محمد أمكراز وجه جديد للزمن السياسي المغربي المتحول

لم يمرّ اسم محمد أمكراز عن طريق لجنة الاستوزار لترشيحه وزيرا للتشغيل والإدماج الاجتماعي، بل صادقت الأمانة العامة رأسا على اقتراحه، ليقول عنه بعد ذلك رئيس الحكومة سعدالدين العثماني “أن يصبح أمكراز وزيرا، فهذه أعجوبة الزمان، ولم يكن أحدا يتوقّع هذا الأمر”، فهل سيكون هذا الشاب الذي يرأس أيضا شبيبة حزبه، أعجوبة الزمن السياسي كما قال العثماني، ويحقق للشباب المغربي ما فشل فيه سلفه من نفس الحزب.

ويتفق أمكراز مع ما وصفه به الأمين العام لحزبه، فهو صادق حسب زعمه، عند تناول الكيفية التي يُستوزر بها الوزراء في هذه المراحل، مفسرا أن الوزير في فترة من الفترات، يصعب أن ينال هذا المنصب إذا كان ينتقد وينتفض ويتمسك بحريته في الحديث والتعبير، وهذا النموذج هو المعمول به في شبيبة العدالة والتنمية، حيث ليس بالضرورة التعبير عن الولاء والطاعة والسكوت وإحناء الرأس من أجل نيل موقع ما.

الامتحان الأول

المرحلة الحالية توصف بأنها فترة حاسمة، كون المغرب سيدخل معركة إرساء دعائم النموذج التنموي الجديد بدل الذي فشل في تلبية متطلبات المرحلة السابقة

كلام الوزير الشاب فشل في أول امتحان واقعي عندما أحجم عن تفسير لماذا قام بعد تنصيبه بوقت قصير بمحو عدد من التدوينات من على صفحته الفيسبوكية التي تضمّنت مفردات وتواريخ معيّنة من قبيل “انتصار الصناديق ومحاولة الانقلاب على الشرعية، وعزيز أخنوش رئيسا للتجمع الوطني للأحرار، وبداية مرحلة جديدة عنوانها البارز البحث عن بديل للأصالة والمعاصرة الذي فشل في إنجاح الخطة”، وعليه لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به هذا الوزير الشاب، وهل سيجعلنا كما فعل حزبه لا نستكين إلى اليقين والتوقعات والطموحات والتقييمات في الحكم على هذه التجربة.

ربما هي إحدى نزواته عندما اعتبر العثماني، تعيين محمد أمكراز، بوصفه شابا، وزيرا للشغل، كان بإرادة من الملك نفسه، وهو ما شكّل حساسية سياسية لدى غريمه حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تحفظ على إقحام أسم الملك في شأن حزبي، رغم أن هذا الأخير بدوره وظّف ورقة القرب من البلاط للتموقع في المشهد السياسي.

بعد سلوكه المعترض على بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة التي يقودها حزبه، تم في الأخير اختياره ليكون ضمن التشكيلة الجديدة وهذا تحد آخر يواجهه أمكراز، الذي قال إن تعبير الشباب عن آرائهم واختلافاتهم واحتجاجاتهم أحيانا وعدم رضاهم على بعض القرارات لا يمكن أن يكون عائقا أمام ولوجهم للمؤسسات، وتحمّلهم للمسؤولية.

كان الخميس العاشر من أكتوبر الجاري، منعطفا هاما في تاريخ أمكراز السياسي، البالغ من العمر 41 عاما، عندما تسلّم مفتاح الوزارة. وحتى يعطي الانطباع بأنه مع الاستمرارية ولا يحبّذ المقاطعة، عبر عن عزمه على مواصلة الجهود والاشتغال على الملفات والأوراش التي باشرتها الوزارة في عهد محمد يتيم، لافتا إلى أن هذا الأخير تحمّل مسؤوليته الوزارية بكل جدية.

ممارسته للمحاماة ودفاعه عن معتقلي شبيبة العدالة والتنمية بتهمة الإشادة باغتيال السفير الروسي، عززت من تموقعه داخل صفوف شبيبة العدالة والتنمية نتج عنه انتخابه رئيسا لها في فبراير من العام 2018، كما ترسّخت صورته كمناضل قوي بعدما استغل قربه من الأمين السابق للحزب عبدالإله بن كيران، ودعمه في المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية التجديد لبن كيران لولاية ثالثة، وتأبى الظروف إلا أن تجعل منه مرؤوسا للعثماني داخل الحزب والحكومة.

تم وصف المرحلة الحالية بالحاسمة، كون المغرب سيدخل معركة إرساء دعائم النموذج التنموي الجديد بدل الذي فشل في تلبية متطلبات المرحلة السابقة، واختيار أمكراز كشاب ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية، يبرز حجم الثقة التي تضعها الدولة في عنصر الشباب كمشارك ومستفيد من النموذج التنموي المزمع إرساؤه قريبا.

وقد عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس، أواسط هذا الشهر، أمكراز وزيرا للشغل والإدماج المهني، خلفا لمحمد يتيم. مباشرة بعد استوزاره قال أمكراز إن تعيينه ككاتب وطني لشبيبة العدالة والتنمية في موقع وزارة الشغل رسالة مهمة تتجلّى في أنّ هناك فعل ثقة في الشباب الحزبي، معتبرا أن تكليفه هذا سيمكّن الشباب من استرجاع الثقة في العمل السياسي، مشيرا إلى أنّ العمل السياسي ليس فقط الانتقاد في الشارع، لكن يتيح أيضا “فرصة للإصلاح من داخل المؤسسات”.

قضايا الشباب

اقتحام الشباب المغربي الميدان السياسي وعدم الكفر به من الضروري أن يحتلّ مساحة كبرى من النقاش داخل الأحزاب لأن العالم يتغيّر وبسرعة، ونظرة الشباب المغربي إلى العمل السياسي بشكل خاص تتغيّر، ويبدو أنّ العديد من التغييرات الجارية خارجة عن سيطرة تلك الأحزاب وهنا يعترف أمكراز، بأن الكفاءة المطلوبة “ليست تكنوقراطية بل سياسية تمتلك رؤية ونظرة ومشروعا إصلاحيا مجتمعيّا يستند إليه، وهنا نحتاج إلى كفاءات، وإلى نظافة اليد والنزاهة، وإلى القيم الحقيقية للمغاربة”. ودخول شاب من المغرب العميق، من دوار بعيد بإقليم تزنيت في الجنوب، ترعرع وسط منظمة شبابية، وليس له من يُدافع عنه من داخل الحكومة ولا خارجها، إلا النضال داخل مؤسسات حزب العدالة والتنمية، هو رسالة أمل للشباب، إذ يمكن لأي شاب أو شابة أن يصل إلى هذا الموقع”، هكذا فسر أمكراز وصوله إلى الوزارة.

وقد انعكس صراع الحزبين الغريمين على شبيبتيهما، إذ هاجمت شبيبة حزب الأحرار، شبيبة العدالة والتنمية ونشطائها على شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسهم امكراز، متهمة إياهم بأنهم “أناس يعرفون كيف ينشرون العدمية”، واعتبرت ياسمين لمغور، مسؤولة شبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار، في جهة الرباط، أن أمكراز لا يتوفر على الكفاءة اللازمة للاستوزار.

وحين اعتقد أمكراز أنه الأفضل ضمن شباب العدالة والتنمية بدأ ينظر بأن في الممارسة السياسية كما يتصوّرها كسياسي يجمع بين قبعتيْ المسؤولية الحكومية والحزبية، هي ضرورة استكمال المسار الإصلاحي الذي بدأ في المرحلة السابقة، والتصدي لمحاولات إغلاق قوس الإصلاح وهذا ما يحتاج منّا أن نقف ضد هذا المسار، والانتصار لقضايا الديمقراطية، وقضايا الشاب.

أولويات المعركة

أهم ما سيواجهه أمكراز فكرة أن الوزارة تشغل الناس، بينما هي تضع السياسات والبرامج، أما التشغيل فمسألة ترتبط بالاقتصاد والتنمية

قبل تولّيه حقيبة وزير الشغل الحالي، اعتبر أمكراز أن المعركة الأساسية التي لا يجب التخلف عن خوضها، هي “معركة مواجهة الفساد والاستبداد والتحكم الذي يتجلّى في كل مرحلة بصيغة معيّنة متعدّدة الوجوه والسياقات”. لكن الآن يبدو أن بوصلة المعركة أصبحت متوجهة إلى مكان وأولوية أخرى. فمنذ العام 2012 تداول على وزارة التشغيل ثلاثة وزراء؛ واحد من التقدم والاشتراكية والآخران من العدالة والتنمية، وسبق للحكومة المغربية ووعدت بخفض معدل البطالة لكن الوعد لم يتحقق إلا بنسب ضئيلة، ما يجعل الوزير الشاب في وسط العاصفة، ويحتاج أمكراز، إلى خطط مستعجلة لتلبية مطالب فئات شبابية وخريجي جامعات ومعاهد التكوين، والمهمة ليست بالهينة إذ لا بد له من مراجعة إجراءات توفير فرص العمل، والبحث عن كل ما يحفّز الشركات على فتح المجال لإجراءات جديدة.

سبق لأمكراز وأن قال إن الملك عندما يعيّن شخصا في قطاع معيّن فهو يعيّنه كي يشتغل. وها هي قد جاءت الفرصة لامتحان مثل هذه التصريحات، وما دام أمكراز حاصلا على الماجستير في قانون الأعمال، فالتركيز على المسائل الاقتصادية داخل وزارته لا بد أن يكون ذا أولوية.

محاربة الهشاشة هدف أساسي للحكومة ووزارة الشغل مدعوة إلى طرح برامج تكوين وتدريب الشباب من أجل تعزيز فرص الشغل في القطاع الخاص ومواكبة كل مجالات الإنتاج، خصوصا إذا استحضرنا الإحصائيات التي تقدمها الوزارة، كون الوظيفة العمومية في المغرب تساهم فقط بنسبة 8 في المئة من مجموع تشغيل اليد العاملة.

لقد تم اختيار أمكراز بهدف إعطاء القطاع الذي سيديره خطوة أخرى نحو الأمام في هذه المرحلة الحسّاسة بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي، لكننا لا نعرف إلى أيّ حدّ سيتمثّل الوزير الجديد الخطط التي طرحها المغرب قانونيا وتشريعيا وماليا لاستقطاب استثمارات جديدة كجسر يمر من خلاله الشباب المغربي من مرحلة البطالة إلى التشغيل.

الشعب يريد العمل

أهم ما سيواجهه أمكراز حسب تنبؤات يتيم وزير الشغل والإدماج المهني السابق، هو اتهام وزارة الشغل بأنها تشغّل الناس، موضحا أن الوزارة تفكر في السياسات والبرامج، وأن التشغيل مسألة ترتبط بالاقتصاد والتنمية وبفاعلين آخرين، وهي التي تنسق أعمال اللجنة الوزارية للتشغيل، وشرف لها أن تتهم بتشغيل الناس.

وهذا أمر لا جدال فيه، إذا عرفنا أن الوزارة لا بد لها من الانتباه إلى أن ارتفاع النمو الديموغرافي بالمغرب حقيقة بارزة تتطلب مرافقتها بالبحث في الخارج لتسهيل ولوج الشباب المغاربة إلى وظائف شغل تستوعب الباحثين عن العمل، وكذلك من خلال إعطاء شحنات استثمارية إضافية لإنجاح الاستراتيجية التي أطلقتها الحكومة المغربية لتسريع نمو القطاع الصناعي، نحو 500 ألف فرصة عمل ابتداء من هذه السنة، وحتى سنة 2020، بمعدل 80 ألف فرصة عمل كل سنة.

سلوكه المعترض على بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة التي يقودها حزبه، يعد سببا رئيسيا في اختياره ليكون ضمن التشكيلة الجديدة وهذا تحد آخر يواجهه أمكراز، الذي قال إن تعبير الشباب عن آرائهم واختلافاتهم، لا يمكن أن يكون عائقا أمام ولوجهم للمؤسسات وتحملهم للمسؤولية

جلّ الأحزاب السياسة المغربية غارقة في الخلل وعدم الانسجام، خصوصا بين أعضاء التحالف داخل الحكومة، تجلّى هذا الواقع مباشرة بعد تنصيب الحكومة المغربية انبرى رئيسها العثماني والذي يشغل أيضا الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إلى الاحتفاء بالوافد الجديد على وزارة التشغيل، أمكراز، وجعل ترشيحه لهذا المنصب رقم مزايدة سياسية على غريمه التجمع الوطني للأحرار، الذي لم يدخل في اقتراحاته الوزارية أي عنصر شاب.

بدوره لم يسكت عزيز أخنوش رئيس حزب الأحرار، فجاء رده المباشر على العثماني من مدينة فرانكفورت الألمانية خلال تجمع لشباب حزبه، قائلا إن العثماني قام لأول مرة بالتهكم على حزبنا بشكل صريح، وقال إن “حزباً سيُدخل الشباب إلى الحكومة، وها نحن أدخلنا الشباب وهو لم يفعل”.

وخاطب أخنوش حليفه معاتبا “نحن شركاؤك في الأغلبية، وكنا معك رجالاً في تشكيل هذه الحكومة، ولم تسمعوا عن حدوث أي مشكل أو نقاش ساخن، بل سهلنا له المأمورية لأنها مرحلة يجب أن تمر ونحن تعاونا معه”.

بوليميك سياسي

ممارسته للمحاماة ودفاعه عن معتقلي شبيبة العدالة والتنمية بتهمة الإشادة بالاغتيالات، يعززان من تموقع أمكراز داخل صفوف حزبه

وجاء ذلك البوليميك السياسي رغم تأكيد الملك محمد السادس، خلال ترؤسه افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، في 11 أكتوبر الجاري على أن “المرحلة الجديدة تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات”.

وقد ثمّن أمكراز خطاب العاهل المغربي، مؤكداً أن الأحزاب السياسية يجب أن تنكب على ما ينفع الناس وهو العمل والاشتغال الجدي، وحتى يوجه النقاش إلى زاوية أخرى اعتبر محمد أمكراز، بأن هناك تحديات كبيرة تنتظر حزبه العدالة والتنمية على اعتبار الصدارة والمكانة التي يحتلها، وهذا يتطلب أن تكون لهذا الحزب أجوبة واضحة عن التحديات المطروحة على بلادنا وعلى الحزب داخليا.

نوع من اليوتوبيا التي لازالت مسيطرة على تصور أمكراز جعلته يقول إن الأحزاب السياسية ينبغي أن تُزيل الأشخاص الانتهازيين بداخلها، وأن نشتغل من أجل أن نناضل النضال الحقيقي، فنحن من سيضيع في الأخير، وستنتشر الرداءة في الفعل السياسي، وسنكون الضحايا.

لكن سجله السياسي يشهد بسابق خصومته مع أخنوش حينها هاجمه واصفا إياه بالتاجر الذي لا بد له من الاهتمام بتجارته والابتعاد عن السياسة التي لا يفقه فيها.

دعّم أمكراز حملة المقاطعة التي استهدفت عددا من الشركات من بينها شركة “أفريقيا غاز” التي يملكها رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، حينما اعتبرها تعبيرا واضحا ورسالة واضحة عن رفض ما يقع في بلادنا مؤخرا، قائلا “بغض النظر عن بعض تأثيراتها السلبية على بعض الفئات، وبغض النظر عمّن أطلقها والمستهدف بها، فإنها تبقى تعبيرا واضحا ورسالة واضحة عن رفض ما يقع في بلادنا مؤخرا”.

وبغض النظر عن الأيديولوجية التي يحمل، هل من المتوقّع أن يكون هذا الشاب وفيّا للاستمرار في دفاعه الحقوق الدستورية في الحرية والمساواة والعدالة ووقوفه ضد أي انتهاك مفترض من الحكومة التي يرأسها حزبه؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: