مراسم تنصيب قيس سعيّد تعيد الدفء للاتحاد المغاربي

تلقى التونيسيون وصول قيس سعيّد إلى قصر قرطاج، بتفاؤل متوقع، فهم من اختاروه بأكثر من ثلاثة ملايين صوت. لكن الترحاب الذي تلقّاه من قبل الجزائريين والليبيين وبالأخص من المغرب يعد أمرا رأى فيه محللون سياسيون تأسيسا لمرحلة جديدة على مستوى اتحاد المغرب العربي المعطل، ورسالة تنطوي على الكثير من الدلالات، خاصة مع الحرص الذي أبداه الرئيس التونسي الجديد على أن يكون أول نشاط رسمي له هو استقبال موفدَي العاهل المغربي الملك محمد السادس. ويأمل الجميع أن يكون هذا الحرص بداية لكسر الفتور النسبي الذي ساد العلاقات بين البلدين على مدى خمسة أعوام، وفاتحة لتجديد دماء الاتحاد المغاربي.

  لا يتوقف الحديث في تونس كما في المغرب حول أبعاد ودلالات مشاركة وفد مغربي رفيع المستوى يُمثل العاهل المغربي الملك محمد السادس في مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس التونسي الجديد قيس سعيّد، الذي حرص على أن يبدأ أول نشاط سياسي رسمي له كرئيس للبلاد، باستقبال الوفد المغربي في قصر قرطاج الرئاسي.

وبعثت تلك الخطوة التي شدت اهتمام الأوساط السياسية والمراقبين في البلدين، بتوقيتها وأجواء التفاؤل التي أشاعتها، برسائل وإشارات دالة على أن العلاقات التونسية-المغربية دخلت في مسار جديد يتجه نحو آفاق جديدة من التعاون الثنائي في مختلف المجالات من شأنه التأسيس لتحول نوعي سيرسم منحى إضافيا للعلاقات بين البلدين لا يمكن تجاهله أو القفز فوق مفاعيله في هذه المرحلة.

وكان الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب  المغربي، وحكيم بن شماش رئيس مجلس المستشارين المغربي، قد مثلا العاهل المغربي الملك محمد السادس في حفل تنصيب الرئيس التونسي الجديد، قيس سعيّد، الذي تم الأربعاء الماضي تحت قبة البرلمان التونسي، ليكون بذلك المغرب الدولة العربية والأجنبية الوحيدة التي شاركت في هذا الحدث التاريخي لتونس.

كمال بن يونس: استقبال قيس سعيد موفدَي المغرب هو حدث لافت

وقال الحبيب المالكي في تصريحات للصحافيين، إنه زار تونس مع حكيم بن شماش، بتعليمات من الملك محمد السادس، لتمثيله في حفل تنصيب الرئيس التونسي الجديد، لافتا إلى أن الوفد المغربي “نقل رسالة قوية جدا، وهي رسالة احترام وأخوة، عبّر عنها الملك دوما تجاه القادة التونسيين منذ الاستقلال، وبطبيعة الحال تجاه الرئيس المنتخب”.

وحرص الرئيس قيس سعيّد على استقبال الوفد المغربي في أول نشاط سياسي رسمي له كرئيس لتونس، حيث ذكرت الرئاسة التونسية أن الرئيس قيس سعيّد أكد خلال هذا الاجتماع على “استعداد تونس الدائم لمزيد تعزيز علاقاتها مع المغرب من خلال إيجاد صيغ وتصورات جديدة للتعاون في كافة المجالات لمواجهة مختلف التحديات وتجسيم تطلعات الشعبين الشقيقين نحو مزيد من التعاون والتكامل والتضامن”.

ورأى مراقبون أن هذه التأكيدات تؤسس لمرحلة جديدة ليس فقط على صعيد العلاقات بين البلدين، وإنما على مستوى اتحاد المغرب العربي المُعطل منذ سنوات، ذلك أن استقبال الرئيس التونسي الجديد،

قيس سعيّد للوفد المغربي لم يكن مجرد نشاط سياسي، بل رسالة مكتملة الأركان، تنطوي على الكثير من الدلالات في توقيت يحمل أيضا الكثير من الرسائل السياسية.

وفي هذا السياق، قال الكاتب والمُحلل السياسي التونسي كمال بن يونس، لـ”أخبارنا الجالية ”، إن حرص الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد على أن يكون أول نشاط رسمي له استقبال موفدي العاهل المغربي الملك محمد السادس، يُعد حدثا لافتا يوحي بوجود إرادة لتطوير علاقات تونس بالرباط بعد حوالي 5 أعوام من الفتور النسبي.

وسجل في المُقابل، غياب وفد عن الحكومة الجزائرية عن موكب تنصيب الرئيس قيس سعيّد، لافتا في نفس الوقت إلى أن الجزائر لم تُعين سفيرا
لها في تونس منذ مغادرة سفيرها السابق عبدالقادر حجار قبل حوالي العام.

وعرفت العلاقات التونسية-المغربية خلال السنوات الماضية الكثير من مشاهد التطور بما يخدم مصالح الشعبين، لكنها أيضا شهدت نوعا من الفتور الدبلوماسي خلال فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي اقترب كثيرا من الجزائر على حساب المغرب، حيث لم يزر الرباط رغم تلقيه العديد من الدعوات الرسمية.

مزيدا من التعاون والتكامل والتضامن بين البلدين

ويُشاطر عبدالرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني المغربي، هذا الرأي، حيث قال لـ”أخبارنا الجالية ”، إنه “من الواضح جدا أن العلاقات الثنائية المغربية-التونسية مُقبلة على مرحلة جديدة من التعاون الثنائي”.

ووصف مشاركة وفد مغربي رفيع في مراسم أداء قسم الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد، بأنها “رسالة دبلوماسية وسياسية رمزية وقوية من المغرب إلى أشقائه التونسيين، ذلك أن مشهد المشاركة يعبر عن دعم مغربي جديد للتجربة التونسية، سبقها دعم قوي آخر عكسته الزيارة الملكية خلال شهر مايو من سنة 2014 إلى تونس في فترة رئاسة منصف المرزوقي”.

وقلل في المقابل، من الفتور الذي عرفته العلاقات بين البلدين خلال فترة رئاسة الباجي قائد السبسي، قائلا “أعتقد أن العلاقات المغربية-التونسية ظلت قوية، وأن الملاحظات حول ما اعتبره البعض ‘برودة سياسية’ خلال مرحلة من مراحل حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، هي مسألة عابرة”.

وتُجمع القراءات السياسية لهذه التطورات وما حملته من دلالات، على أن العلاقات بين المغرب وتونس مُقدمة على انعطافة لا تفرضها الضرورة التاريخية، وإنما أيضا تفرضها مُقتضيات التحديات الماثلة في المنطقة المغاربية التي تُعاني من شلل الاتحاد المغاربي.

ويعاني المغرب العربي من تعدد الأزمات المُستفحلة في ليبيا، والضبابية في الجزائر، وهي تحديات تفرض حتمية تطوير العلاقات بين تونس والرباط بما يُراكم من أبعادها الاستراتيجية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: