صدام الشارع والسلطة ينزلق بالجزائر نحو الأسوأ

تفاقمت أجواء الغموض على مخارج الأزمة الجزائرية في الآونة الأخيرة، بعد دخول العنف على خط المشهد الداخلي، حيث صعدت السلطات الأمنية أساليب تعاملها مع احتجاجات المعارضين للنظام، وفي المقابل غابت شعارات التلاحم والتهدئة بين الشعب والمؤسسات الرسمية المتداولة خلال الأشهر الماضية لصالح الخطاب الصدامي.

ودخلت أساليب العنف والقمع على خط الأزمة السياسية في الجزائر بشكل لافت خلال هذا الأسبوع، بشكل يوحي بدخول الأزمة منعرجا جديدا، فبعد تكثيف أجهزة القمع لعمليات التعنيف والتوقيفات والسجن، تتجه في المقابل بعض القوى المعارضة إلى توسيع المواجهة بإثارة الرأي العام الدولي والعمل على توثيق ما تصفه بعمليات “القمع” بالصوت والصورة لاستغلالها في التوقيت المناسب.

وفيما يسود شبه إجماع لدى الشارع الجزائري على رفض التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي، وعلى حرمة الاستعانة بأي طرف كان، لا يمانع ناشطون من التواصل مع دوائر حقوقية وحتى سياسية خارجية، لشرح الوضع الداخلي أسوة بما تفعله السلطة مع شركائها الأجانب، وهو ما يعتبر تمهيدا لدخول الطرف الثالث على خط الأزمة.

واعتبرت احتجاجات الثلاثاء الماضي التي عنفت بشكل غير مسبوق، مؤشرا على انتقال السلطة إلى مرحلة جديدة في التعامل مع احتجاجات المعارضة السياسية وقوى الحراك الشعبي، في الحين الذي انحدر فيه خطاب الأخيرة من التلاحم بين الشعب ومؤسسات الدولة إلى مفردات الخصومة والصدام بين الطرفين.

وتواصلت وتيرة الاعتقالات في صفوف الناشطين الميدانيين والمعارضين، بشكل يوحي بأن أيام العنف الناعم بين الطرفين قد انتهت، حيث أوقف ثلاثة ناشطين جدد في مدينة وادي سوف في أقصى الحدود الشرقية، كما أوقف رئيس إحدى أكبر الجمعيات المعارضة للسلطة بالعاصمة الخميس.

وتحدثت تقارير محلية، عن قيام أشخاص بالزي المدني بتوقيف رئيس جمعية “تجمع – عمل – شباب”، المعروفة بالاختصار اللاتيني بـ“راج”  عبدالوهاب فرساوي، وذلك أمام مبنى محكمة عبان رمضان بوسط العاصمة، التي كانت تنظر في ملفات عدد من الموقوفين من الجمعية وناشطين آخرين.

رغم مبررات السلطة لتوظيف العنف المشروع، من أجل الوصول إلى تنظيم انتخابات رئاسية في أجواء من الاستقرار السياسي والاجتماعي، إلا أن الحالة السائدة تدفع بالبلاد إلى منعرجات مجهولة

وذكرت أن عناصر بالزي المدني يرجح أن تكون أمنية، أمرت عبدالوهاب فرساوي بمرافقتها إلى وجهة مجهولة، بعدما كان يهم بمغادرة الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت الخميس تضامنا مع موقوفين من جمعية “راج” أحيلوا على القضاء للنظر في ملفاتهم.

وفيما تحدثت مصادر مطلعة عن إطلاق سراح جميع الطلبة الجامعيين والأشخاص الذين اعتقلوا في احتجاجات الثلاثاء الماضي، تواصلت العمليات الأمنية ضد عدد من الناشطين بالعاصمة وبعض مدن البلاد، مما خلق حالة من الاحتقان عشية استعدادات السلطة للدخول في تنظيم الاستحقاق الرئاسي المقرر في الـ12 من ديسمبر المقبل.

وتتجه الأنظار لمتابعة نوعية المعاملة الأمنية التي تخفيها الأجهزة المختصة للتعاطي مع الاحتجاجات المنتظرة الجمعة، في الأسبوع الـ34 من عمر الحراك الجزائري، لتأكيد التحول في استراتجية السلطة أو تجاوز حالة الثلاثاء الماضي واعتباره فعلا معزولا ينطوي على محاولة من السلطة لترهيب المعارضة لا غير.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الليونة التي ظهرت على احتجاجات الشارع الجزائري في الأشهر الأولى، تتجه إلى المزيد من الشدة والصلابة، الأمر الذي يعتبر تحولا جديدا في معالجة الأزمة من طرف السلطة، مقابل توسع الفجوة بين المحتجين والمؤسسات الرسمية في البلاد.

ويضيف هؤلاء أن خطاب المرافقة والحماية الذي تروج له قيادة المؤسسة العسكرية للحيلولة دون إراقة الدماء أو استعمال أدوات القمع الشديد، انتهى إلى حملة توقيفات واسعة وإلى عشرات السجناء، وتكميم الحريات السياسية والإعلامية بشكل لم يحدث أثناء سلطة الرئيس السابق.

ولا يزال إصرار السلطة على تنظيم الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية العام الجاري، للخروج من حالة الفراغ المؤسساتي في البلاد، يقابل برفض قطعي من طرف المعارضين، بدعوى افتقاده للشروط الأساسية والظروف المناسبة، وأن السلطة تتجه لتجديد نفسها وتجاهل المطالب الأساسية المرفوعة منذ شهر فبراير الماضي.

ورغم مبررات السلطة لتوظيف العنف المشروع، من أجل الوصول إلى تنظيم انتخابات رئاسية في أجواء من الاستقرار السياسي والاجتماعي، إلا أن الحالة السائدة تدفع بالبلاد إلى منعرجات مجهولة.

وشبه ناشط سياسي الوضع السائد حاليا، بما عاشته البلاد في مطلع تسعينات القرن الماضي، لما تحولت حينها لافتة “بلدية إسلامية” إلى فتيل عنف بين السلطة وقيادة الحزب المنحل، حيث كان يصر رؤساء بلديات جبهة الإنقاذ على رفع اللافتة المذكورة في واجهات المقار، بينما كانت السلطة تلح على نزعها، أما الآن فيجري تصفيد مكاتب الانتخابات بالمسامير والألواح من طرف الرافضين لها، بينما تصر الإدارة على فتحها أمام المتعاملين معها.

ومع ذلك يبقى شعار السلمية الذي يتبناه الحراك الجزائري، أقوى سلاح ناعم يرفعه في وجه السلطة، فبواسطته تم تجاوز العديد من المطبات والمعارك غير المعلنة لتحويل المطالب الأساسية إلى مسائل هامشية أو تفكيك الإجماع الشعبي على إنهاء وصاية النظام الحالي على البلاد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: