الهجرة من المغرب … حلم النجاة الأخير

من الغريب اليوم والمشاهد عند الشارع المغربي هو الحديث عن هجرة الشباب عندهم بصورة ملفة للنظر حيث لا يخلوا مجلس من الحديث عنه، وشكل مشكلة مجتمعية يصعب ايقاف مسارها دون وضع قوانين تحمي الوطن وعدم اخلائه من طاقاته وكفاءاته التي لابد منهم لرسم مستقبل وطنهم.

وطبعاً لا يختلف إثنان على أسباب الهجرة عند هؤلاء الشباب هو الحلم بالحياة الجميلة والغنى الفاحش وبالوصول للقمة والعيش الكريم، فمن أجل ذلك تراهم مندفعين دون التفكير بالعواقب والاخطار المحدقة التي قد تواجههم وتهدد حياتهم و دون التفكير في عواقب تلك الرحلة المجهولة المصير و المحفوفة بالمخاطر.

نعم الوطن المغربي الحالي وبكافة حكوماته المتعاقبه لم توفر للشباب المستقبل والحياة الكريمة، والقلق الذي يصيب عوائلهم للقادم المظلم، من ارتفاع نسبة البطالة والفقر وفقدان الاستقرار الأمني وتفشي المحسوبية والواسطة والفساد ونقص بالخدمات الحياتية ادت بالتالي للتفكير بهجرة الالاف من الشباب إلى أوروبا، ما فتح باب الربح على مصراعيه للمتاجرين من اصحاب هذه المهنه الشريرة علاوه على بعض شركات السفر والسياحة ودفع هؤلاء الشباب على البحث عن بلد بديل يمنح لهم حياة أفضل، متناسين ان الآف الغارقين في البحر لرداءة وضيق القوارب التي هاجروا فيها للبحر وجشع المتاجرين، وتناسوا أيضاً أن أغلب المهاجرين المتواجدين في اوروبا يعملون بأدنى الوظائف واسوأها في هذه البلدان، ولكن الأغلبية متمسكون بفكرة أن الذي يذهب لهذه البلاد بالتأكيد سيجد حظّة الضائع الذي افتقده في وطنه ليس بالجانب الاقتصادي فقط بل هناك الجوانب الفكرية والسياسية.

وبات الاستقرار النفسي والإجتماعي حلما لا يمكن تحقيقه في ظل ظروف الوطن وخاصة مشكل الصحة و التعليم و الفساد في كل القطاعات ، وبالتزامن مع الإهمال الذي يعانيه خاصة شباب المنطقة الريفية من قبل الجهات المعنية والحكومية، وبرغم المناشدات الكثيرة، كل هذا وغيره دفع عددا ليس بالقليل من الشباب للتفكير والعمل للهجرة تخلصاً من همومهم التي تتزايد بمرور الوقت، على الرغم من أن الهجرة مغامرة غير محسوبة النتائج إلا أنها تبقى خيارا مفتوحا وأملا يداعب الكثير من الشباب بالخلاص المرتجى.

أضحت الهجرة بالمغرب ظاهرة اجتماعية مستفحلة لا تقتصر فقط على الهجرة السرية بقوارب الموت وإنما بشكل قانوني من خلال عقود عمل وتأشيرات لدول مختلفة يطلبها كفاءات وحاملي شواهد ودبلومات بالمغرب. سنحاول تناول هذا الموضوع من خلال جانبين الأول يتطرق للهجرة السرية والثاني يتطرق لهجرة الكفاءات والأطر. فبخصوص الهجرة السرية عرفت أوجها خلال السنوات الأخيرة 2016-2017-2018 ووصلت نسبتها لأرقام قياسية لم تصلها منذ سنوات، حيث تشير بعض الأرقام لبلوغ أكثر من 10 آلاف مهاجر سري للضفة الأخرى سنة 2017 عكس التصريحات الرسمية للحكومة التي تنفي وصول هذا العدد.

وتمظهرت الهجرة مؤخرا من خلال وسائل جديدة كالاعتماد على الدراجات النارية البحرية أو الزوارق السريعة (زودياك، فونطوم، الشبح …) بينما لم يعد يتم اللجوء إلى الاختباء وسط شاحنات نقل السلع كما كان يتم في السابق وتم التشديد على هذه الطريقة الأخيرة من خلال وضع أجهزة الكشف والتحسس لشاحنات نقل البضائع الضخمة بعد أن هاجر بهذه الطريقة عشرات الآلاف وأغلبهم كان من القاصرين ومنهم من كان قد لقي نحبه بين عجلات الشاحنات. وقد ظهرت خلال شهري غشت وشتنبر من هذه السنة 2019 زوارق تعمل بثلاث محركات أو أكثر تقل معها المرشحين الراغبين في الهجرة وذلك بشكل مجاني دون أي أجر يذكر الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام .

الهجرة هي تعبير عن رفض البقاء في البلد ورفض سياساته المفروضة على مواطنيه واحتجاج على الوضع المزري، فالاحتقان بات يخيم على المواطنين من خلال سخطهم المتواصل على ما وصل إليه الوضع
أما بخصوص هجرة الكفاءات فهي هجرة تنعش البلد المستقبل أكثر من الهجرة السرية التي تنعشه أيضا باليد العاملة الرخيصة، فهجرة الكفاءات كان يصطلح عليها في الماضي هجرة الأدمغة. وهي هجرة ازدهرت مؤخرا ونجدها بمظاهر مختلفة، إما أن يكون الشاب (ة) قد درس ببلد أجنبي (إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، كندا…) وبعد نهاية دراسته يرفض العودة ويندمج هناك من خلال التحفيزات التي تقدم إليه وظروف الرفاه التي يعيشها عكس المغرب أن تكون موظفا عموميا وبأجرة 800 أورو أو الف أورو ستعاني لأنك ستصنف في الطبقة المتوسطة أو أقل، و إما أن يكون الشاب (ة) درس بالمغرب وحصل على شواهد عليا أو دبلومات مهنية فيراسل شركات أجنبية وتتكلف لهم بكل الوثائق والتأشيرة وما إلى ذلك فيغادر البلاد نحو عمل أفضل وحياة كريمة. وتجد تخصصات الكفاءات مختلفة بين الطب والصيدلة والهندسة والمعلوميات. ففي خطاب ملك المغرب الأخير أكد فيه على ضرورة احتضان الكفاءات والاعتناء بالشباب وفتح فرص شغل.

عن أسباب الهجرة، فهي نتاج ظواهر أخرى كالبطالة والفقر وعنوسة الرجال والنساء وقلة الخدمات الاجتماعية وارتفاع مستوى المعيشة بالمغرب ودخول الحكومة في اصلاح صندوق المقاصة لدعم المواد الغذائية الأساسية التي رفعت الحكومة يدها عنه، وتقليص نسبة التوظيف والتوجه نحو التوظيف بالتعاقد الشيء الذي يرفضه الشباب الحامل للشواهد ويضطر مكرها للانخراط فيه هروبا من البطالة، والاصلاح المشؤوم لصناديق التقاعد الذي جعل المتقاعد يشتغل سنوات أكثر ويساهم في الصندوق بشكل أكبر ويخرج بمعاش تقاعد أقل.

كذلك فقدان المواطن المغربي الثقة في المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية والبرلمان، الذين يعتبرون مرآة للشعب لكنهم عكس ذلك، في مرضهم يتعالجون ببلدان أجنبية، يدرسون أبناءهم هناك، يصرفون أموالهم هناك، يقضون عطلاتهم هناك. ثم ضرب التعليم من خلال تغيير البرامج التعليمية والمقررات الدراسية والاتجاه نحو التدريج بدل التعريب، وضرب مجانية التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص وعدم إيجاد بدائل للمنقطعين عن الدراسة والاتجاه نحو خوصصة التعليم.

والهجرة هي تعبير عن رفض البقاء في البلد ورفض سياساته المفروضة على مواطنيه واحتجاج على الوضع المزري، فالاحتقان بات يخيم على المواطنين من خلال سخطهم المتواصل على ما وصل إليه الوضع الاجتماعي والصحي والتعليمي.. ومؤخرا أعلن ساكنة حي صفيحي بأكمله الهجرة بشكل جماعي مشيا على الأقدام من مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للبلاد نحو مدن الشمال وذلك بعضد هدم منازلهم وعدم تعويضهم بمنازل أخرى لائقة بالعيش الكريم وتركهم عرضة للشارع يفترشون الأرض ويتغطون بالسماء، كما احتج شباب الألتراس بمدينة تطوان رافعين شعارات مختلفة كالشعب يريد اسقاط الجنسية، والشعب يريد الهجرة الجماعية
لاشك بخروج هذه الفئة الشبابية ستخسر هذه الكفاءات التي تعد أساس مستقبله، وكذلك خسارة أرواحهم وسط طلاطم امواج البحار والمحيطات، بواسطة عصابات من المهربين المتواجدين في كل بلد، كل مهرب يأخذ مجموعة من المهاجرين من مكان الى آخر وتسليمهم الى مهرب آخر.

وللحد من ذلك لا بد من توفير الدوافع التي تمنعهم من الهجرة كالعمل المناسب و على تحسين أوضاعهم المعيشية. وكذلك لا بد من وضع برامج توعوية للشباب تمنعهم من الهجرة التي تعد مساراً خطراً، ونهاية لأرواحهم وليس تحقيقا لأهدافهم التي كانوا يسعون إليها، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وخطباء المساجد والمدرسين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في إبراز سلبيات هذه الظاهرة، ووضع برامج تثقيفية تبين مخاطر الهجرة غير الشرعية التي يتعرض لها الشباب عبر وسائل الإعلام وإيصالها للمجتمع للحد منها، وحوادث الغرق ومخاطر الهجرة على البلاد الأخرى ، وتداعياتها في المستقبل، والعمل لوضع آلية لافهامهم السلبيات التي تحيط في دول المهجر وتشجيعهم على العودة الطوعية، والحكومة مسؤولة لايجاد السبل من أجل النهوض بواقع الشباب، والتركيز على تلبية احتياجاتهم، وتحقيق طموحاتهم لغرض الحد من هجرتهم الى المجهول.

خلاصة القول أن الحياة الصعبة التي يحيياها الشباب في وطنه، لا يفتأ حلم الهجرة يداعب عقولهم يدفعهم إلى ذلك صعوبات كثيرة تواجههم في وطنهم الأم، من بينها التكافؤ في الحصول على فرص العمل والدخل المحدود وتدني الخدمات الاجتماعية ونقص الحريات والفقر والبطالة علاوة على الاقتتال والنزاعات وانعدام الأمن والمشاكل العائلية وعمليات الثأر والأمية، وعادة ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس المواطن بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافة إلى متعة الانتماء إلى الحضارة المنتصرة، وهو الأمر الذي يوقعهم كثيرا ضحية لإعلانات الهجرة المضللة التي تنشر في الجرائد، وتستغل الطموح الزائد وقلة الخبرة لدى الشباب لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

آخر الكلام:
على الجميع أن يعلم أن الشباب طاقة إما أن تستغل في بناء الوطن، أو أن يستغلها الآخرين من أصحاب النفوس المريضة لتدمير الوطن والهجرة منه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: