الحكومة المعدلة جينيا في المغرب…

«تمخض الجبل فولد فأرا»، مثل ينطبق على الحكومة المغربية في صيغتها المعدّلة؛ فلعلّ الكثير من المواطنين المغاربة قد سُقِطَ في أيديهم، وهم يتابعون عبر شاشات التلفزيون، عشية أول أمس (الخميس)، تقديم الوزراء، الواحد تلو الآخر، بأسمائهم وصفاتهم ووجوههم.
بعد بضعة شهور من الانتظار، ظهرت التشكيلة الوزارية في صورة مخيبة للآمال، وذلك لأن شعار ضخّ الحكومة بذوي الكفاءات ظل مجرد حبر على ورق، فصارت حكومة «مكافآت» بتعبير البعض وحكومة «كفالات» بتعبير البعض الآخر، إذ إن منطق الولاءات الحزبية طغى على أي اعتبار آخر.
ومن دواعي الصدمة التي اعترت المواطن المغربي أن التجديد لم يتعدّ ثلث الحقائب الوزارية، فيما ظل الثلثان في أيدي الوزراء القدامى. كما جرى تكريس الوزراء «التكنوقراطيين» في الداخلية والخارجية والدفاع والأوقاف والشؤون الإسلامية والأمانة العامة للحكومة والتعاون الإفريقي والتعليم العالي والصحة.
أما وزارة الاتصال (الإعلام) فقد انمحت من الخريطة الجديدة، مما جعل الصحافيين حيارى يتساءلون مَن يكون مُخاطبَهم الرسمي في الملفات المهنية، ولكن أحد الزملاء لم يتركهم في حيرة، إذ قال إنه لا داعي لوزارة الاتصال ما دام الصحافيون يُحاكَمون بنصوص القانون الجنائي. (شكرا للإعلامي حسن اليوسفي المغاري على هذه المعلومة التي يُدرك كل لبيب أنها تندرج ضمن السخرية السوداء).

وزير «الأبطالات»!

أما الصدمة الكبرى للتعديل الحكومي في المغرب فهي الاحتفاظ بوزير التعليم، سعيد أمزازي، الذي اشتهر بصولات وجولات في الاعتداء على اللغة العربية الفصحى، سارت بذكرها الركبان عبر شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية والجرائد الإلكترونية ومواقع الفيديوهات، فقد أضاف إلى نطقه الغريب بكلمة «المتوجين والمتوجات»، خلال حفل رسمي، فضيحة جديدة، حين تحدث أمام نفر من الناس عن «الأبطال والأبطالات» (وليس البطلات).
أمام هاتين الواقعتين الموثّقتين صوتا وصورة، لا يدري المرء هل يتعلق الأمر فعلاً بعجز لدى الوزير المعني في التحدث باللغة العربية، وهو الذي درّس أبناءه في ثانوية تابعة للبعثة الفرنسية في الرباط؟ أم إن الرجل بتعمّد مثل تلك الأخطاء، نكاية في لغة الضاد ومحاولة للسخرية منها، في مقابل الإعلاء من شأن لغة موليير التي يبذل اللوبي الفرنكفوني الغالي والنفيس من أجل فرضها في المستعمرات الفرنسية القديمة في إفريقيا عامة وبلدان المغرب العربي خاصة؟
ولا ننسى، أيضا، أن الوزير المذكور أفلح في فرض الفرنسية لغة لتدريس العلوم بالتعليم المغربي، مخالفا دستور المغرب الذي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية في البلاد إلى جانب الأمازيغية.
ومن ثم، كُوفِئَ وزير التعليم بالاحتفاظ به في التشكيلة الحكومية «المعدّلة». أما رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، فالظاهر أنه لا ناقة له ولا جمل في اللعبة كلها، ربما لأنها تتجاوزه أكثر. أما التعليل بكون التعديل أدى إلى تقليص الحقائب الوزارية فمجرد ذريعة لذر الرماد في العيون، ما دامت «المندبة كبيرة والميت فأر» على حد قول المثل المغربي.
ليس في إمكاننا سوى أن نطفئ التلفاز كلما ظهر وزير من حكومة «الكفاءات» المزعومة، وأن نردد مع الزعيم المصري الراحل سعد زغلول قولته الشهيرة مخاطبًا زوجته: «ما فيش فايدة غطيني يا صفية»!

تجاهل إعلامي!

كتب الشاعر محمد علي الرباوي على صفحته الافتراضية تدوينة جاء فيها: «وصل الشعراء المغاربة محمد عريج ومحمد الساق وسعيد بنعياد ـ وأنا بينهم ـ إلى مطار محمد الخامس. وجدوا عند باب الطائرة السيد وزير الثقافة والسيد وزير الأوقاف ووالي الدار البيضاء. توجه الجميع إلى القاعة الشرفية التي امتلأت بالصحافيين وكاميرات القنوات المغربية. أحسّ الشعراء بفخر كبير. وانتهى الحفل بكلمة محمد عريج الفائز بالجائزة التي خصها بشكر أصدقائه الذين باركوا له الفوز وشكر الشاعرين على مستواهما الطيب في تمثيل المغرب. وانطلق الشعراء كل إلى بيته وعيونهم تتسلق السماء».
للوهلة الأولى، يبدو كما لو أن المسألة تتعلق بخبر صحيح، ولكنّ مَن يستحضر واقع الحال في المغرب يتبين له أن التدوينة مجرد طرفة وسخرية مبطنة، الهدف منها إظهار التجاهل الرسمي والإعلامي لفوز شاعر مغربي بإحدى أرفع الجوائز الأدبية العربية: «جائزة كتارا لشاعر الرسول» التي آلت إلى محمد عريج، فيما تأهل زميلاه محمد الساق وسعيد بنعياد إلى المسابقة النهائية التي جرت أواخر الشهر الماضي في العاصمة القطرية.
والواقع أن تجاهل الاستحقاق الشعري المغربي لم يقتصر على أعضاء الحكومة والمسؤولين المحليين المعنيين ومَن يدور في فلكهم فحسب، بل شمل أيضا وسائل الإعلام الرسمية، لا سيما القنوات التلفزيونية والإذاعية، حيث لم يجد الفائز وزميلاه في استقبالهم أية قناة؛ وهو ما يؤكد ـ من جديد ـ النظرة الاستصغارية للثقافة والمثقفين لدى المؤسسات الإعلامية المحلية.
أما لو تعلق الأمر بفائز أو بفائزة في مسابقة للغناء أو الرقص، لوجدنا القنوات التلفزيونية تستيقظ عن بكرة أبيها، وتوفد أطقمها إلى المطار، من أجل تخصيص احتفاء أسطوري يليق بالنجم الفائز، وتصوير أجواء الاستقبال وزغاريد العائلة والمعجبين والمعجبات، والتسابق من أجل إجراء الحوارات الصحافية مع النجم، ثم مرافقة الموكب الكرنفالي، كما لو أن الناس في عيد أو عرس حقيقي.
هكذا هم الشعراء والأدباء والمثقفون والباحثون في المغرب، لا يلتفت إليهم أحد تقريبًا، حتى لو فازوا بأرفع الجوائز العربية والعالمية. أما المغنّون والمغنّيات فلهم مكانة الصدارة في الاهتمام الرسمي والإعلامي؛ كما لو أن ثمة إرادة لجعلهم قدوة لدى الأجيال الجديدة، ودعوة هؤلاء إلى الإعراض ـ في المقابل ـ عن الثقافة والأدب والعلوم!

دولة في مواجهة فرد!

صار الممثل والمقاول المصري محمد علي، لوحده، قناة تلفزيونية قائمة الذات، لم يحتج إلى كاميرات وميكروفونات احترافية وأجهزة مونتاج وبث وإرسال وغيرها من التقنيات. وسيلته لإيصال صوته هي هاتفه المحمول؛ لأن المهم بالنسبة له هو إبراز الموقف والشجاعة في إبداء الرأي وتحفيز وعي الناس. وتحقق له ما أراد: زحزح عرش مصر!
وبعد أسابيع من التجاهل والاستهانة، لم يجد حكام مصر بدا من التحرك إزاءه، مستعينين بأسطولهم الإعلامي وفنانيهم. ويا للعجب، كيف صار فرد في مواجهة دولة، وصارت دولة في مواجهة فرد! لكن محمد علي يدرك أن بجانبه فئات عريضة من شعب مصر العظيم، وآية ذلك ملايين النقرات وعلامات الإعجاب والتعليقات التي تنالها فيديوهاته على الشبكة العنكبوتية. يضاف إلى ذلك، أن العديد من القنوات العربية والعالمية صارت تجد في تلك الفيديوهات مادة دسمة للتعريف بما يجري في بر مصر.
وهكذا صار محمد علي صانع الحدث الإعلامي والسياسي ومحركا للجماهير وموقظا للوعي الجمعي. ولكل جمعة موعد لا يخلفه الناس، رغم القبضة العسكرية والأمنية لنظام السيسي. لعلّ فجر مصر قريب!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: