استشراء الفساد في الجزائر يعقد محاربته

تحولت قضايا الفساد في الجزائر إلى منظومة متجذّرة في مختلف مفاصل ومؤسسات الدولة، مما يوحي إلى أن الحرب المفتوحة عليه ستكون معقدة وشائكة، قياسا بنفوذ رجالات المال والسياسة الضالعين في ملفات النهب وتبديد الأموال العمومية، مقابل مخاوف من انحرافها إلى عدالة انتقامية أو انتقائية.

وانضم نائبان من البرلمان الجزائري إلى لائحة المعنيين بإجراءات رفع الحصانة البرلمانية، بغية مباشرة تحقيقات قضائية معهما بسبب شبهات فساد تحوم حولهما، ليلتحقا بقائمة العديد من نواب البرلمان الملاحقين قضائيا في قضايا تخص ارتكاب جرائم فساد، وعلى رأسهم النائب المثير للجدل بهاءالدين طليبة.

وذكر مصدر برلماني أن مكتب مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) بصدد القيام بإجراءات رفع الحصانة عن النائبين علي طالبي وأحمد أوراغي، تلبية لطلب وزارة العدل، لاسيما بعد عدم امتثالهما للتنازل الطوعي عن الحصانة النيابية.

ويتابع القضاء الجزائري العديد من النواب المحسوبين على أحزاب السلطة، ويضعهم محل إجراءات رفع الحصانة، لتسهيل عملية التحقيق معهم في قضايا فساد وتبديد أموال عمومية، وكان آخرهم النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بهاءالدين طليبة، الذي أثير حوله لغط كبير، قبل أن يتم توقيفه من طرف مصالح الأمن وإحالته على السجن الاحتياطي بالعاصمة.

ورغم خطاب السلطة القائمة القاضي بمحاربة الفساد والتصدي لرموزه الكبرى التي تسببت في إنهاك المقدرات الوطنية، إلا أن الشكوك مازالت تحوم حول العملية، بسبب ما تسميه بـ”تحول الحملة إلى عدالة انتقامية أو انتقائية”، وتمت الإشارة في العديد من المرات إلى بعض الأسماء والوجوه التي كانت مستثناة من الملاحقة.

وفي خطوة لرفع اللبس المثار من طرف بعض دوائر المعارضة السياسية حول حماية الرجل القوي في المشهد الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح لتلك الوجوه، طالت عملية الملاحقة القضائية شخصيات كانت توصف بـ”المقربة من قيادة الجيش”، على غرار الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم محمد جميعي، والنائب البرلماني بهاءالدين طليبة، ومع ذلك يبقى اللغط قائما بعد الإشارات التي أوحت إلى فراد من عائلة الجنرال نفسه.

ولم يتوان الرجل الأول في المؤسسة العسكرية عن الإشادة بعمل السلطة القضائية وبضمان المؤسسة لاستقلالية الجهاز والتخلص مما أسماه في أكثر من خطاب بـ”عدالة الهاتف”، في إشارة إلى ممارسات سابقة في عهد نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

وقامت رئاسة الدولة خلال الأسابيع الماضية بعدة حركات داخل المحاكم والمجالس القضائية، كانت آخرها عملية الأحد، التي تم بموجبها تعيين العديد من رؤساء المحاكم والمحافظين ورؤساء المجالس، مما يؤكد حرص السلطة على تطهير الجهاز القضائي من العناصر المشكوك فيها أو المتعاطفة مع رموز النظام السياسي السابق.

ولفت الرجل الأول في جهاز القضاء الوزير بلقاسم زغماتي إلى أن “من بين أسباب انعدام الثقة بين الشعب والسلطة، هو اهتزاز مصداقية القضاء وعدم خضوع الجميع للقانون، فضلا عن توظيفه في تصفية الحسابات السياسية والشخصية وهيمنة الولاءات على كوادره”.

ويمكث في سجن الحراش بالعاصمة العديد من رجال المال والأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة، إلى جانب عدد آخر من الوزراء ورؤساء الحكومات والجنرالات والمسؤولين الكبار في الدولة، مما يعطي الانطباع بأن ظاهرة الفساد في الجزائر تعدت حدود العصابة إلى نظام فاسد بالمطلق.

ويأتي على رأس هؤلاء أحمد أويحيى، عبدالمالك سلال، عمار غول، جمال ولد عباس، محمد جميعي، محي الدين طحكوت، يسعد ربراب، أحمد معزوز، علي حداد.. وغيرهم، الذين كانوا يحظون بحماية استثنائية من طرف السلطة ويحتكرون كل النشاط الاقتصادي والمالي في البلاد.

ولم يستبعد مصدر حقوقي إيجاد تسوية بين السلطة وبين رموز الفساد، حيث أبدى عدد من رجال الأعمال المسجونين، على غرار علي حداد، استعدادهم للتنازل عن ممتلكاتهم وعقاراتهم للخزينة العمومية مقابل الإفراج عنهم، وهو ما نقل عن بعض أفراد فريق دفاعهم، مما يفتح المجال أمام مصالحة بين الطرفين، يتم بموجبها التنازل عن الثروات المملوكة مقابل الحرية.

ومع ذلك يبقى مصير الأموال المهربة إلى الخارج مجهولا من حيث الوجهة والمبلغ، واستبعد مختصون في القانون إمكانية استعادة الحكومة الجزائرية لها بسبب الإجراءات المعقدة في العملية.

ويرى خصوم بوتفليقة في المعارضة وحتى في السلطة الحالية أن الرجل عمد إلى تعميم ممارسات الفساد من أجل ضمان استمراره في السلطة والرئاسة مدى الحياة، من خلال توريط الفاعلين في المشهد وانتهاج أسلوب رشوة الطبقة السياسية والمؤسسات والمسؤولين والإعلام والمجتمع المدني، كي لا ينافسوه في طموحه السياسي، قبل أن يسقط تحت ضغط الحراك الشعبي المستمر منذ ثمانية أشهر.

ورغم مرور عدة أشهر على سجن رموز النظام السابق وبلوغ التحقيقات مرحلة متقدمة، إلا أن المحاكمات لم تبرمج لحد الآن، حيث يجهل لحد الآن إن كان سيتم فتحها قريبا أو إرجاؤها إلى غاية ما بعد الانتخابات الرئاسية.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: