قضية تهريب السلع والبضائع من سبتة المغربية تعود للسطح مجددا

بعد عقود من تهريب السلع والبضائع من مدينة سبتة المغربية التي تحتلها إسبانيا كنشاط اقتصادي رئيسي في مدينة الفنيدق المحاذية لها، تعيش المدينة كسادا قد يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية بعد قرار الجمارك المغربية وقف التهريب بشكل نهائي.
وكان التهريب مُدراً للدخل السريع لأصحابه وأصبحت مدينة الفنيدق قِبلة للباحثين عن شغل يقيهم البطالة، فارتفع معدل استقرار الشباب فيها، قادمين من مدن أخرى.
ويُقر أغلب الناس في الفنيدق بأن تهريب السلع والبضائع من سبتة أمر غير قانوني، لكن يؤكدون أن هذا هو “العمل” الممكن في ظل غياب أي فرص أخرى توفر مناصب شغل للشباب حاملي الشهادات أو العاطلين الذين لم يبلغوا مستوىً من التعليم أو التكوين.
ويصل تعداد سكان مدينة الفنيدق إلى حوالي 80 ألف نسمة وفق آخر إحصاء رسمي أُجري سنة 2014، وتصل نسبة الأمية فيها إلى 23.6 في المائة، أما البطالة فتُصيب 18.2 في المائة، أي أكثر من المعدل الوطني الذي يصل إلى 9 في المائة.
ويُنتج نشاط التهريب المعيشي حركة نشيطة في التجارة المحلية، إذ تنتشر محلات بيع المنتجات الاستهلاكية في مختلف الشوارع، وبالإضافة إلى ذلك تعتبر السياحة أحد القطاعات المحدثة لمناصب الشغل، لكن بنسب قليلة وشكل موسمي، من خلال الفنادق المتواجدة في محور المضيق مارتيل.
غير بعيد عن باب سبتة، وهو معبر مخصص في الأصل لمرور المسافرين من وإلى سبتة المحتلة، يوجد أكبر سوق للبيع بالتقسيط والجملة يحمل اسم المسيرة الخضراء، ويضم أكثر من 1000 محل تجاري لبيع مختلف البضائع، من سلع استهلاكية وملابس وتجهيزات أغلبها إسبانية.
وبعد منع التهريب من سبتة، أُغلق حوالي 200 محل في هذا السوق بسبب ضعف الحركة التجارية، وبالتالي انخفضت إيرادات التجار مع عدم قدرة أغلبهم على دفع السومة الكرائية لمحلاتهم، ناهيك عن غلاء السلع والبضائع بعدما أصبحت قليلة.
وسواء داخل سوق المسيرة أو في الشارع العام في مدينة الفنيدق، يسود إحباط كبير في نفوس المواطنين جراء وقف التهريب، لأنه كان مصدر رزق للنسبة الأكبر من السكان، إذ بإمكان ممتهن التهريب المعيشي أن يحقق في اليوم ما لا يقل عن 600 درهم حسب وزن السلع التي يجلبها من سبتة.
وكلما كان الوزن كبيراً ومتنوعاً كلما كانت المردودية عالية، ولذلك يكابد “البراكدية” و”البراكديات” كما يسمون محلياً تحمل الأثقال والأحجام الكبيرة من السلع التي قد تفوق في بعض الأحيان وزنهم للظفر بمردود عال بعد بيعها.
وكشف تقارير أن الكساد يبدو جلياً في أروقة سوق المسيرة الخضراء في مدينة الفنيدق التي تعيش فقط بالتهريب المعيشي، ويقول العلمي المقريني، نائب رئيس جمعية تجار ومستخدمي سوق المسيرة سابقاً، إن إغلاق معبر باب سبتة تسبب في أزمة كبيرة: “كل شيء واقف، القطاع التجاري وسيارات الأجرة والمطاعم وبيع الخضار والفواكه، إضافة إلى إغلاق أكثر 200 محل تجاري في السوق منذ بدء المنع” وقرار منع التهريب “قضى على المدينة بأكملها، لأن أغلب المواطنين فيها كانوا يعتمدون على التهريب لكسب القوت”، و”التجار يعانون ولا يجدون ما يسدون به رمق أبنائهم، لذلك يجب على السلطات إيجاد حل لهذا الوضع”.
ويؤكد المقريني أن الكساد عمَّ المدينة بشكل كامل، قبل أن يُحذر من “كون المستقبل يحمل ما لا تحمد عقباه، لأن التهريب المعيشي كان المصدر الوحيد لسكان الفنيدق في ظل غياب معامل أو فرص شغل أخرى”، أما السياحة فقال إنها موسمية ولا توفر مناصب شغل كبيرة و”إذا كان التهريب المعيشي غير قانوني فما البديل؟ هؤلاء المواطنون لا أجر ينتظرونه آخر الشهر، ومنذ سنة 1976 والمدينة تعيش بهذا إلى اليوم، وتأتي السلطات بشكل تعسفي وتوقفه.. هذا أمر غير مقبول”.
ويقول بوجمعة، وهو تاجر آخر في سوق المسيرة، إن “الأوضاع في المدينة مزرية بسبب وقف الجمارك نشاط التهريب”، مشيراً إلى أن السلطات “لجأت بين ليلة وضحاها وبدون بديل لإغلاق مصدر رزق 4000 امرأة و4000 رجل”.
وقال زكرياء زروقي، فاعل جمعوي وباحث في المجال القانوني بمدينة الفنيدق، إن “القرار الفُجائي وإن كان جريئاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية في علاقة المغرب مع إسبانيا إلا أنه خلف آثارا اقتصادية وخيمة على الأسر، فهناك العديد منها تبيع أثاث المنزل لأداء مصاريف الكراء وفواتير الكهرباء والماء” و”سواء اتفقنا مع القرار أم لا، كان يجب أن يكون مصاحباً بإجراءات لأن المعبر كان مصدر رزق الآلاف من المواطنين، والأمر اليوم مفتوح على مصراعيه وعواقبه وخيمة لأن المدينة تعيش أزمة حقيقية” و”من طبيعة الحال فالدولة تبرر قرارها بكون التهريب المعيشي يؤثر على الاقتصاد الوطني، نعم هو كذلك ونحن لسنا ضد الإغلاق، بل معه لأنه يؤدي إلى كوارث ووفيات، لكن مع القرار كان يجب اتخاذ قرارات مصاحبة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: