الحكومة المغربية بصدد القيام بعملية العفو عن مهربي الأموال

اعتبرت الأوساط الاقتصادية المغربية أن شمول مهرّبي الأموال بمبادرة العفو، التي تتضمنها موازنة العام المقبل، خطوة من شأنها أن تعطي زخما لاقتصاد البلاد على الرغم من إثارتها لجدل واسع بسبب التحديات، التي قد تواجهها الحكومة للمضيّ قُدما في تنفيذ خطتها.

يتصاعد الجدل بين الاقتصاديين والسياسيين في المغرب منذ أن أعلنت الحكومة عزمها إطلاق إجراءات تحفيزية لاستعادة الأموال المهرّبة إلى خارج البلاد بطريقة غير شرعية.

وتسعى السلطات من وراء الخطوة، التي أدرجتها في مشروع موازنة 2020، حيث يناقشه البرلمان حاليا، إلى تصحيح الوضع وإدخال تلك الأموال والأصول في الاقتصاد الرسمي.

وتتضمّن الموازنة بندا حول هذا الجانب ينصّ على أنه سيتم “العفو عن أصحاب الأموال الخارجة من البلاد بطريقة غير شرعية، وإعفائهم من الغرامات، حال إعادة أموالهم إلى البلاد، خلال مهلة زمنية” تمتد لأشهر.

وتقول الحكومة إن الأمر يتعلق بالأموال والعقارات الموجودة خارج البلاد ويمتلكها مواطنون مقيمون بالمغرب، واكتسبوها بطرق مشروعة، لكنهم خالفوا قوانين الصرف بالبلد، ولم يصرّحوا بعمليات نقل أموالهم إلى خارج البلاد.

ويمنح العفو المقترح المعنيين مُهلة لمدة عشرة أشهر تبدأ في يناير القادم للتصريح بالأموال وإرجاعها إلى البلاد.

وسوف يُعفى المستفيد من دفع الرسوم على دخول الأموال بنسبة 5 بالمئة، في حال أودع 75 بالمئة من أمواله في حساب بالعملة الصعبة و25 بالمئة بالعملة المحلية، ويستفيد من يختار تحويلها إلى الدرهم من إعفاء من الرسوم بنسبة أكبر.

وحاول خبراء اقتصاد إزالة اللُّبس حول الخطة الحكومية، التي تعد الثانية في السنوات الخمس الأخيرة، باعتبار أنها تشمل وضعيات غير قانونية وليس للأمر علاقة بتهريب الأموال.

600 حالة تم رصدها للحصول على أصول خارج المغرب بطريقة غير قانونية بين عامي 2014 و2019

ويؤكد الخبير الاقتصادي المهدي فقير أن “الحديث عن مهرّبي الأموال هو وصف غير دقيق، حيث لسنا بصدد عملية العفو عن مهرّبي الأموال، والقول بذلك يوحي وكأن الدولة تشجع التهريب”.

ونسبت وكالة الأناضول للفقير قوله “إننا أمام حالات لأشخاص يملكون عقارات أو أموال سائلة، لكنها في وضعية غير قانونية يجب تسويتها، فتلك الأموال تم تحويلها بطريقة غير قانونية”.

ومكّنت عملية العفو الأولى عن مهرّبي الأموال في العام 2014، المغرب من استعادة نحو 27.8 مليار درهم (3 مليارات دولار) خلال العام ذاته.

وانقسمت تلك الأموال، بحسب الحكومة، بين سيولة نقدية تبلغ 923 مليون دولار، وممتلكات عقارية تجاوزت قيمتها المليار دولار، واستثمارات مالية في شكل أسهم وسندات بنحو 1.06 مليار دولار.

وكشف نوفل الناصري، وهو خبير اقتصادي متخصص في السياسات العامة إن مكتب الصرف الحكومي أطلق مؤخرا بحثا موسّعا لجرد المقتنيات العقارية الموجود خارج الحدود بطريقة غير قانونية من طرف مغاربة لهم إقامة ضريبية بالمغرب.

وقال الناصري، وهو عضو بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية في بمجلس النواب إن “المعطيات تفيد بأنه بين عاميْ 2014 و2019 تمت دراسة 600 ملف، للحصول على أصل (عقار) خارج البلاد، بطريقة غير قانونية”.

وأشار إلى أن قانون الصرف واضح في البلد، إذ يعتبر اقتناء أشخاص مقيمين في المغرب لأملاك غير منقولة بالخارج من دون موافقة مسبقة، مخالفة قانونية تتطلب دفع غرامات يمكن أن تبلغ ستة أضعاف قيمة العقار.

ويمثّل الإعفاء المقترح الفرصة الأخيرة للمغاربة الذين خالفوا القانون، فبفضل آليات تبادل المعلومات المنصوص عليها في اتفاقيات التعاون الإقليمي والدولي، سنصبح بعد سنة وبضعة أشهر أمام وضع جديد.

وكان المغرب قد وقّع اتفاقية للتعاون في عام 2013، تضم 36 دولة، وأصبح البلد يتوفر على وسائل أكثر لمراقبة ورصد عملية الحصول على أصول مالية وعقارية.

المهدي فقير: الحكومة ليست بصدد القيام بعملية العفو عن مهربي الأموال

وقال الناصري أن “الإجراء الجديد يعطي الثقة للملزمين ويمنحهم الفرصة الأخيرة، علما أنه لا يشمل أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج”.

ولكنه يعتقد أن الوضع سيصبح أكثر تعقيدا بداية 2021 مع بدء تنفيذ التشريعات المتعلقة بتبادل المعطيات المالية مع عدد من التجمعات الدولية الكبرى.

ولطالما أبدت الرباط استعدادها للتلاؤم مع الاتفاقيات الدولية، والانخراط في مسار ضمان شفافية انتقال رؤوس الأموال، وتطبيق قواعد الشفافية الدولية.

وكانت الغرامات على تهريب الأموال خارج المغرب تعادل ستة أضعاف المبلغ الذي يتم تهريبه، إضافة إلى عقوبة الحبس بين شهر وخمس سنوات، في حال إحالة الملف إلى القضاء.

ومع ذلك، انتقدت رفيعة المنصوري، عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في مجلس النواب، العفو المقترح بقولها “في كل دول العالم يُتخذ إجراء العفو مرة في 15 أو 20 سنة، لكن عندنا تمت العملية الأولى للعفو عن مهرّبي الأموال سنة 2014 فقط”.

وأضافت “الحقيقة أن الحكومة لديها عجز في الموازنة، وهاجسها اليوم هو تحقيق التوازن في الموازنة العامة، بغضّ النظر عن الوسيلة التي تعتمدها”.

وتشير وثيقة الموازنة الجديدة إلى أن الحكومة تتوقّع عجزا بنحو 3.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن بين العوامل المؤثّرة على العجز تكلفة زيادة أجور القطاع العام المقدّرة بنحو 630 مليون دولار ورصد 2.6 مليار دولار لدعم القدرة الشرائية للفقراء.

ويقول المنتدى الدولي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية، الذي تأسس في 2009 إنّ التهرّب من الضرائب أصبح خطرا يهدد إيرادات الدول في ظل العولمة ذات المنافع الاقتصادية المرتبطة بالمخاطر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: