كورونا كورونا

أخطر ما في عالم الفيروسات المثير، والذي أعاده لنا فيروس كورونا الذي يثير الهلع حقاً في أنحاء العالم هذه الأيام، هو أن الفيروسات لا تميز بين الأعراق والطوائف. عادلة تماماً في اختيارها لضحاياها. فهي تنتقي أولئك الذين لا يحصّنون أنفسهم ضد العدوى. لا يقيمون وزناً لعلمية الحياة وعلمية اللحظة وعلمية الخطر المحدق بهم. يتّكلون ويمشون ولتهبّ الرياح ما شاء لها أن تهبّ.

غير أن البشرية إن واصلت على هذا المبدأ، لن يفتك بنا جند الفيروسات وحسب، بل سيحكم الأرض، أساساً يقال اليوم إن الميكروبات هي الحاكم الحقيقي الأكثر انتشاراً والأكثر تأثيراً في الكوكب. فهي موجودة في كل مكان، مستعدة لتحمّل كافة الظروف، قابلة لتطوير ذاتها بسرعة وبعبقرية، تهاجم وقت اللزوم وتكمن وقت اللزوم، وهي كلها صفات لا يمتلكها الإنسان.

روسيا تغلق حدودها مع الصين ودول تغلق مطاراتها وأخرى تستنفر كل أجهزتها لتطويق كورونا الفيروس الذي طوّر نفسه بنفسه، لكن لم يفعل أحد من البشر شيئاً حيال فيروسات ابتكروها بأنفسهم.

الجهل أخطر فيروسات البشر، ومع ذلك تجد من يسهّل له الطريق ويستثمر فيه كي ينتشر ليتحوّل إلى تطرف وتشدد ثم إرهاب. الفكر القديم الذي أكل عليه الدهر وشرب، من أخطر فيروسات البشر، ومع ذلك تجده يدرّس في الجامعات والمعاهد، ويباع في المكتبات ولا يجد البشر ضيراً في المرور قربه دون اكتراث.

هذا الكورونا الذي يبحث عن حقه في الحياة، أصاب حتى الآن أكثر من 7700 إنسان في الصين، حسب منظمة الصحة العالمية، إضافة إلى 80 حالة إضافية في 20 دولة حول العالم، حتى كتابة هذه السطور، بينما قتل الإرهاب الدولي والميليشيوي الديني والعرقي الملايين من البشر دون رفة جفن. لكن العالم المتحضر اليوم يصاب بالذعر من فيروس مجهري لا يملك مدافع ولا طيارات ولا قنابل نووية ولا حشود ولا عبوات وأحزمة ناسفة ولا جحافل فتح وغزو وسبي ولا من يحزنون.

كي تهرب من كورونا ليس عليك سوى أن تقوم بالتالي: أن تتجنب استنشاق الهواء قرب شخص مصاب بالسعال أو العطاس. وتبتعد عن الاتصال المباشر به مثل اللمس أو المصافحة. وأن لا تمس الأسطح الملوّثة بالجراثيم والفضلات ثم تقرّب يديك من فمك، أو أنفك، أو عينيك قبل غسلهما جيداً بالماء والصابون. هذا كل شيء. لكن كيف يمكنك تجنب تلك الفيروسات الأشد فتكاً بالإنسانية مثل العنصرية والطائفية وكراهية الآخر والرغبة بالانقضاض عليه؟ فكّر بذلك، قبل أن يقضي العلماء على خطر كورونا ونعود إلى السبات الشتوي الطويل للدبّ البشري الكسول.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: