف في المستشفيات لاستقبال الأشخاص المحتمل إصابتهم بفايروس كورونا. علاوة على تأكيده أن المغرب يتوفر على مخزون من 12 مليون كمامة

إجراءات جد مهمة باشرها آيت الطالب على رأس المركز الاستشفائي الحسن الثاني، منها ما يخص البنية التحتية والبشرية وطريقة تدبير الاختلاف مع الجسم الطبي والنقابي بهذه المؤسسة الاستشفائية، وهو ما أهّله ليكون شخصية طبية وإدارية ذات كفاءة حيث عمل رئيسا لقسم جراحة الأمعاء، ومديرا عاما للوحدة الصحية بالمركب الجامعي بفاس، وجاء توشيحه من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس كأفضل شخصية سنة 2018 من ضمن شخصيات بارزة اعتلت كراسي المسؤولية.

“الفايروس عصيّ عن التحرّز عليه جغرافيا وطبيا”. هذا ما كشف عنه الوزير، الذي أكد أن حامل فايروس كورونا شاب مهاجر زار أربع مدن بالمغرب، سطات، الدار البيضاء، الجديدة وورزازات، جغرافيا ليست بالهين التعامل معها طبيا و”لكن وزارة الصحة تؤكد أن المراقبة شديدة لجميع الذين احتكوا مع حامل الفايروس، ودرجة اليقظة عالية جدا، ويمكن إعلان إجراءات احترازية ووقائية أكثر”.

لكل موسم استراتيجيته، فمع وصول فايروس كورونا، ثبت أن المغرب ليس بمنأى عن الوباء، وهذا سيخضع لإجراءات احترازية تتخذها وزارة الصحة باعتبارها ستدخل امتحانا لإثبات نجاعتها وقدرتها على حماية الوطن. إنها مهمة قاسية في ظروف حادة لكن المطلوب هو أن تقوم المؤسسة بعملها على أكمل وجه وليست هناك مطالب تعجيزية، فالوزارة تقوم الآن بما يلزمها القيام به من تواصل وحملات تحسيسية تهم إجراءات الوقاية والطرق المثلى لمباشرة الإسعافات الأولية.

ويمكن الاتفاق مع رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبدالإله الخضري، إلى الحد المعقول والموضوعي عندما قال إنّ المراهنة على قدرة وزارة الصحة على مواجهة الفايروس أمر يصعب تبنيه، ما لم يصدر قرار بزيادة الميزانية المخصصة لمواجهة الوباء، مع ضرورة التنسيق مع الدول والمؤسسات التي لها القدرة على التصدي لهذا الفايروس.

ومع وصول كورونا المغرب وما تعرفه عدد من المستشفيات من اكتظاظ ومشاكل في مواكبة العدد الكبير من المرضى الذين يتوافدون على مستشفيات المملكة، يبرز على السطح ملف التغطية الصحية الشاملة التي تعد أحد التحديات الرئيسية المطروحة على المنظومة الصحية بالمغرب، كما يقول آيت الطالب، وأحد أبرز أوراش تعزيز الحماية الاجتماعية وتقليص النقص في الخدمات الاجتماعية.

وقد شكك البعض في أن تكون المؤسسة الاستشفائية مولاي يوسف بالدار البيضاء مؤهلة لاستقبال حالة المصاب بفايروس كورونا وحالات أخرى محتملة، لكن وزير الصحة دافع عن الاختيار مبررا ذلك طبيا بكون المستشفى يعتبر مؤسسة مرجعية لمثل هذه الأمراض، حيث يتوفر على غرف فيها ضغط هوائي منخفض، مما لا يسمح بخروج الهواء من الغرفة التي يوجد فيها المصاب.

وطمأن الوزير المواطنين إلى أنه تم، وفي كافة مدن المملكة، تخصيص غرف وخلايا بالمستشفيات لاستقبال الأشخاص المحتمل إصابتهم بفايروس كورونا، وبالأرقام يوجد أيضا 670 سريرا لاستقبال الحالات التي قد تصاب بهذا الفايروس، كما يتوفر المغرب على جميع المعدات للتصدي لهذا الفايروس، وعلى مهنيين مدربين للعناية بهذا النوع من الأمراض.

كفاءات عند الضرورة

تقرير “الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة” يكشف أنّ الاستراتيجيات الصحية التي تبنتها الحكومة منذ العام 2012، كانت مجرد تصريحات وشعارات وإعلانات سياسية، تخللتها وعود والتزامات غير قابلة للتحقيق في ظل سياسة مرتجلة من دون أهداف

بعد التعيين لأول مرة كوزير اعتز آيت الطالب بالثقة الملكية التي حظي بها على رأس هذا القطاع الحساس للغاية، مقرا من باب العارف والعضو بلجنة الخبراء بوزارة الصحة منذ عام 2008 أن هذا القطاع يواجه العديد من التحديات التي يتعين رفعها لتلبية انتظارات المواطنين، ولمواجهة هذه التحديات قرر الاستفادة من الكفاءات التي يزخر بها القطاع، مبرزا في هذا الإطار أهمية السلم الاجتماعي والاقتراب قدر الإمكان من المريض المغربي لنيل ثقته.

هذا كلام لا غبار عليه لكنه يحتاج إلى تفعيل على أرض الواقع، خصوصا ونحن نقرأ تقريرا صادرا عن “الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة” يقول إنّ الاستراتيجيات الصحية التي تبنتها الحكومة من سنة 2012 “مجرد تصاريح وشعارات وإعلانات سياسية، تتخللها وعود والتزامات غير قابلة للتحقيق في ظل سياسة مرتجلة دون أهداف وأولويات حقيقية وميزانية ملائمة للحاجيات والانتظارات المعبر عنها من طرف المواطنين والجهات”.

آيت الطالب القادم من مدينة أغادير جنوب المغرب، يقوم بما يمليه عليه ضميره المهني والأخلاقي وهو لازال في أوج عطائه إذ يحمل فوق كتفيه 55 عاما بيولوجية وسنوات من الخبرة والدربة في مجال تخصصه الطبي والتدبيري، وكنتيجة فنجاحه في تسيير مركب استشفائي بموارده وأطره ومرضاه ومشاكله اليومية، كشف عن كفاءة استثنائية وهذا ما أهّله لمنصب تدبير قطاع كبير وحساس.

بعد توليه المنصب اتخذ آيت الطالب قرارات استعجالية عديدة منها على الخصوص دعوته الفرقاء الاجتماعيين إلى استئناف جولات الحوار الاجتماعي القطاعي وإجراءات إتمام عملية إدماج الممرضين المجازين وغيرها، وقبل أن تمر أيام على تكليفه تأبى نقابة تابعة للعدالة والتنمية إلا أن تستقبله برسالة تنتقد فيها أداءه وإثارته الهلع والفوضى والارتباك في صفوف الموظفين والمسؤولين بالجهات والأقاليم.

فساد وابتزاز سياسي

في مهمته السابقة لم يخضع للابتزازات النقابية والسياسية، وهذه ميزة يجب إبرازها في مهمته الصعبة الحالية على رأس الوزارة، فآيت الطالب لم يسلم من معارضة النقابات، فها هي اللجنة الوطنية للأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان للجامعة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، تنتقد هي الأخرى غياب استراتيجية واضحة لوزارة الصحة لإصلاح القطاع وإنقاذه.

ليس بالشعبوية تدار الأمور، فبشهادة كل المهنيين والمسؤولين السابقين تعاني الوزارة من نقص حاد في الموارد البشرية، ولمواجهة هذا النقص يرى خبراء في المجال أنه لا بد من المرور من خلال ثلاثة محاور هي الرفع من عدد المناصب المالية المخصصة لوزارة الصحة، وتحسين ظروف العمل في المستشفيات العمومية الواقعة بالمناطق النائية والمؤسسات الصحية المتواجدة بالعالم القروي من خلال تجهيزها بالمعدات البيوطبية، والتوزيع العادل للموارد البشرية بين جميع جهات المملكة، خاصة بالعالم القروي.

قبل أيام أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرتها الإخبارية التي وقفت على ضعف حماية المشتغلين، واستفادة أقل من ربع النشيطين المشتغلين فقط من التغطية الصحية، وهو ما يدعم ما جاء في تقرير الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة، بأن 9 ملايين مواطن فقط يستفيدون من التأمين الإجباري عن المرض.

في حين أنّ نصف سكان المغرب، على الأقل، خارج أيّ مظلة للتأمين الصحي، إذ لم تتمكن الحكومة من توفير التغطية الصحية سوى لـ46 في المئة من السكان، وهذه معطيات وأرقام من الواجب أن تؤرق الوزير وتعطيه الحافز على ترجمة وعوده ما استطاع إلى ذلك سبيلا، خاصة إذا استحضرنا أنه متحرر من أيّ ضغط انتخابي مادام لم يحط الرحال عند أحد الدكاكين السياسية.

وصول كورونا إلى المغرب يتزامن مع ما تشهده المستشفيات من اكتظاظ بسبب المرضى الذين يتوافدون على المملكة، وهنا يبرز ملف التغطية الصحية الذي يركز عليه آيت الطالب

وعلى اعتبار أن مرض السرطان يعرف تطورا كبيرا، ويضرب بكل شدة حيث تعاني من ارتفاع تكاليف علاجه الفئات الاجتماعية الهشة وحتى المتوسطة، ولهذا وقّع الآلاف من المواطنين المغاربة  على عريضة تم مؤخرا توجيهها إلى الحكومة لمطالبتها بإحداث حساب خصوصي لدى الخزينة العامة للمملكة، يسمى صندوق مكافحة السرطان، وأجاب وزير الصحة أن المطلب الأساسي هو إدماج أدوية مرضى السرطان في إطار التغطية الصحية.

محاربة الفساد والمتاجرين بدم المواطن وصحته قطعة أخرى من الدراما التي تعرض على مدار اليوم محليا، ومن حسنات عدم الارتهان لأيّ لون حزبي هي تقليل الضغوط الانتخابية والمصالحية على وزير الصحة ما جعله يقوم بخطوات متقدمة في مجال المحاسبة وتقليل بؤر الفساد في مصالح وزارته، والتي كان آخرها قراره إحالة ملف فساد مديرية الأدوية على القضاء من أجل فتح تحقيق شامل في مزاعم تضارب مصالح تخص شركة تصنيع أدوية تساهم فيها زوجة مسؤول في المديرية.

ارتفاع منسوب الفساد بمصالح الوزارة جعل آيت الطالب يبادر إلى الإطاحة بعدد من المسؤولين الضالعين في مخالفات بالجملة، وحتى يبقى سجله نظيفا قام بإلغاء صفقتين تبلغ قيمتهما المليارات تحوم حولها شبهة فساد داخل مديرية الأدوية، إنها الدجاجة التي تبيض أموالا بالجملة. وقد نظر بنفسه في عدد من الملفات التي وجدها فوق مكتبه، لم ينتظر كثيرا، حتى وجه المفتشية العامة لوزارة الصحة للقيام بتحقيقات بعدد من جهات المغرب للوقوف على كل ما يتعلق بالصفقات العمومية، والتي تحوم حولها شكوك بوجود شبهة فساد، خصوصا تلك التي تخص صفقات موجهة لشركات بعينها دون أخرى.

ومن التحديات الكبرى التي لا تواجه وزير الصحة لوحده وإنما مؤسسات الدولة ككل، بروز لوبي ومجموعات ضغط كبرى لأرباب مصانع صناعة الأدوية، وتضارب المصالح هذا يعرقل كل مجهود لدمقرطة أثمان الأدوية وجعلها في متناول المواطنين حيث أن السوق المغربي يبقى من أغلى الأسواق في المنطقة.

بلا شك أن الوزير الطبيب قد استمع إلى رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس الموجهة للمشاركين في فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للصحة العام الماضي، والتي اختارت منظمة الصحة العالمية المغرب هذه السنة لاحتضانها تحت شعار “الرعاية الصحية الأولية: الطريق نحو التغطية الصحية الشاملة”. رسالة أكد فيها العاهل المغربي أن الرعاية الصحية الأولية تكتسي أهمية بالغة فـي اتجاه تحقيق التغطية الصحية الشاملة، بـاعتبارها تتجاوب مـع التحول الكبير الذي يجتاح العالم ويتحدى المنظومات الصحية.

ورغم أن آيت الطالب لم يكن، آنذاك، يتحمل مسؤولية القطاع إلا أنه كان رئيسا لتحالف المراكز الاستشفائية الجامعية بالمغرب، وهذا منصب مرموق، استمع من خلاله للملك يتحدث حول كيفية تمويل الرعاية الصحية، عن طريق اعتماد آليات تعاضديـة وتضامنية لمواجهة المخاطر والنفقات الصحية المتزايدة، خصوصا في وقت يشهد ارتفاع التكاليف، وتزايد وتيرة شيخوخـة السكان، وزيادة الأمراض المزمنة، وتوافر عـلاجات جديدة ذات تكلفة أكبر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: