تصلب مواقف السلطة يضعف فرص الحوار في الجزائر

فتح تجاهل نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش في الجزائر أحمد قايد صالح للدعوات المتواترة إلى حوار سياسي جاد يخرج البلاد من أزمتها السياسية على غرار ما عرف بـ”لجنة الحوار والوساطة” بقيادة رئيس البرلمان السابق كريم يونس، أبواب الغموض أمام مستقبل الجزائر، حيث يقرّ مراقبون بأن عدم تفاعل السلطة مع هذه المطالب يؤكّد إصرارها على خيار الانتخابات الرئاسية لإنهاء الأزمة التي بلغت شهرها الثامن منذ الإطاحة بنظام عبدالعزيز بوتفليقة.

ما زالت دعوات الحوار السياسي الجاد بين أطراف الأزمة السياسية في الجزائر، تصطدم بتعنت السلطة القائمة، مما يضفي الغموض على مآلات ومسارات الوضع في البلاد، حيث لم تتأخر قيادة المؤسسة العسكرية في تجاهل دعوة الشخصيات السياسية إلى التهدئة والحوار، بالتأكيد على المسار الانتخابي واحترام الدستور.

وتجاهل الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، الدعوة إلى التهدئة والحوار التي أطلقتها مجموعة الشخصيات السياسية والحقوقية والنقابية، من أجل استعادة أجواء الهدوء والاستقرار قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، وذلك من خلال تأكيده في تصريحه الأخير على أن “البلاد وضعت فوق السكة الصحيحة وهي سائرة في الطريق السليم”.

ورغم الحوار السياسي الذي أطلقه ما عرف بـ”لجنة الحوار والوساطة” بقيادة رئيس البرلمان السابق كريم يونس، خلال الأسابيع الماضية، فإن المخارج التي توجت المسار بقيت بعيدة عن طموحات المعارضة السياسية وفعاليات الحراك الشعبي، خاصة وأن عمل اللجنة عرف مقاطعة واسعة

من طرف مختلف القوى السياسية والأهلية.

ووصف حوار لجنة كريم يونس، بـ”الشكلي والفاشل”، نظرا لعجزه عن استقطاب زخم الحراك الشعبي واستمرار الاحتجاجات السياسية بشكل أقوى، وتحوّل رئيس اللجنة نفسه إلى مطلوب لدى المتظاهرين كغيره من الشخصيات والرموز السياسية المحسوبة على النظام.

ولم تبد السلطة القائمة إلى حد الآن أي نية في فتح حوار سياسي يستجيب لمطالب قطاع كبير من الطبقة السياسية والحراك الشعبي، وما زالت متمسكة بخيار الانتخابات الرئاسية كمخرج نهائي وناجع للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ ثمانية أشهر، حيث قطعت أشواطا كبيرة في عملية التنظيم والاستعداد رغم تمدد حالة الرفض الشعبي للاستحقاق الرئاسي.

دعوات الحوار السياسي الجاد بين أطراف الأزمة السياسية في الجزائر تصطدم بتعنت السلطة القائمة وتجاهل الرجل القوي في المؤسسة العسكرية

وشدد الجنرال أحمد قايد صالح، في آخر تصريح له بعد تواريه عن الأنظار خلال الأيام الأخيرة بشكل أثار شائعات مختلفة، على أن “احترام الدستور وخيار الانتخابات هما المخرج الوحيد إلى الاستقرار والشرعية والمؤسسات”.

وقال خلال زيارته لقيادة القوات البحرية بالعاصمة، “متيقنون كل اليقين بأن قطار الجزائر قد وضع على السكة الصحيحة والمأمونة وتم توجيهه نحو الوجهة الصائبة التي يرتضيها أخيار الوطن بفضل ذلك التضافر والثقة العالية بين الشعب وجيشه”.

وأضاف “القرارات الشجاعة التي تم اتخاذها منذ بداية الأزمة أثبتت الأيام صوابها ومصداقيتها لأنها تصب في مصلحة الشعب والوطن، وأن المساعي المتسمة بالصدق والجدية تجسدت خلال انعقاد مجلس الوزراء، حيث تعديل قانون الانتخابات وتكييفه بشكل يتجاوب تماما مع الانشغالات الشعبية ويستجيب لتطلعات الجزائريين”.

وجاءت تصريحات نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش، بالموازاة مع بيان “الوضع العام” الذي وقعته شخصيات وازنة في البلاد، حيث وصفت الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في ظل هذه الظروف والمؤشرات، بـ”المغامرة”، وأنه “سيضع البلاد على حافة أزمة سياسية خانقة”، مما يعطي الانطباع بأن فرص التقارب بين السلطة والمعارضة ضئيلة جدا بسبب هذه المواقف.

واتهمت حركة مجتمع السلم في بيان أصدرته أمس الأربعاء، ما أسمته بـ”سلطة الأمر الواقع”، بتعطيل الانتقال الديمقراطي في البلاد، والعمل على تجديد النظام بوجوه وآليات جديدة لا غير، وعلى تجاهل مطالب الثورة السلمية للشارع الجزائري، وعلى رأسها رحيل النظام وتنحي جميع رموزه.

وكانت حركة “حمس”، إلى جانب قوى سياسية أخرى في التيار الإسلامي والديمقراطي والعلماني، قد قاطعت دعوات الحوار السياسي التي وجهت لها من طرف لجنة كريم يونس، واتهمتها بـ”غير الشرعية وغير المجدية، في ظل ولائها للسلطة وعدم التزامها بمطالب التهدئة التي وضعتها في بداية المسار على مكتب رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح”.

Thumbnail

ورفع بيان “الوضع العام” الصادر الثلاثاء، عدة شروط ومبادئ أدرجتها قوى سياسية في خانة إجراءات التهدئة لتهيئة الأجواء لحوار سياسي جاد بين أطراف الأزمة قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، وهي نفسها المطالب التي رفعتها لجنة كريم لرئيس الدولة خلال تنصيبها، قبل أن تتجاهلها تحت رفض وضغط الرجل القوي في السلطة والعسكر الجنرال قايد صالح.

وتعرف الجزائر أجواء سياسية وحقوقية مشحونة، بسبب ما تصفه المعارضة بـ”الإفراط في تطبيق الإجراءات القمعية والتعسفية في حق المعارضين والناشطين والصحافيين والحقوقيين، فضلا عن قمع المظاهرات وغلق العاصمة والتوقيفات المستمرة”.

ويرى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، بأن “الحوار الحقيقي يتوجب أن يتم بين طرفي الأزمة الحقيقيين، وهما المعارضة السياسية والحراك الشعبي، وبين قيادة الجيش على اعتبار أنها هي الحاكم الفعلي للبلاد، وأن الحوار الحقيقي يكون حول أجندة رحيل النظام وتسليم السلطة للشعب، وما عدا ذلك فهو إجراءات شكلية تطيل عمر الأزمة والصراع لا غير”.

وهذا الطرح يعد بعيد المنال في رأي المتابعين للشأن الجزائري، قياسا بقوة النظام القائم وقدرته على المناورة، وبعدم استعداده لتقديم تنازلات بهذا الحجم، فإذا كان يرفض لحد الآن الجلوس إلى طاولة الحوار مع من يوصفون بـ”عقلاء المعارضة”، لا يمكن انتظار أي تفاعل منه مع مطالب المعارضة الراديكالية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: