نقد روائي لاذع لـ”الربيع العربي”

“الضريح” رواية للكاتب المغربي محمد الشمسي تنقد خطاب التطرف والكراهية بعد قيام الثورة والسطو عليها

حين قرر جورج أورويل كتابة رواية لنقد النظام الشيوعي كتب رائعته “مزرعة الحيوان”، فكانت نقدا لاذعا للثورة الشيوعية من نبل بداياتها إلى انحرافها بعد نجاحها، وكان النهج الرمزي مهما جدا في تفكيك الأحداث الكبرى، وهذا ما انتهجه الكاتب المغربي محمد الشمسي في روايته الجديدة “الضريح”.

رواية “الضريح” المنشورة في طبعتها الأولى مطلع 2020، هي باكورة أعمال الكاتب المغربي محمد الشمسي، وتعالج الرواية ظاهرة التطرف من خلال شخصية الشيخ الحيسن وصحبه الذين اقتحموا أحد الدواوير وشرعوا في نشر خطاب الكراهية والتكفير داخل ”خيمة الله”، في محاولة منهم لاستدراج الشباب وتحويلهم إلى مقاتلين تحت مبرر الجهاد وتغيير المنكر والنصرة ونشر الإسلام والانتقام لدين الله، ليتبين في الأخير أنهم مجرد مأجورين لتجنيد اليافعين المغفلين وتدجينهم مقابل أموال يتسلمونها من زعيمهم “الكبير”.

ويمكن اعتبار الرواية تشريحا اجتماعيا ونفسيا وثقافيا للواقع المغربي، وعنوان الرواية الذي هو “الضريح”، لم يكن اختيارا، كما يقول محمد الشمسي، بل إنه فرض نفسه حيث هو الذي فتح الباب لكتابة الرواية برمتها. والضريح في الرواية بريء من طقوس الدجل والشعوذة والوثنية، كما يؤكد الشمسي، لـ”أخبارنا الجالية ، ومن خلال قراءة الرواية يمكن للقارئ إسقاط دلالات الضريح.

حكاية رمزية

الضريح بريء من طقوس الدجل والشعوذة والوثنية
الضريح بريء من طقوس الدجل والشعوذة والوثنية

انتقال محمد الشمسي بين أعماله القصصية والمسرح ووصوله إلى الرواية، جاء بتسلسل زمني وعبر منعطفات التجربة والخبرة والمعيش اليومي، وعليه يوضح الكاتب لـ”أخبارنا الجالية ، أنه كانت له محاولات في القصة القصيرة، ثم كتب مسرحيات ذات طابع سياسي ساخر، ثم نظم مشروع ديوان شعري لا يزال حبيس أوراقه ينتظر فرصته للطبع والصدور، لكن الرواية رحلة أخرى وبنفس آخر، الرواية في رأيه “أدغال أكثر كثافة وسمكا وشساعة، وهي تمنح من خلال تضاريسها الصعبة تلك متعة لمن يتوغل فيها، وأنا قررت خوض تلك الرحلة بآلامها وعذاباتها، وهي آلام استطبتها واستحسنتها”.

وأما عن ارتمائه في أحضان الرواية كجنس أدبي، يقول محمد الشمسي، لـ”أخبارنا الجالية ، إن القرار لم يكن باختياره، فقد وجد نفسه مدفوعا إلى كتابة الرواية دفعا، مضيفا “يمكن أن أقول إن رواية الضريح، هي التي كتبتني ولست أنا من كتبها، وأنا كنت مجرد وسيلة كتابة”.

وتجري أحداث رواية الضريح في دوار بالمغرب المنسي والقصي، بعد أن تمرد عدد من سكان الدوار على حكم “شيخ الجْماعة” مطالبينه بالمحاسبة عن سنوات تدبيره لشأن ”الجْماعة”، وعن تورطه في علاقات مشبوهة مع سكان “دوار أولاد الشر” الذين اغتصبوا أرضهم المسماة ”الكُدس” بينما تفرق بينهم أحقاد وثأر وقصاص ودماء.

ويؤكد محمد الشمسي لـ”أخبارنا الجالية أنه يمكن للقارئ فك شفرة “الضريح”، وشخصياتها ورمزيتها، فالرواية تتجاوز القصة التي ترويها، ودلالات الرواية مرتبطة بثورات الربيع العربي، وكيف قامت تلك الثورات، وماذا كان مصيرها، وهل نجحت أم فشلت؟

وبخصوص الحدود بين الواقع والخيال في الرواية، يشير الكاتب إلى أن “الضريح”، واقع دون زمان ولا مكان، هي واقع أكيد لكن من غير تشخيص مباشر، ويَصدقُ وصفه بـ”الهم الروائي”، فالكاتب هو إنسان مهموم وقلق ومرتاب، إنه مثل آلة استشعار الهزات الأرضية، إبرته تتحرك عند كل هزة ولو خفيفة.

العنف والثورة

الضريح هي التي كتبتني ولست أنا من كتبها
الضريح هي التي كتبتني ولست أنا من كتبها

ثيمة التطرف كانت الموضوع الأساسي الذي شكل مرتكزا لمتن رواية “الضريح”، هذا الموضوع كان الشق الثاني للرواية يقول الكاتب محمد الشمسي، بعد حدث إعلان الشعب عن الثورة، حيث تمرد أعضاء من “الجْماعة”، ضد الحاكم (شيخ الجْماعة)، لمحاسبته، وتبيان سر تورطه في علاقات مشبوهة مع أعداء الدوار (أعداء الأمة) الذين اغتصبوا أرض “الكدس”.

ونجد من بين شخصيات العمل شخصية رشيد، الذي تصوره الرواية باعتباره المعلم الوحيد في مدرسة الدوار وهو المتسلح بالمعرفة وقوة الحجة، ومتانة المحاججة، ليفشل مخطط الإرهابيين من جهة، بعد خوضه لمناظرات علمية مع أصوات التطرف، كشف خلالها زيف منهجهم، وضعف وسيلتهم، ومن جهة ثانية أنار المعلم رشيد طريق الثوار الخارجين على نهج “شيخ الجماعة”، عن طريق دفعهم نحو تقديم البديل بعد خلع ”الشيخ التهامي” خشية الفوضى والفراغ.

والمعلم رشيد الذي يحضر لدكتوراه الدولة في التاريخ، يجد نفسه وسط تلك الثورة، فيقدم البديل للثوار ويتمثل البديل في وجوب أن تستند الثورة على العلم والمعرفة والمقترح والبديل، درءا لكل فوضى أو فتنة يخلقها الفراغ إثر خلع الحاكم، وكان البديل هو إنشاء “جمعية النور” بقانونها الأساسي وجمعها العام وانتخاباتها وهياكلها، لتحل محل ناموس “الجْماعة” التقليدي والبائد والمتحجر، خاصة بعد أن تواطأ “مجلس الرمي” (هيئة الأمم المتحدة) مع “شيخ الجْماعة” المغضوب عليه، بضغط من القايد (القوى العظمى).

ويأتي التطرف ملتصقا بالثورة، في المتن الروائي الجديد للكاتب محمد الشمسي، حيث يظهر الحيسن (اسم تصغير لحسن)، ليفتي ويحرض، وينبري المعلم رشيد لأباطيل الشيخ المتطرف، ويناظره في مناظرة قوامها قوة المحاججة القائمة على المعرفة والبحث العلمي من معلم هو مشروع دكتور في التاريخ.

ويكون موضوع المناظرة بين المعلم رشيد والمتطرفين هو افتقاد الكتب المسماة الصحيحة للمنهج العملي السليم، واعتمادها على مناهج غير علمية في تحقيق الأحاديث، مما يجعل منها مجرد أنشطة بشرية تفتقد للوجاهة والقوة، وأمام فشل المتطرفين في الرد على قوة البينة والبرهان، يحكمون بحرق الضريح وحرق المدرسة وقتل المعلم… وذلك ما كان.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: