أكثر من مليون مغربي يعيشون على التهريب المعيشي من سبتة ومليلية

مئات النساء المغربيات يعشن من التهريب المعيشي، للسلع والبضائع من مدينتي سبتة ومليلية، وفقا لمصادر من الحمالين المغاربة.

وترغب السلطات في إنهاء الوضع الإجرامي، لكن جزءا كبيرا من سكان البلاد يكسبون قوتهم منه.

وأغلقت الرباط الحدود مع مدينتي سبتة ومليلة المحتلتين ، لمنع عبور الشحنات غير القانونية من إسبانيا إلى المغرب والعكس.

ووفقا لمدير المركز المغربي لحماية حقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، فإن الاتجار غير المشروع بالسلع ينشط في هذه المدن منذ أكثر من 50 عاما.

وأوضح الخضري أن “هناك ما بين 300 ألف و500 ألف امرأة في المغرب يشاركن في التهريب عبر هذه المدن. ونتيجة لذلك، فإن هذا العمل يعيل أكثر من مليون مغربي”.

ويعتبر الخضري أن إغلاق الحدود يمثل ضربة قاسية لمئات الآلاف من العائلات التي تمكنت فقط من البقاء على قيد الحياة عن طريق التهريب لسنوات، ولا توجد مصادر دخل أخرى لها.

ويعتبر أن العواقب الناتجة عن التهريب خطيرة وسلبية على الاقتصاد المغربي، بحيث أنها منتجات تمثل ما يصل إلى 25 بالمئة من إجمالي السوق المغربي، وتنافس البضائع المنتجة محلياً، ويضيف الخضري أن السكان المحليين يفضلون شراء المنتجات المستوردة عن منتجاتهم.

في معظم الحالات، لا تعرف النساء اللائي ينقلن البضائع المهربة من الموانئ الإسبانية ما تحتويه الطرود. ويمكن للمافيا والشبكات الإجرامية تهريب أي شيء، داخل الأطعمة التي يتم نقلها بهذه الطريقة.

وتقول فاطمة بوغبنور، ناشطة مغربية أخرى في مجال حقوق الإنسان، إنه لا توجد أي مراقبة على صحة تلك البضائع، مضيفة أن “الحكومة تريد إغلاق هذه القناة، لكن مواطنين عاديين سيعانون من ذلك”.

“لا مزيد من التهريب”

تواصل السلطات المغربية اتخاذ خطوات لإيقاف مرور البضائع المهربة من سبتة إلى أراضيها، طبقا للمبادئ التوجيهية لخطة تم تعديلها وفقا لشعار “لا مزيد من السلع المهربة”، تطبق الرباط سلسلة من الإجراءات في باب سبتة هدفها الوحيد هو إنهاء التهريب بجميع أشكاله.

أحد هذه التدابير هو تركيب عدد كبير من الكاميرات للتحكم في العمل الجمركي ومرور البضائع، وتريد الرباط بذلك الوصول المباشر إلى الخدمات المقدمة على حدودها مع سبتة.
بالتوازي مع كل هذه التحركات، تمت إزالة العديد من العملاء وتعليقهم من مهامهم في باب سبتة.

ولم تتوقف مصلحة الجمارك المغربية عن العمل منذ أن قررت حكومة سبتة المحلية إغلاق النشاط التجاري في معبر “تراخال” الثاني من جانب واحد. ووفقًا لمصادر “القدس العربي”، سيزداد الضغط على التهريب المعيشي، في الأيام القليلة المقبلة.

“الوضع على الحدود يؤثر سلبا على الجميع”، يقول منير عفرون، شاب من تطوان في عقده الثاني.

وعلى سبيل المثال، بعض الحالات الأخيرة، التي شهدتها الحدود للخروج من مشاكلها الاقتصادية. ويقول منير إنه عندما يكون هناك نقص في النقل، يتزايد الضغط، و”تسلك بعض الشبكات الإجرامية منافذ لم يفكر فيها مطلقا”، إذ تستغل حاجة الشباب. وخلال الأيام القليلة الماضية، تم إلقاء القبض على شباب من قبل وكلاء مكافحة المخدرات باب سبتة.

هؤلاء الشباب، حسب منير، لم يبلغوا سن الرشد، والذين اقتنعوا باقتراح الشبكات الإجرامية “لاختبار” المُخرجات التي يقدمونها. الشباب “خدعوا”، لينتهي بهم المطاف في السجون المغربية وبأحكام صارمة للغاية، وبالتالي دمروا حياتهم وأسرهم.

هنالك آخرون، “شجعان للغاية”، وفقا لوصف الشاب التطواني، في حديثه لـ”القدس العربي”، “يتقاتلون من أجل يومهم، ويدخلون بالبضائع المخفية في سياراتهم ودراجاتهم النارية، على أمل أن يتمكنوا من تمريرها”.

وهو قرار ينطوي على مخاطرة كبيرة، لأنه إذا تم اكتشافهم وصنف ما يحملونه على أنه “سلع تجارية”، فإنهم يتعرضون لخطر الاعتقال ونقلهم إلى وكالات الضرائب لفتح ملف جزائي، أو تصادر بضائعهم.

لم تعد الأمور كما كانت، أو ما كانت تبدو عليه منذ بضعة أسابيع، والآن لا يقتصر الخطر على المصادرة البسيطة، لأن هناك جريمة تهريب، والتي قد تكون لها تبعات إجرامية حسب حجم السلع.

ويحذر منير من ذلك، لأن العديد من الشباب “غير مدركين لهذا الواقع الذي يمكن أن يغير حياتهم في دقائق”، ومشيراً إلى أن نهاية التهريب المعيشي، ستحدث “آثارًا فادحة على العديد من العائلات”.

تقرير بالبرلمان

وقدمت لجنة برلمانية مغربية، موخرا في الرباط، تقريراً مفصلاً يعرض الظروف القاسية لأولئك الذين يشاركون في هذا النشاط، كاشفًا وجود مافيا تستغل هؤلاء الناس مستغلةً حاجتهم لكسب العيش.

ويبدو أن إعادة فتح الطريق لعبور الحدود تبتعد عن التحقق كل يوم، على الأقل في ضوء المعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام المغربية، والتي توضح، عزم الدولة المغربية تعليق هذا النشاط بشكل دائم.

المعلومات المتداولة تشير إلى أن لجنة برلمانية مغربية قد قدمت في الرباط تقريرا عن الظروف المعيشية القاسية، لأولئك الذين يكرسون أنفسهم للتهريب المعيشي، وخاصة النساء، والمافيا التي تستغلهم.

ويشير هذا التقرير على أن هؤلاء النساء يتعرضن “للإيذاء والتحرش والسرقة والمرض”، ويصل عددهن إلى 3500، إضافةً إلى 200 قاصر. والنقطة الأخرى التي أبرزها التقرير، هي أن معظم النساء “لا يعرفن محتوى المنتجات التي يحملنها”، ولم يعد الأمر يتعلق بالنقل فقط، كما أوضحت مارية بوجمعة، من حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، ولكن حول المافيا الكبيرة التي تنشط في الحدود.

“الأزمة والذل”

وقال سعيد السالمي، “كلما رأيت عنوانا عن باب سبتة تعود مرارة ما شاهدته في الباب هناك إلي تمزيق قلبي”.

الصحفي المغربي، بقناة الجزيرة القطرية، أضاف في تدوينة على حسابه الشخصي فيسبوك، “نساؤنا يقفن في طابور أمام سياج لسان حاله يقول لهن: الأزمة وراءكن والذل أمامكن”.

ويرى السالمي، أن الأزمة “صنعها الفساد والنهب والافتراس، والذل جلبه حكمانا الذين لا يجرؤون حتى على إعلان المطالبة باسترجاع هاتين المدينتين المغتصبتين، بل ولن نفاجأ إذا علمنا في الأيام القليلة القادمة أن أحدا منا اعتقل بتهمة المساس بالمقدسات لانه عاتب المخزن على صمته ازاءهما”.

وأضاف “أما دمية العثماني فلا مأخذ عليها منذ أن قال السنة الماضية إن المغرب متشبث بالوحدة الترابية الاسبانية”.

ويشار إلى أن التقرير البرلماني الأخير، يحذر أيضًا من أن المنتجات التي يتم إدخالها إلى المغرب من خلال التهريب المعيشي، لا تخضع لضوابط صحية في بلدها، وأن نقلها إلى المغرب أصبح “تهديدًا للصحة والاقتصاد”.

ويعتبر هذا هو التقرير الرسمي الأول الذي يتضمن الظروف المعيشية للنساء العاملات في التهريب المعيشي، اللواتي تطلق عليهن الصحافة الإسبانية وصف “بغلة”، بسبب الثقل اللواتي يحملنه، ويتم تقديمه، وفقا للخبراء في البلد، كإعداد للإعلان الرسمي عن الإغلاق النهائي للحدود لهذا النشاط.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: