حسناء أبوزيد مغربية صحراوية تتحدى من أجل حياة سياسية متطورة

لا تفارق لحافها الصحراوي بألوانه المختلفة حسب المناسبة والظرفية، باعتباره رمزا لهويتها وتحته تخفي شخصيتها القوية، يسارية حتى النخاع وصحراوية حد التعصب غير الأعمى، بَسمتُها لا تفارق المحيّا حتى وإن هاتفتها عبر كيلومترات تحس بتلك النبرة من التعاطف والصرامة ونموذج السياسي المثقف، وما أحوج العرب اليوم إلى سياسيين جادّين.

قيل عن المسار السياسي لحسناء أبوزيد الكثير لكنها تؤكد أنها لا زالت في الطريق ممارسة ومتعلمة، ذكاء وتواضع هذه السيدة الى جانب فصاحتها، خصال أهّلتها لتكون من الأسماء الوازنة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتحظى بمكانة خاصة لدى جميع الاتحاديات والاتحاديين، ما جعل المتعاطفين والمعجبين بسيرتها يرشحونها لتكون سيدة حزب الاتحاد الاشتراكي، ولم لا إذا كانت تحمل صفات السياسي النزيه والكفء والشجاع، هكذا قالوا، لكن المجال يحتاج أكثر من هكذا خصالا بكثير.

هناك من يعتقد أن الخوف من الفشل هو لعنة السياسيين التافهين، في حين أن الفشل طريقة أخرى للوصول إلى الهدف لمن خبروا دهاليز صناعة الرأي وتوجيه الجماهير، ونموذج حسناء أبوزيد يقع مع الزمرة الثانية كسياسية ترى في الفشل فرصة فهي تجمع بين الطموح والنبل ورجاحة الفكر ما يؤهلها لقيادة الاتحاد الاشتراكي في المرحلة المقبلة.

صراع الزعامة

أبوزيد تعرف ما هو متوقع منها سياسيا ودبلوماسيا، فهي ليست طارئة على المشهد السياسي المغربي باعتبارها سليلة آل بيروك، إحدى أكبر عائلات الصحراء وأكثرها عراقة

المدرسة الواقعية تعتقد أن العالم عبارة عن أقطاب متنافسة أو في تصادم مستمر، والأحزاب السياسية ليست سوى بيئة مصغرة عمّا يقع خارجها، وضمن هذا الفهم يُعتقَدُ، أن أبوزيد إنما يخشاها إدريس لشكر كمنافسة له في تسيير دواليب الحزب، وهي التي واجهته بجدارة في العديد من المحطات. هو يقول إن سنوات خدمته تحت تصرف قيادات سابقة من اليوسفي واليازغي والذين قبله، فهو غير مستعد ليترك الفرصة لأحد كي يأخذ مقود القيادة.

كانت من المرشحين قبل عامين لقيادة سفينة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بدل الرئيس الحالي، وتعتبر من أشرس المعارضين للقيادة التي تدبر شؤون الحزب، وآنذاك كان الاختلاف قائما حول المنهجية التي اعتمدت في التحضير للمؤتمر العاشر. تلتحف ثوبا صحراويا وببشاشة واضحة توصل فكرتها وتدافع عنها بقوة وصرامة.

من الممكن أن يكون طموح لشكر كرئيس الاتحاد الاشتراكي هو كتابة تاريخه الفريد الذي سيمحو كل المنافسين السابقين والقادمين إلى الأبد، لكن أبوزيد تؤكد لـ”أخبارنا الجالية ”، أنها لا تميل إلى شخصنة الصراعات السياسية، وتعتقد أن الأمر يتعلق بالتوجس من التغيير ومن المستقبل ومع الأسف التاريخ القريب يرجح كفة هذا التقدير، وبالنسبة للتغيير والتأنيث والتشبيب فهي مفاهيم تقدمية ولن يستقيم أبداً أن تسجن فكرة تقدمية في أثواب الركود بالتآمر على المستقبل.

حسناء أبوزيد تؤكد لـ”أخبارنا الجالية ” أنها لا تميل إلى شخصنة الصراعات السياسية المغربية، فهي تعتقد أن الأمر يتعلق بالتوجس من التغيير ومن المستقبل، ومع الأسف فإن التاريخ القريب، كما تقول، يرجح كفة هذا التقدير

عندما تسألها عن ملابسات اقتراحها من طرف رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، وزيرة للصحة باسم الاتحاد الاشتراكي أثناء المشاورات مع إدريس لشكر، في فريقه الحكومي الذي يتم الإعداد له، لا تنفي أبوزيد ولا تؤكد، عكس المصادر القريبة من مطبخ الاتحاديين التي أكدت رفض لشكر بشدة هذا المقترح معتبرا أن الأمر هو شأن اتحادي والاتحاديون هم من يقررون في هذه المرحلة.

يرجح المتابعون أن نظافة اليد ولكونها مقبولة من طرف النخبة الاتحادية وكل القوى السياسية، وهو ما جعل الإحساس السياسي عند أبوزيد جيدًا، وهو الذي أصبح إشعارا منذرا بالاندحار السياسي لخصومها، وسببا كافياً كي تنكوي بنار المنافسة من عدة أوجه وبطرق قد تكون غير نظيفة.

لا تريد أبوزيد التخلي عن مكون أساسي من مكونات شخصيتها، ألا وهو التحدي وانتظار الفرص دون انتهازية فجّة وتنتقد الوضع بجرأة معهودة وهذا ما خلق الفجوة بينها وبين قيادة الحزب اليساري، وها هي تفسر لـ”أخبارنا الجالية ”، الأمر بتأسيس أعراف حزبية تؤوِّلُ كل انتقادٍ بأنه يمس بتماسك الصف كجانب من موروثات المرحلة السرية للحزب في الأيام الصعبة.

غالبا ما يكون المتنافسون في مجال السياسة أكثر استعمالا لوسائل الإبادة الأكثر فتكا لتحطيم كل الآخرين، لذلك استغل خصومها داخل وخارج الحزب موقع زوجها الذي يشتغل محافظا بإقليم مديونة، لإفراغ محتوى دفاعها عن الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والممارسة السياسية السليمة، لكنها ترد بأنها لا تَعَارُض في هذا الوضع، وبأن الثقة التي وضعتها الدولة في شريك حياتها العائلية والحزبية، هي نموذج يجب اتباعه، فالاتحاد هدفه كان دائما إصلاح الإدارة والمساهمة في تجديدها.

النخبة وخدماتها

كثر الحديث عن النخب والحاجة إلى خدماتها في الآونة الأخيرة خصوصا من داخل الأحزاب لملء فراغ في الحكومة والإدارات والمؤسسات. هذا الشح البشري، له من الأسباب الكثير نظرا للطبيعة غير التأملية والمشتتة لجل ما يحتويه الوسط السياسي الحزبي بشكل خاص في السنوات الأخيرة.

وكثيراً ما شدد العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطبه الرسمية، على أن تعمل الأحزاب السياسية على تطعيم الحكومة بكفاءاتها لأجل تجويد التدبير الحكومي، بتقديم وزراء ذوي كفاءة ومصداقية لإنقاذ التجربة السياسية المغربية، وهذا ما لم ترغب فيه بعض القيادات التي تكرّس الشعبويّة والأنانية، هناك من طرح اسم أبوزيد ككفاءة تستحق تحمل المسؤولية داخل الحكومة، باعتبارها “قيمة وطنية” و”إضافة نوعية تخدم قضية الوطن في الصحراء”.

وتعليقها على هذا الاقتراح لم تجعله هذه السيدة فرض عين على القيادة والقاعدة لكن يُفترض ألا تشكل مسألة قيادة نسائية للاتحاد الاشتراكي مطلباً عزيزاً بل أن يفرزها تطارح المشاريع الحزبية والتباري المتكافئ للكفاءات الحزبية التي تحظى باحترام وثقة المغاربة جميعاً.

أبوزيد ترى أن حماية مكوّن البوليساريو وضمان استقلاليته مدخل مهم وأساسي لأن الجبهة في صيغتها المستقلة والعقلانية يمكن أن تساهم بشكل بناء في مناقشة المقترح المغربي المتعلق بتمتيع المناطق الصحراوية بحكم ذاتي، شرط توفير ضمانات الثقة

التراجع السياسي الانتخابي والشعبي وخصوصا القيمي الذي عاشه الاتحاد الاشتراكي يتجاوز في تفسيره تأثير ما دأبت أدبياتنا على ربطه بالسلطوية وتعثر الانتقال الديمقراطي بما هي جزء مؤثر في التحليل، ليعرّي واقعاً مراً، صحيح لكنه ليس مستحيل التغيير، والمتعلق بالبيئة الداخلية ومدى تمثلها لقيم الديمقراطية، والتحديث، والقدرة على بعث حزب الحق والقانون وقيم التدبير الديمقراطي، كمساهمة مسؤولة لإنتاج نخب الديمقراطية لبناء دولة ومجتمع ديمقراطيّين، بإيجاز بلورة نموذج سياسي جديد للحزب.

ولـ”أبوزيد” رأي في هذا النموذج باعتباره أنتج الكثير من الصراعات في الممارسة السياسية الاتحادية كما صنع ثقافة اجترارها بالتجاهل الجماعي واللامسؤولية وثقافة التطبيع مع التضحية بأجيال من النخب كنمط مكلف لدوران النخب وأشاع قيماً دخيلة على العمل الرفاقي والعقيدة المجمعة، والحل هو الديمقراطية الداخلية لإنتاج ما يمكن تسميته بدَمقرطة المناصب حسب الكفاءة.

الحكومة ومحتكرو القرار

من قال إن بلوغ الذروة يحتاج إلى السنوات الطوال في العمل السياسي، فالوصفة الناجحة تتطلب الجرأة والبلاغة في التواصل والإلمام بالقضايا والانتماء الحقيقي للبيئة الحاضنة. كل هذا كان متوفرا سنة 2005 عندما بادرت أبوزيد بنيل عضوية المجلس الوطني لمنظمة النساء الاتحاديات، لتتمرس أكثر على العمل التنظيمي، وتصبح بعد خمس سنوات نائبة الكاتبة الوطنية لتنظيم النساء الاتحاديات، وكانت هذه فرصة لتنسج لنفسها تشكيلة من العلاقات لتيسير مهمتها داخل وخارج الاتحاد الاشتراكي وتضحي وجها نسائيا بارزا.

من خلال اللائحة الوطنية لنساء الحزب، أصبحت أبوزيد نائبة في البرلمان، فكانت النائبة الرابعة لرئيس لجنة القطاعات الاجتماعية، والنائبة الثالثة لرئيس لجنة مراقبة المالية العامة. كما شغلت عضوية لجنة المساواة وتكافؤ الفرص بمجلس النواب، إضافة إلى عملها مستشارة بمكتب شبكة برلمانية ضد عقوبة الإعدام. هذه المسيرة جعلت من أبوزيد نموذجا حزبيا نسائيا نخبويا جديرا بالاهتمام.

التراجع التدريجي الذي عرفه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سياسيا وانتخابيا كان واضحا للعيان، من حزب كانت بياناته السياسية تجعل السلطة في استنفار كبير وقيادته كما قاعدته كان لهما الحضور والاحترام والكلمة في كل الأوساط وفئات المجتمع، إلى حزب بالكاد يحصل على فريق كامل من 12 برلمانيا، إنها انتكاسة. وبالرغم من هذا الواقع فحسناء ترى في هذا الحزب تجسيدا لأمل تحمله روح تقدمية، لا يمكن أن يموت إلا بدفن السياسة.

أزمة الاتحاد الاشتراكي مرتبطة في اعتقادها، بحالة انحباس فكري أسبابه داخلية محضة، في ما يشبه الأمراض المناعية التي ينتج فيها الجسد مضادات حركيته وديناميته وصحته، فالذي أشرف على نهايته هو النموذج التاريخي للممارسة السياسية الاتحادية وليست الفكرة الاتحادية في خد ذاتها.

ليس من السهل تفادي الاختلاف لكن عندما تجد أن أغلبية القيادات الاتحادية خارج هذا التنظيم السياسي، فهذا الوضع يتطلب أكثر من مصالحة داخلية شاملة تعيد اللحمة ووحدة الصف للحزب أطلقتها القيادة الحالية، ورغم موقفها من هذه القيادة الحالية فقد أسرّت أبوزيد للصحيفة، أنه بغض النظر عن حمولة المصطلح وهل يعبر فعلا عن طبيعة الأزمة التي يعيشها الحزب، فهي مبادرة جيدة ومحمودة، ويجب على لشكر أن يفكر ملياً في توفير الشروط الضرورية لإنجاح مبادرته ولعل أهمها المصداقية والالتزام.

لقد وجد محتكرو القرار الفعليّون داخل القيادة الاتحادية أنفسهم في مآزق متشابكة رهنت حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس فقط إلى غير خطه السياسي بل حشرته في فوضى قيمية وسياسية وأخلاقية، هكذا تقيّم حسناء الوضع الداخلي، “فوضى تعبر عنها ضبابية رؤيته اليوم وحجم التردد بل والتوجس والذبول الذي يطبع مواقف حزبنا”، والاستنتاج هو أن القيادة الحالية لم تُوفق في امتحان المشروعية.

وبعد أيام من حسم خريطة الحكومة المعدلة، وبعد انصرام قرابة أكثر من منتصف الولاية، ترى أبوزيد، أن منهجية تدبير قيادة الاتحاد الاشتراكي للتحالفات وَصمتْ صورة مشاركة الحزب في الحكومة، وتضيف “مشاركتنا باهتة ودون أدنى أثر سياسي”، معتبرة أن محتكري قرار القيادة الاتحادية أدخلوا الحزب إلى حكومة العثماني من الباب الصغير،
فقد “حُشرنا في اصطفافات لا تليق بمكانتنا الرمزية ولا تخدم طموحاتنا في إعادة الاعتبار للعمل الحزبي والسياسي”.

حل ملف الصحراء المغربية

العاهل المغربي يشدد دوماً على ضرورة أن تقوم الأحزاب بتطعيم الحكومة بوزراء ذوي كفاءة يرفدون التجربة السياسية المغربية، وهذا ما لا ترغب به بعض القيادات التي تكرّس الشعبوية والأنانية

يبدو أن أبوزيد تعرف ما هو متوقع منها سياسيا ودبلوماسيا فهي ليست طارئة على المشهد السياسي المغربي باعتبارها سليلة آل بيروك، إحدى أكبر عائلات الصحراء وأكثرها عراقة، وهي من أولى الأسر الصحراوية التي انفتحت على عالم المعمار وممارسة التجارة والفلاحة والتصدير البحري في بيئة صحراوية عرفت بكثرة الترحال.

ولا يمكن الحديث عن هذه المرأة الصحراوية دون التعريج على سيرة جدها القايد دحمان بن بيروك الذي يعد أحد مؤسسي الحركة الوطنية بالجنوب المغربي ومؤسس أول فرع لحزب الاستقلال بالصحراء نهاية الأربعينات وجيش التحرير في كلميم، الذي عارض سياسته وتجاوزاته ضد الصحراويين بعد ذلك في الجنوب، وقبلها اعتقلته السلطات الاستعمارية وعزلته وهو قائد منطقة وادنون بعد رفضه التوقيع على عزل السلطان محمد الخامس. ومن منطلقات الخلفية العائلية والقرب التاريخي والعائلي والسياسي من حيثيات ملف الصحراء، تَعتبر حسناء أبوزيد أن هذه القضية يجب أن تُعالج في إطار سياسة عمومية يشكل فيها الجانب الدبلوماسي جزءاً فقط وليس كلاً، وتؤمن أن الفاعل السياسي والمثقف والجامعي وغيرهم لا يمكن أن يحصروا مساهمتهم فقط في ترقب القرارات ورصد المستجدات، وأحيانا تكييف الفهم والتحليل. فإلى جانب إقرارها بأن المجهود التنموي الوطني في الصحراء يجبُ أن يواكبهُ تأطير على المستوى السياسي، فمن غير المقبول عند هذه السيدة، أن يمتنع الفاعل السياسي والإعلامي والأكاديمي خصوصا بالنسبة لجيل ما بعد المسيرة الخضراء عن خدمة قضيته ويُخضِع أداءَه لآلية ضبط مفرطة أنتجتها ظروف سياسية ولى زمنها وانتهى.

ترى هذه المرأة القريبة من ملف الصحراء، أن تركيز الفاعلين السياسيين يجب أن ينصب على تقوية البناء الديمقراطي لأن المشروعية الديمقراطية هي الضامن الأساس للوحدة، طرحها هو أن قضية الصحراء يجب أن تستفيد من ثراء التجربة السياسية المغربية ومن أعطابها كذلك، ولا يمكن أن تدرج في الشق الدبلوماسي بل يجب أن تبنى سياسة عمومية تـمنع الداخل وتقوي الجبهة الوطنية بطريقة تقطع مع المفاهيم القديمة.

عندما تنتهي الحجج تبدأ السفسطة لهذا أراد الكثير من خصوم أبوزيد الدخول من زاوية ملف الصحراء للتشويش على صورتها، لهذا تقترح على الجميع المساهمة في بناء بيئة الحل وتقوية الثقة بين الأطراف كطريق للوصول إلى الحل النافع والدائم، وبشكل أكثر جرأة تقول إن حماية مكون البوليساريو وضمان استقلاليته مدخل مهم وأساسي لأنها – جبهة البوليساريو – في صيغتها المستقلة والعقلانية يمكن أن تساهم بشكل بناء في مناقشة المقترح المغربي المتعلق بتمتيع المناطق الصحراوية بحكم ذاتي، شرط توفير ضمانات الثقة.

عند القيام بتصميم النموذج الملائم للمرحلة والقضايا المطروحة، لا بد من الامتداد عبر حدود الممكن والمتاح نحو تصورات مبتكرة لمخارج الحلول، وفي قضية الصحراء المغربية بشكل خاص لا بد من الاعتماد على كفاءات المنطقة لاستجلاء الحدود الممكنة التي قد يمنحها الواقع المحلي والدولي، وهنا نقول إن حسناء أبوزيد استندت، في ممارستها للدبلوماسية الموازية كبرلمانية وقيادية يسارية، على مكانة عائلتها التي دافعت عن حدود الدولة المغربية وسيادتها عندما ناهضت الاحتلال الإسباني.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: