إنهاء التهميش الاجتماعي للمعاقين يبدأ بتفعيل قوانين

رغم التقدم النسبي الذي عرفه المغرب في مجال التّشريعات الاجتماعيّة فإنّ تطبيق القوانين لا يزال غير نافذ خاصّة في ما يتعلق بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصا أن المغرب بدأ بملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادق عليها في عام 2008.

يطالب الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة في المغرب، بإصدار بطاقة للشخص ذي الإعاقة، مع توسيع صلاحياتها لتشمل مجانية النقل والرعاية الصحية.

ويتم تعريف الشخص ذي الإعاقة بأنه ذلك الذي انخفضت إمكانيات حصوله على عمل مناسب بدرجة كبيرة، مما يحول دون احتفاظه به نتيجة لقصور بدني أو عقلي، مثل التخلف العقلي والصمم والإعاقات السلوكية والعاطفية، حيث يستوجب تعديلا في المتطلبات التعليمية والتربوية والحياتية بشكل يتفق مع قدرات وإمكانيات الشخص المعاق مهما كانت محدودة ليكون بالإمكان تنمية تلك القدرات إلى أقصى حد ممكن.

وإحصائيا، أكد البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، الذي أعلنت عنه وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، في أبريل 2016، أن نسبة انتشار الإعاقة بالمغرب عام 2014 بلغت 6.8 بالمئة من مجموع المغاربة، أي أزيد من مليونين وألفي شخص.

ودعت الطبيبة والباحثة في مجال الإعاقة، فاطمة المريني الوهابي، إلى إيلاء اهتمام أكبر بهذه الفئة من خلال اعتماد مخططات واستراتيجيات خاصة بها، وتوثيق جميع الأطفال حديثي الولادة الذين يعانون من إعاقة وفحصهم قبل الخروج من المستشفى، ودعت كذلك إلى إبلاغ الآباء بحالة أبنائهم.

الحماية القانونية

يجب حماية ذوو الاحتياجات الخاصة من أي عارض نفسي أو مادي
يجب حماية ذوو الاحتياجات الخاصة من أي عارض نفسي أو مادي 

يحتاج الشخص المعاق إلى مرافقة قانونية وحياتية تحميه من أي عارض مادي أو نفسي قد يؤثر عليه سلبا في اندماجه المجتمعي والعائلي، ووضع المغرب حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في صلب تشريعاته دستوريا وعلى المستوى القانوني، حيث ينص الفصل 34 من الدستور على أن تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي هذا الإطار اعتبرت فاطمة المريني الوهابي أن كلفة الاهتمام بالمعاقين كبيرة جدا وتدخل الآباء وحده غير كاف لمعالجة الأمر، داعية الدولة إلى توفير الحماية لهم. وأشارت الطبيبة إلى أن 25 بالمئة من العائلات المغربية لديها أطفال في وضعية إعاقة، مؤكدة أن المعاقين جسديا يعيشون معاناة أكبر من الأشخاص المكفوفين، لأن أصحاب هذه الفئة الأخيرة يمتلكون غريزة تجعلهم قادرين على الدفاع عن حقوقهم، بينما الصنف الأول يعتكفون في بيوتهم.

وبادرت المؤسسات المعنية بإقرار القانون الإطار 13.97 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وكانت هيئات معنية بالأشخاص ذوي الإعاقة، قد عبرت في مذكرة عممتها على العديد من المؤسسات، وفي مقدمتها رئاسة الحكومة، عن استيائها من الحيف الذي يطال هذه الفئة، منددة بضعف القانون.

وأشارت إلى أن القانون الإطار يكرس “المقاربة الإحسانية” في تعاطيه مع الأشخاص ذوي الإعاقة كمجرد مستفيدين من الخدمات وليسوا أصحاب حقوق، مسجلة خلو القانون من آليات التنفيذ والتدابير التحفيزية ذات الطابع المالي والجنائي، كما أن القانون لا يرقى إلى تطلعات الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا يتماشى مع الالتزامات الدولية للمغرب فيما يتعلق بحماية حقوقهم والنهوض بها.

وفيما يخص الحقوق الصحية، دعا ذوو الاحتياجات الخاصة الحكومة إلى توسيع التغطية الصحية لضمان استفادة كل الأشخاص ذوي الإعاقة من برامج السلامة والتأمين الصحي، والاستثمار في زيادة الوعي لمواجهة الصورة النمطية التي يعانيها المعاق.

وعلى المستوى الحقوقي تم إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة من العضوية/التمثيلية في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بما في ذلك الآلية الوطنية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد عبرت الهيئات العاملة في هذا المجال عن إدانتها الشديدة لهذا التمييز الممارس ضد هذه الفئة من المجتمع المغربي.

واعتبرت في بيان، تمكنت “أخبارنا الجالية ” من الحصول على نسخة منه، أن هذا الإقصاء انتهاك لأحكام الدستور، خصوصا تصديره الذي ينص على حظر كل أشكال التمييز على أساس الإعاقة، وباقي الفصول التي تدعو السلطات العمومية إلى وضع وتنفيذ برامج وسياسات تيسر ولوج الأشخاص ذوي الإعاقة إلى كافة حقوقهم الأساسية.

ذوو الاحتياجات الخاصة مهمشون إلى حد كبير في المجتمع المغربي وتتمحور غالبية مطالبهم حول العيش بكرامة

وحقق المغرب إنجازات هامة إذ أطلق ورشات متعددة من أجل تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتمكينهم على كافة المستويات، لكن لا بد من متابعة العمل لتجاوز بعض التحديات التي لا تزال مطروحة من أجل اندماج شامل ومتكامل لهذه الفئة داخل المجتمع، ورغم المجهودات التي تؤكد الحكومة أنها تبذلها من أجل ذوي الإعاقة هناك من يرى أنها جهود لا ترقى إلى مستوى تطلعاتهم خصوصا وأنهم ما زالوا يعانون على أرض الواقع.

ومن أبرز المشاريع المخصصة لهذه الفئة هناك مشروع إرساء النظام الجديد لتقييم الإعاقة والذي تم إطلاقه مؤخرا، ويهدف إلى ترشيد العرض الاجتماعي للخدمات من خلال استهداف دقيق وفردي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، عبر إنشاء مرجعية وطنية لتقييم الإعاقة تتلاءم مع مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومقتضيات القانون الإطار رقم 13 – 97.

ويسعى المشروع لإصدار البطاقة الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والتي ستتيح لهم الاستفادة من مختلف أوجه الدعم وحقوق الأولوية المنصوص عليها قانونيا، وستمكن من تجاوز الإكراهات التي يعرفها النظام الحالي والمرتبطة بثقل الإجراءات الخاصة بالحصول على شهادة الإعاقة وتعدد الأنظمة التقييمية والكلفة الباهظة المترتبة على ذلك.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه تنسيقية السلام الوطنية للأشخاص في وضعية إعاقة، أن ذوي الاحتياجات الخاصة مهمشون بشكل كبير ومطالبهم تتمحور حول العيش بكرامة، ترد وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بأن المبالغ المرصودة لخدمات صندوق دعم التماسك الاجتماعي الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة، قد تجاوزت 338 مليون درهم منذ انطلاقه في عام 2015.

كما أطلقت وزارة التضامن والمساواة والأسرة والتنمية الاجتماعية برامج مهيكلة، منها إعداد مشروع قانون يتعلق بتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي يتضمن عدة إجراءات وتدابير تهم تمكين هؤلاء من الولوج إلى حقوقهم الأساسية في شتى المجالات والمشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية.

التعليم ضرورة

يطالبون بالعيش بكرامة
يطالبون بالعيش بكرامة

وُجِّهَتْ انتقادات للنظام التعليمي العمومي لعدم إدماجه الأطفال أصحاب الاحتياجات الخاصة وحرمانهم من فرصة التعليم كأقرانهم العاديين، وتدفع المؤسسات التعليمية بأنها غير مؤهلة من الناحية اللوجستية والطاقم التدريسي لدخول تلك الفئة إلى سلك التمدرس، إلى جانب غياب مناهج دراسية تناسب هؤلاء.

وطالب حقوقيون الحكومة بتحقيق مطالب الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والمتمثلة بالأساس في تفعيل بطاقة معاق وتمكينهم من حقهم في التعليم، عبر السهر على الجانب البيداغوجي وتعميم التربية الدامجة وتوفير كل الوسائل الضرورية.

واعتبرت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة جميلة المصلي، أن التعليم هو البوابة الرئيسية لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، لأنهم عن طريق التعليم يستفيدون من التكوين والتأهيل، وهو ما يسمح بإدماجهم في المجتمع بسهولة، مؤكدة في السياق نفسه حرص الوزارة على بذل المزيد من المجهود لتحسين وضعية الأشخاص ذوي الإعاقة.

وتؤكد أرقام رسمية أن هناك ولوجا إلى التعليم محدودا جدا من قبل الأطفال ذوي الإعاقة، حيث أن 66.1 بالمئة من تلك الفئة دون تعليم وتصل هذه النسبة إلى 66.6 بالمئة في صفوف الإناث، ويشكل الأشخاص ذوو الإعاقة دون تعلم في الوسط الحضري 50.6 بالمئة، و49.4 بالمئة في الوسط القروي.

وتصل نسبة الأطفال المعاقين ممن لم يتمكنوا من اجتياز مستوى التعليم الابتدائي إلى 15 بالمئة، وتبلغ نسبتهم في التعليم الثانوي 9.5 بالمئة. وتقول أرقام الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، إن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في المغرب الذين حصلوا على شهادات جامعية لا تصل إلى واحد بالمئة، ما يعني أن هذه النسبة الضئيلة وحدها التي لها حق اجتياز منافسات مئتي منصب في الوظيفة العمومية التي ضمّنتها الحكومة في قانون المالية للسنة المقبلة.

وأكد عبدالرحيم المودني، عضو التحالف المغربي للأشخاص ذوي الإعاقة، أن الأرقام التي تضمنها الإحصاء العام للسكان والسكنى، بخصوص المستوى التعليمي للمعاقين، “مُقلقة”، مبرزا أن هذه الوضعية تستفحل أكثر في صفوف الأشخاص الذين يعانون من إعاقة الصمم والإعاقة الذهنية، والذين يعسر عليهم نيل دبلومات للولوج إلى سوق الشغل.

الأرقام التي تضمنها الإحصاء العام للسكان والسكنى، بخصوص المستوى التعليمي للمعاقين، مقلقة

وبحسب معطيات المجلس الأعلى للتعليم فإن مساهمة برامج محو الأمية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من فرص التعليم ضعيفة جداً إذ لم تتعد 1 بالمئة. من جانبه أكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن الأشخاص ذوي الإعاقة يشكلون الفئة الأقل استفادة من الخدمات التربوية والتكوينية رغم الجهود القطاعية للنهوض بتربيتهم وتعليمهم، كما أشار إلى أنهم يعانون أيضا من نفس الحواجز التي تحول دون التمدرس بوجه عام.

وأوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بضرورة أن تأخذ القطاعات الحكومية في الحسبان القضايا المتعلقة بتكوين وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن سياساتها وبرامجها الخاصة بالشغل، وأن تستثمرها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في تأهيلهم وإدماجهم المهني، وتخصيص مناصب للشغل وفق نسب معقولة لهذه الفئة، وتقديم مساعدات مالية وتحفيزات ضريبية للمقاولات المشغلة المحتضنة للأشخاص ذوي الإعاقة.

وتعمل الحكومة على تحسين ظروف تمدرس الأطفال ذوي الإعاقة الواردة في صندوق دعم التماسك الاجتماعي، والمرتبطة بكل الخدمات التربوية والتأهيلية والتكوينية والعلاجية والوظيفية التي تقدمها الجمعيات داخل المؤسسات المتخصصة أو المؤسسات التعليمية الدامجة.

ويستفيد من هذا الدعم الأشخاص ذوو الإعاقة، المعوزون منهم والمسجلون في مؤسسات متخصصة أو في إطار أقسام الإدماج المدرسي أو أقسام دراسية عادية في مؤسسات تعليمية عمومية. وكثيرا ما يخرج الأشخاص ذوو الإعاقة في العديد من المناسبات إلى الشارع مطالبين بالإدماج في الدائرة الاقتصادية لصون كرامتهم باعتبار الشغل أهم مطلب لهذه الفئة المجتمعية.

فرص العمل

الحكومة المغربية تتدخل لتشغيل ذوو الاحتياجات الخاصة
الحكومة المغربية تتدخل لتشغيل ذوو الاحتياجات الخاصة

تطالب المنظمات المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة، بتمكينهم من حقهم في الشغل واحترام القوانين المتعلقة بهؤلاء في الوظيفة العمومية وضرورة إلزام القطاعات الوزارية بها، ومراعاة تخصصات المكفوفين في المباريات الموحدة، بالإضافة إلى فرض مجانية استخدام وسائل النقل العامة الحضرية والرابطة بين المدن والقطارات وتزويدها بمقاعد وقاطرات لذوي الاحتياجات الخاصة والبحث عن معايير علمية وعملية لتفعيلها.

وترد الجهات الحكومية بأنه على مستوى التشغيل لأول مرة سيتم تخصيص مناصب في الوظيفة العمومية للأشخاص ذوي الإعاقة، بلغ عددها مئتي منصب ضمن قانون المالية لسنة 2020، بعدما سبق لوزارة الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة أن نظمت، السنة الماضية، منافسة موحدة لتخصيص 50 منصبا فقط لهذه الشريحة. وسجّلت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة جميلة المصلي أن “الحكومة وفّت بوعدها وبالتزامها، تجاه فئة الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال توفير المناصب المالية وتنظيم المنافسة الموحدة”.

وأضافت أن إجراء هذه المباراة، في الآجال المحددة، يؤكد أن هناك إرادة سياسية قوية لإنصاف هذه الفئة وإدماجها في المجال الاقتصادي والاجتماعي عبر بوابة الوظيفة العمومية.

وترى مجموعة من المنظمات الفاعلة في مجال حقوق المعاق، ضرورة تمكين هذه الفئة من حقها في الشغل واحترام القوانين المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة في الوظيفة العمومية، وضرورة إلزام القطاعات الوزارية بها، ومراعاة تخصصات المكفوفين في المباريات الموحدة.

وحتى لا تتهم الحكومة بإهمال الأشخاص ذوي الإعاقة، قال رئيس الحكومة سعدالدين العثماني إن هناك استمرارية في تخصيص مباراة سنوية لفائدة الأشخاص المعاقين في أفق رفع نسبة إدماج هذه الفئة في أسلاك الوظيفة العمومية، لأن من شأن ذلك تحقيق نوع من الإنصاف لهذه الفئة. ولا يزال القطاع الخاص متراجعا عن تبني خطط إدماج فئـة ذوي الاحتياجات الخاصة رغم وجود برنامج تعاقدي بينه وبين الحكومة، منذ سبع سنوات.

وانتقد عبدالرحيم المودني الحكومة على عدم تفعيلها لهذا البرنامج التعاقدي ضمن القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي يحدد نسبة مناصب الشغل التي سيوفرها القطاع الخاص للأشخاص المعاقين،. وأكد أن أصحاب الشركات الخاصة ليسوا مهتمين بالجانب الاجتماعي في المغرب، ولا يفكرون سوى في جني الأرباح.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: