ثروات المغرب الكبير: ماذا تخفي التفاصيل؟

لطالما ردد الرئيس التونسي الراحل بورقيبة بأن بلاده محدودة الموارد، لا تملك شيئا آخر عدا «المادة الشخماء» لأبنائها وكان يعني بها العقل، ولطالما ظل جيرانه على النقيض منه يقولون لشعوبهم في المناهج المدرسية بأنهم يملكون واحدا من أكبر احتياطيات الغاز والبترول والفوسفات في العالم، ويرقدون على كميات قياسية وضخمة من المياه العذبة، ومن الحديد والزنك والرصاص والذهب والماس واليورانيوم، ومن شتى المعادن النفيسة.
لكن وبما أن العبرة بالافعال لا بالأقوال أليس جديرا أن نعرف ما الذي صنعه التونسيون بالاخير بثروة العقل التي دلهم عليها بورقيبة، وما الذي أنجزه الباقون بثروة المال التي ادعوا ملكيتهم لها، وقد مضى الآن أكثر من نصف قرن على إقرار الفريقين بتلك القسمة؟ الشيء الواضح أن حال الواحد منهم لا يفرق كثيرا عن الآخر. ففيما لا يجد الليبي بعد أربعين عاما من حكم العقيد الراحل، ولو مشفى واحدا قادرا على علاجه، إن هو اعتل أو أصيب ولو بنزلة برد بسيطة لا ينفك جاره التونسي مثله مثل المغربي يعبر عن سخطه واحتجاجه على اختلال التوازن الاجتماعي، وارتفاع معدلات البطالة بسرعة صاروخية، فيما يتضرع الموريتاني ليل نهار إلى خالقه ويشكو من فقره وعوزه الشديد، ويظهر الجزائري تبرمه وضجره كل جمعة من استئثار عصابة باسم الوطنية والثورة على مقدراته وخيراته. لكن كيف يتواصل ذلك وكأنه قضاء وقدر إلهي؟ هل لأن الشعوب ارتضت لنفسها الظلم والمهانة؟ أم لأن الأنظمة عرفت كيف تداري جيدا على استغلالها وسوء إدارتها ولهفتها الشديدة على سرقة ونهب كل ما تطاله أيديها من موارد؟ أم لأن ملف الثروات أعقد وأكبر بكثير من كل ذلك، وهو لا يزال بمثابة صندوق أسود مفاتيحه خارج المغرب الكبير؟ ربما عاد الموضوع ليطرح بقوة مع حديث بعض المصادر عن قرب امتلاك المغرب كنزا فريدا من نوعه في أعماق المحيط الاطلسي. لكن الامر ليس بسيطا، حتى إن أسهب خبراء القانون الدولي في شرحه، أو بادر المختصون في قانون البحار لتفسيره بشكل تقني صرف.

بقيت الموارد والثروات مجرد أرقام يتباهى بها المسؤولون في المناسبات ويحجبون ويخفون الجانب الأكبر منها ولا يجرؤون على الكشف عنه بالكامل

ولاشك أن قناعة المغاربة جميعا في أنهم يملكون أكثر من كنز في بحرهم، وتحت ارضهم، لم تزعزع قط. فهم يدركون جيدا ما فعلته معهم إسبانيا بالذات، وكيف استغلت وعلى فترات متتابعة من التاريخ ضعف ووهن دولتهم لتستولي على أجزاء واسعة من ترابهم وبحرهم، وتحول احتلالها فيما بعدها إلى أمر واقع تكرسه اعترافات أممية. غير انهم وبالمقابل حتى إن تحمسوا ورحبوا بالفكرة، فإنهم لا يعرفون بعد مغزى ودوافع تجديد المملكة في هذا الظرف بالذات نيتها ترسيم حدودها البحرية من جانب واحد، في وقت لا تزال فيه اتفاقية اخرى لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية تثير جدلا متصاعدا في المحيط الإقليمي، وربما حتى الدولي أيضا، فحتى إن قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية الخميس الماضي، إن مثل ذلك القرار «سيادي وقانوني ولا علاقة له بمواقف اخرى»، فإن ذلك لن يجعل الأمر يبدو كأجراء عادي وطبيعي، اتخذ بشكل روتيني ومن دون أدنى خلفيات أو حتى ترتيبات مسبقة، اللهم إلا اذا كان القصد من ورائه مجرد المناورة والضغط لانتزاع تنازلات أو مقايضة مسألة بأخرى.
ومع أنه ليس جديدا أن يرفع المغاربة، وبعد اكثر من ستين عاما من إعلان استقلالهم، مطلب ترسيم حدودهم البحرية ويطالبوا جارتهم الشمالية بالوصول إلى صيغة توافقية لذلك، فإن السؤال الأساسي الذي يختمر في أذهان الكثيرين هو ما الذي كان سيعنيه ذلك للمغربي، وهل إنه سيفتح أمامه آفاقا ارحب ويجعله يحيا الحياة الكريمة التي يحلم بها، ويتمنى الوصول لها خارج بلده؟ وما الذي يمكن أن تعنيه بالنسبة له تلك الخطوة؟ ثم هل إنها ستكون، إن كتب لها النجاح، بمثابة تكريس فعلي لاستقلال ثان وتخلص من قيد ثقيل من قيود استعمار لايزال ينهب ويستغل ثروات الشعوب بلا رقيب ولا حسيب؟ قد يقول قائل إن ما يفعله المغرب هو أنه يستكمل وحدته الترابية مثلما فعل في السبعينيات من خلال ما عرف بالمسيرة الخضراء، التي اطلقها الملك الراحل الحسن الثاني. ولكن القرار قد يبدو الآن ردا غير مباشر على مؤتمر جبهة البوليزاريو، الذي نظم اواخر العام الماضي داخل منطقة يصفها الجبهويون بالمحررة، وتراها الرباط جزءا من ترابها، فيما أن أبعادها قد تتجاوز ذلك بكثير، وتضع الرباط في مواجهة صريحة مع مدريد، التي أظهرت في مناسبات سابقة أنها لا تتسامح أزاء أي محاولات مغربية للتشكيك أو المس بملكيتها لمناطق حتى على التراب المغربي ذاته. وإذا استثنينا قدرا من الخصوصية فإن العلاقة المغربية الإسبانية قد تعكس، وفي جانب ما، صورة مصغرة لعلاقة المستعمر الغربي بباقي الدول المغاربية. فالقاسم المشترك بين تلك الدول على اختلاف أنظمتها ومساراتها يتمثل في أن الحديث عن الثروة ظل ملتبسا ومشوبا بقدر من الغموض وحتى السرية. فلم يفهم التونسيون حتى الان كيف انهم لم يملكوا شيئا اخر غير عقولهم، في الوقت الذي كان فيه البترول والغاز وربما الذهب أيضا يتدفق أنهارا في جوارهم. ولم يدرك الليبيون والجزائريون والمغاربة والموريتانيون بالمقابل، في أي وجهة صرفت كل الودائع والأموال الضخمة التي حصلت عليها حكوماتهم نظير بيع تلك الثروات، أو حتى التفريط في أجزاء منها وبعثرتها على اليمين والشمال؟ والمشكل هو أن لا أحد من الفريقين بات يشعر بالفعل بأن هناك انعكاسا فوريا ومباشرا بين بسط بلاده لسيادتها على بحرها وأرضها، وحصوله وانتفاعه ولو بقسط معقول من الثروات التي تحويها. ألم تعد بنزرت مثلا إلى السيادة التونسية بعد جلاء الفرنسيين عنها في الستينيات ويسترجع المغرب في السبعينيات أراضي شاسعة في الصحراء، ويقتسم التونسيون والليبيون منطقة بحرية ثرية بالموارد هي الجرف القاري؟ فهل غيّر ذلك شيئا من حياة كل هؤلاء؟
لقد بقيت الموارد والثروات مجرد أرقام يتباهى بها المسؤولون في بعض المناسبات، ويحجبون ويخفون الجانب الاكبر منها ولا يجرؤون عن الكشف عنه بالكامل، وربما حتى لا يثقون في صحته. ولعلهم اعتبروا أن مثل ذلك الامر يبقى تفصيلا ثانويا لا يعني الشعوب أو يهمها ما دامت تحصل على بعض الفتات. فقد وزع العقيد الليبي الراحل القدافي مثلا أموالا على الليبيين تحت مسمى حصتهم من البترول، لكن ذلك لن يعني بالمقابل أنه ينبغي على المغاربيين أن يفرّطوا ولو بشبر واحد من اراضيهم، أو بحارهم، بل أن يتحفزوا لمعركة طويلة تقودهم للبحث وراء العناوين البراقة كالاستقلال واستعادة السيادة، والكشف عن التفاصيل التي لا تزال مخفية خلفها، وفي مقدمتها مصير الثروات التي توجد بحسب ما تشير له الخرائط في بلدانهم، التي لطالما تباهى بها البعض وبددها وأنكر وجودها الآخر بالمرة!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: